منذ اليوم الأول لعملية “طوفان الأقصى” لم تتوقف تهديدات قادة الكيان الصهيوني بالقيام بعملية عسكرية برية تقضي على حركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية.
رئيس الأركان الإسرائيلي قال: “سندخل قطاع غزة بهدف القضاء على عناصر حماس”. أما وزير الدفاع فقد وضع خطة لاجتياح القطاع وأبلغها للجنة الخارجية والأمن في الكنيست.
ورغم كل التصريحات ما زالت إسرائيل مترددة وتحشد عشرات الآلاف من جنودها المدججين بأحدث الأسلحة، واستدعت أكثر من 200 ألف عنصر من الاحتياط، مستقوية بحاملات الطائرات الأميركية والدعم الغربي اللامحدود. حشود وتحضيرات تظهر وكأن المعركة مع دولة عظمى، يتم التمهيد لها بسياسة الأرض المحروقة من خلال القصف الجوي والمدفعي والصاروخي الهستيري، مستأسدة على المدنيين، ومركزة على تدمير البنية التحتية، لقتل أكبر عدد من أهالي غزة، واجبار سكان القاطع الشمالي من المدينة على النزوح الى الجنوب.
هذا القصف الهستيري لقوات الاحتلال يدلّ على مخاوف كبيرة لدى قادة إسرائيل من الإقدام على العملية البرية أو الاكتفاء بعملية محدودة، ومن اهم تلك المخاوف والتحديات:
أولاً: أن تفشل العملية البرية وتتكبد القوات الإسرائيلية خسائر كبيرة وأثمان باهظة، لا تبدو حكومة نتنياهو قادرة على تحمل تبعاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية. فقد أثبتت عملية “طوفان الأقصى” عدم جهوزية الجيش الإسرائيلي وانخفاض الروح المعنوية لدى جنوده، بعد أن كُسرت هيبته امام الشعب الإسرائيلي والعالم، وزعزعة ثقة المطبعين العرب الذين كانوا يأملون منه حمايتهم من التهديدات الإيرانية.
ثانياً: حالة التضامن الواسعة مع المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة من قبل الشعوب العربية والإسلامية والأصوات الحرة في الغرب وكل أنحاء العالم التي بدأت تضغط على حكوماتها لوقف العدوان على غزة.
ثالثاً: أحد أهم أهداف العملية البرية أن إسرائيل وضعت نصب عينيها تهجير سكان غزة إلى سيناء المصرية، لكن رفض القيادة المصرية وبعض الدول العربية لهذا الخيار، وأمام الوحدة الوطنية للفلسطينيين وتشبث سكان القطاع بالأرض، وعدم تحميلهم فصائل المقاومة مسؤولية ما يحصل، عززت قوة الموقف، ما سيلعب دوراً مهماً في المعركة البرية إن وقعت، بعد أن عولت إسرائيل على انهيار الجبهة الداخلية الفلسطينية.
رابعاً: احتمال توسع جبهات المواجهة وتدخل حزب الله اللبناني والميليشيات الإيرانية من جبهة سوريا، رغم ان هذا الخيار ما زال ضعيفاً جداً حتى الآن، وكل ما نراه من مواجهات في جنوب لبنان يبقى ضمن قواعد الاشتباك التي لا تشكل تهديداً جدياً على إسرائيل، الا أن الخيار يبقى مفتوحاً بشروط معروفة أهمها شعور هذه القوى بأنها التالي بعد حماس.
لولا أن فكرة اجتياح غزة مكلفة وخطيرة على الإسرائيليين لما ترددوا كل هذا الوقت، وهذا التمهل يعني أن تل أبيب تقوم بدراسات عسكرية واستخباراتية معمقة بالتعاون مع واشنطن وعواصم غربية أخرى، لتحديد إمكانيات فصائل المقاومة واستكشاف قدراتها العسكرية التي تضاعفت كثيراً عما كانت عليه في آخر حرب بينهما.
إن إرسال الغرب لكل هذه التعزيزات العسكرية إلى البحر المتوسط ليس سوى تأكيداً على خطورة الأمر وخطورة ما هم مقدمين عليه، وربما الأمر يتجاوز غزة. وما يدلل على ذلك، الأبعاد الخطيرة لتصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في لقائه الصحافي مع رئيس حكومة الحرب الإسرائيلية الثلاثاء، حيث اقترح بناء تحالف إقليمي ودولي، على غرار التحالف الدولي لمواجهة “داعش”، لمواجهة المجموعات التي تهددهم جميعاً على حد قوله، وفي هذه الحالة سيكون خيار فصائل المقاومة الفلسطينية حتماً توسيع جبهة المواجهة بحيث لا تقتصر على غزة وغلافها.
كل المؤشرات تشي بأن ما يجري في غزة هو مقدمة لمشروع غربي لتغيير منطقة الشرق الأوسط، الذي تحدث عنه نتنياهو وأكده الرئيس الأميركي جو بايدن، وهذا ما يقلق العديد من دول الجوار، وخصوصاً مصر والأردن، ودول إقليمية مثل تركيا وإيران ومحورها، وفي حال شعرت تلك الدول بأنها مستهدفة بخطة التهجير والتغيير فمن المؤكد أنها لن تقف متفرجة.
غالباً ستعمل هذه الدول على مواجهة الخطة بطرق عدة، قد يكون في مقدمتها دعم فصائل المقاومة، وربما تعمل على إنتاج فصائل وتنظيمات جديدة مستفيدة من وصفة النظام السوري والنظام الإيراني بعد الغزو الأميركي للعراق، التي استخدموها لضرب مشروع الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش، الذي كان يضع سوريا كهدف تالٍ بعد العراق ومن بعدها إيران، وتحكموا بها تحت مسميات مقاومة الاحتلال. وقد أربكت القوات الأميركية وأشغلتها عن تنفيذ خطتها. وتدرك الولايات المتحدة والغرب تماماً أن التنظيمات هي سلاح دول المنطقة التي لا يمكنها استخدام الجيوش في مواجهة القوى العظمى.
من المؤكد أن تلك الدول لن تفكر بالدخول في مواجهة مباشرة مع إسرائيل والغرب، الا أنه من المحتمل أن تشكل تحالفاً مشتركاً من خلال توظيف كل القوى والفصائل في المواجهة المحتملة. الأمر معقد جداً على إسرائيل وعلى الغرب، وإذا كان التوغل البري في غزة يحتاج كل هذه الحسابات، فكيف والحديث عن تغيير وجه المنطقة؟
فهل سيقدم الإسرائيليون وحلفاؤهم على تنفيذ تهديداتهم أم أن الجميع سيستحضرون دروس أفغانستان والعراق ويقتنعون بأن استقرار المنطقة لن يتحقق إلا بحل الدولتين، والابتعاد عن منطق القوة الغاشمة والجشع الذي سُيفجر أنهاراً جديدة من الدماء بما في ذلك دماء الجيوش الأجنبية التي سيتحتم على قادتها بعد سنوات التراجع والإقرار بالفشل والعبثية، كما حصل في أفغانستان والعراق.
ماذا لو قررت دول المنطقة دعم فصائل المقاومة؟
المصدر
المدن
عذراً التعليقات مغلقة