ازدادت، في الآونة الأخيرة، وتيرة الاستهداف الإسرائيلي لقادة عسكريين كبار في “الحرس الثوري” الإيراني، خلال وجودهم على الأراضي السورية، وكان آخرَها قصف إسرائيلي استهدف بناية سكنية في حي المزة بدمشق، أدّى إلى مقتل مسؤول استخبارات “فيلق القدس” في سوريا، صادق أوميد زادة، إلى جانب نائبه حاج غلام وضابطين إيرانيين آخرين.
وكالعادة توعد النظام الإيراني بالرد على مقتلهم، وعلى طريقة النظام السوري، في المكان والزمان المناسبين، فيما تولى وزير خارجية النظام فيصل المقداد، تكرار ما لم يملّ النظام من تكراره حول أن “الإسرائيليين سيدفعون الثمن عاجلاً أو آجلاً”.
طبعاً لن يفعل نظام الأسد أي شيء يؤذي إسرائيل، بل على العكس سيمضي في الحفاظ على تحويل مناطق سيطرته ملعباً إسرائيلياً، تستهدف فيها ما تشاء، فيما لن يكون رد النظام الإيراني استهداف أي شخصية عسكرية إسرائيلية، بل الإيعاز لأحد وكلائه بإطلاق صواريخ نحو إسرائيل، أو استهداف القواعد العسكرية الأميركية، خاصة في سوريا والعراق، وربما في البحر الأحمر، وذلك عبر استهداف جماعة الحوثي اليمنية لسفن تجارية إسرائيلية وأميركية.
الاستهداف الإسرائيلي جاء بعد توتر العلاقات بين النظام الإيراني وحكومتي بغداد وإقليم كردستان العراق على خلفية قصف إيران ما ادعته مقار للموساد الإسرائيلي في مدينة أربيل، والرد الباكستاني السريع على القصف الإيراني لمواقع “جبهة تحرير بلوشستان”.
لكنه عمّق في الوقت نفسه التساؤلات حول مدى الانكشاف الأمني للوجود العسكري الإيراني في سوريا أمام عمليات إسرائيل، ودفع بعض الأوساط الإيرانية إلى اعتبار أن من أعد سيناريو الهجمات الإيرانية على العراق وسوريا وباكستان، مهما كانت مبرراته، خدم إسرائيل خدمة كبيرة وعمل لصالحها، ولصالح معارضي إيران في دول الجوار.
تواتر العمليات النوعية التي تستهدف قادة عسكريين كباراً في “الحرس الثوري” الإيراني واستخباراته في سوريا، يطرح أسئلة عن مدى اختراق الاستخبارات الإسرائيلية والأميركية للحرس، ولأجهزة الاستخبارات التابعة للنظام السوري، وقدرتها على تجنيد عملاء إيرانيين وسوريين يملكون معلومات دقيقة، وبما يجعل عمليات الاستهداف تحقق غايتها..
اللافت أن الولايات المتحدة تعتبر “أوميد زادة” العقل المدبر لهجمات الميليشيات الإيرانية على القوات الأميركية في سوريا، الأمر الذي يشي بوجود تنسيق استخباراتي عالي المستوى بين الولايات المتحدة وإسرائيل في مثل هذه العمليات.
لكن الأهم أن تواتر العمليات النوعية، التي تستهدف قادة عسكريين كباراً في “الحرس الثوري” واستخباراته في سوريا، يطرح أسئلة حول مدى اختراق الاستخبارات الإسرائيلية والأميركية للحرس، ولأجهزة الاستخبارات التابعة للنظام السوري، وقدرتها على تجنيد عملاء إيرانيين وسوريين يملكون معلومات دقيقة، وبما يجعل عمليات الاستهداف تحقق غايتها، إذ سبق أن قتلت إسرائيل، رضي الموسوي، المسؤول العسكري الكبير في “فيلق القدس” بضاحية السيدة زينب جنوبي العاصمة دمشق، إضافة إلى استهدافها المتكرر لمواقع إيرانية في سوريا، وشن هجمات على مجمعات ومنشآت عسكرية ونووية داخل إيران، فضلاً عن اغتيالاتها التي طالت قادة من حركة حماس، ومسؤولين عسكريين في “حزب الله” اللبناني، وفي ميليشيات أخرى موالية لنظام الملالي الإيراني.
اعتبرت أوساط إعلامية داخل إيران أن عملية الاغتيال تشكل صدمة وحيرة، كونها تأتي بعد أقل من شهر على مقتل رضي الموسوي، وطالبت بعض الصحف الإيرانية بضرورة إيجاد بروتوكول أمني جديد لحماية القادة العسكريين في سوريا، لأنه من الممكن أن تحدث اغتيالات أكثر مرارة في المستقبل، ولم تتردّد في اتهام النظام السوري بأنه مخترق إسرائيلياً.
في المقابل، نظرت صحف إيرانية أخرى إلى الاغتيالات من جهة الآثار الاقتصادية المترتبة على التصعيد العسكري في المنطقة، التي تظهر بسرعة على الاقتصاد الإيراني، لأنه فقد قوته وتحمله في مواجهة الأزمات، ورأت بضرورة أن تسلك إيران نهجاً يؤدي إلى خفض التوتر وإنهاء التصعيد.
الملاحظ أن بعض المعلقين الإيرانيين بدأ بإثارة تساؤلات عن ممكنات تزويد نظام الأسد أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية بمعلومات حول تحركات القادة العسكريين والأمنيين الإيرانيين في سوريا، ما يشي بأن أصابع الاتهام بدأت بالتوجه نحو أجهزة الأسد الأمنية.
لكن ذلك لا يخفي حجم تغلغل الاستخبارات الإسرائيلية في إيران نفسها، وتجنيدها إيرانيين كثيرين للعمل لصالحها، وما يدعم ذلك هو تحذيرات العديد من مسؤوليها من ازدياد حجم هذا التغلغل، حيث وصلت تحذيرات بعض مسؤولي النظام الإيراني إلى حدّ القول بأنه بات على جميع المسؤولين الإيرانيين القلق على حياتهم.
وقد سبق لإسرائيل أن نفّذت عمليات عديدة داخل إيران، كان أبرزها اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زادة في مقاطعة “دماوند” شرقي العاصمة طهران، في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، الأمر الذي أربك المؤسسات الأمنية والإعلامية الإيرانية، التي راحت تتقاذف المسؤوليات حول التقصير في حماية “أبو القنبلة النووية الإيرانية”، بحسب ما كان يلقّب “فخري زادة”.
لا تخرج الاغتيالات التي تنفّذها إسرائيل بحق قادة عسكريين إيرانيين عما تخوضه إيران وإسرائيل من صراع خفي، أو ما يدعى “حرب ظل”، لكن الطرف الإيراني عادة ما يكون رد فعله على العمليات الإسرائيلية عن طريق وكلائه في المنطقة وخاصة “حزب الله” اللبناني، والأمر يتعلق بالتنافس على الهيمنة بين المشروعين التوسعيين لكل من إسرائيل وإيران، وسعي الطرفين إلى تجنب المواجهة المفتوحة، وعدم المخاطرة بمواجهة قد تفضي إلى حرب بينهما.
وذلك على الرغم من أن بعض الأوساط السياسية الإسرائيلية تطالب باستهداف إيران بصورة مباشرة، بدلاً من استهداف مخالبها في المنطقة، تطبيقاً لنظرية قطع رأس الأخطبوط بدلاً من أذرعه، التي يتبناها العديد من ساسة إسرائيل، خاصة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، نفتالي بينيت، بحسب تصريحه لمجلة “إيكونوميست” البريطانية في يونيو/ حزيران 2022، حيث طالب باعتماد إسرائيل معادلة جديدة في المنطقة، وفق ما سماه “عقيدة الأخطبوط”، التي تقضي باستهداف “المنبع”.
تأتي التساؤلات عمّا إذا كانت أجهزة النظام السوري نفسه متورطة بتقديم معلومات لإسرائيل عن تحركات القادة العسكريين الإيرانيين في سوريا، بعد تحذيرات وتهديدات إسرائيلية للنظام ولبشار الأسد شخصياً للنأي بنفسه عما يجري في المنطقة..
تأتي التساؤلات عما إذا كانت أجهزة النظام السوري نفسه متورطة بتقديم معلومات لإسرائيل عن تحركات القادة العسكريين الإيرانيين في سوريا، بعد تحذيرات وتهديدات إسرائيلية للنظام ولبشار الأسد شخصياً للنأي بنفسه عما يجري في المنطقة، وسط استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والقصف الإسرائيلي شبه اليومي والأسبوعي على مطاري في دمشق وحلب، وعلى منشآت ومواقع عسكرية إيرانية في سوريا، فيما يكتفي النظام بتكرار عبارته الفارغة: “الدفاعات الجوية تصدت لصواريخ العدوان”.
ومع ذلك تمضي كل من إسرائيل وإيران في استباحة الأرض السورية وجعلها ساحة للمناوشات بينهما، ضمن معادلة الاستهداف الإسرائيلي والوعيد الإيراني، التي تعمل إيران وفقها بضبط حجم ردود فعلها بعد كل استهداف إسرائيلي.
Sorry Comments are closed