دفنوهم بصمت.. تقرير يكشف تعذيب وقتل المعتقلين في مشافي نظام الأسد

فريق التحرير4 أكتوبر 2023آخر تحديث :
مبنى إدارة الخدمات الطبية في منطقة برزة شمال دمشق – المصدر: رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا

كشف تقرير استقصائي أصدرته “رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا” بعنوان “دفنوهم بصمت” دور مشافي نظام الأسد العسكرية والمخابرات العسكرية في جرائم تعذيب وقتل المعتقلين وصولاً إلى تسليم جثثهم وإعداد تقارير مزورة حول وفاتهم.

وأوضح دياب سرية، المدير التنفيذي لرابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا أن التقرير يقدم معلومات دقيقة عن جرائم تعذيب وحشية حصلت في مشفى تشرين العسكري، “كما يحدد بدقة أماكن دفن المعتقلين المتوفين والجهات التي تحتفظ بنسخ عن ملفاتهم. لا تستطيع حكومة النظام الإنكار أو الادعاء بجهل هوية الضحايا، ولا يعوقها شيء عن كشف أسماء المعتقلين المتوفين وأعدادهم سوى الإرادة السياسية. ندعو المجتمع الدولي والدول المطبّعة مع النظام السوري إلى التعامل بجدية مع المعلومات الواردة في التقرير والطلب من النظام تسليم قوائم أسماء المعتقلين المتوفين الموجودة في القضاء العسكري والشرطة العسكرية كخطوة أولى صغيرة على طريق حل قضية المفقودين. يتيح وجود مثل هذه السجلات والتوثيقات فرصة كبيرة للمؤسسة الدولية الجديدة لاستجلاء مصير المفقودين في سورية وأماكن وجودهم لتحديد نقطة انطلاق أولى للكشف عن مصير الضحايا”.

واعتمد التقرير على شهادات استخلصت من 154 مقابلة أجريت مع 32 شخصاً بينهم معتقلون سابقون تم نقلهم إلى مشفى تشرين العسكري، و”أطباء وممرضون عملوا فيه وآخرون عملوا في المخابرات العسكرية أو الشرطة العسكرية والأمن السياسي والقضاء العسكري”، وذلك في الفترة الممتدة بين آب/أغسطس 2022 وتموز/يوليو 2023.

وبحسب التقرير فإن مشفى تشرين العسكري كانت مكانا لتعذيب وتصفية السجناء المتمردين مع انطلاق الحراك الشعبي في عام 2011، وكشف التقرير دور الكادر الطبي في ذلك، فضلاً عن دورها الرئيسي في العناية بصحة العسكريين والعاملين في الأجهزة الأمنية، وتوفير الخدمات الصحية.

كما يكشف التقرير تفاصيل عمل مفارز “الشرطة العسكرية” و”المخابرات العسكرية”، وعمليات التصفية المرعبة داخل أولى المحطات المعروفة باسم “النظارة”، وصولا إلى توثيقها بناء على شهادات لآلية نقل جثث المعتقلين، حتى يتم دفنها في مقابر جماعية.

ويوضح أن تلك الآلية تجري بناء على إجراءات خاصة في التعامل مع المعتقلين من قبل الكادر منذ وصول المعتقل إلى المستشفى الذي يخضع لحراسة مشددة، حيث يتم عزل المعتقلين عن باقي المرضى في قسم خاص، ويتم التعامل معهم بطريقة غير إنسانية، من تعذيب وعنف.

ويقتصر دور الطبابة الشرعية على توثيق وفاة المعتقلين وإصدار شهادات وفاة “لإضفاء شرعية على الجرائم” ثم تسليم جثث إلى مفرزة الأمن العسكري، والتي تقوم بدورها في تحميل الجثث ونقلها إلى مقابر جماعية، ضمن آلية محددة للنقل والدفن، وتوثيقها وتصويرها “بوجود مصور وطبيب شرعي برتبة عقيد من قسم المباحث والأدلة الجنائية في الشرطة العسكرية وعسكري من حرس مفرزة الشرطة العسكرية”، بالإضافة إلى طريقة التعامل مع الجثث من ضرب ودعس قبل دفنها في مقابر جماعية إحداها في منطقة جسر بغداد في ريف دمشق قرب مدينة عدرا العمالية، والتي تم افتتاحها بحسب التقرير بعد العام 2015، والتي أظهرت صور الأقمار الصناعية للمقبرة والتي التقطت خلال الأعوام بين عامي 2015 و2022، أعمال الحفر.

وأوضح التقرير أن شهادة الوفاة تعتمد من قبل رئيس قسم الطب الشرعي، أو من قبل ضابط الإدارة في حال عدم وجوده، والتي غالباً ما يتم تشخيص الوفاة فيها نتيجة توقف القلب والتنفس، وترفع شهادة الوفاة إلى الشرطة العسكرية التي بدورها ترفع تقريراً للقضاء العسكري، ومنها إلى الفرع الذي كان معتقلاً لديه، ثم إلى أمانة السجل المدني، وذلك بما يتعلق بالمعتقلين المتوفين في المستشفى.

أما المعتقلون الذين يقضون داخل مراكز الاحتجاز، فمنذ العام 2015 تغيرت الإجراءات التي لم تعد تستلزم نقل جثث المعتقلين إلى المستشفى العسكري، وإنما يتم “الاكتفاء بإرسال قائمة بالمتوفين في الفروع الأمنية إلى مفرزة الشرطة العسكرية في مشفى تشرين لتعد تقرير وفاة بناء على تقرير الفرع الأمني وترسله إلى شعبة الطب الشرعي في المشفى ليصدر شهادة وفاة ترفق مع ملف المعتقل”، أما بالنسبة للجثث فيتم دفنها في مقابر جماعية أيضاً.

دور مشفى تشرين العسكري في الجرائم
ويكشف التقرير عن التسلسل الهيكلي لإدارة مشفى تشرين العسكري -التي يترأسها طبيب برتبة لواء- بينهم “أطباء ضباط” وآخرون مدنيون، بالإضافة إلى العاملين والذين يتم اختيارهم بحذر، ومجندون حرس، واصفاً الهيكل البنائي للمستشفى المؤلف من 10 طوابق بما في ذلك مكان احتجاز المعتقلين المرضى، ومساحته الممتدة على 147 ألف متر مربع، حيث يضم “حوالي 36 شـعبة طبيـة تقـدر بمختلــف الاختصاصــات”، والعديد من الأقسام، وتقدر طاقته الاستيعابية بنحو 1200 سرير، بينما عدد العاملين فيه يقدر بنحو 1600.

وتم تعزيز المشفى بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة مع بداية الحراك، وذلك “خوفاً من تقدم قوات المعارضة إليه”، إلا أنه في العام 2014 مع تصاعد العمليات العسكرية، تم تعزيز المشفى يآليات ثقيلة وعتاد ثقيل من قبل الفرقة الرابعة، موضحاً نقاط توزع هذه الآليات بالنسبة لجهات المشفى، التي تم تدمير الأبنية المحيطة بها وقطع الأشجار، وذلك لرصد أي عملية تسلل في ذلك الوقت، فضلاً عن إضافة مفرزة ثالثة عسكرية.

الهيكل الإداري للمشافي العسكرية في سوريا

ووفقاً لما ورد في التقرير فإن هناك 30 مستشفى ومستوصفاً عسكريا لإدارة الخدمات الطبية موزعة على 14 محافظة 10 منها في محافظتي دمشق وريف دمشق، وهي تابعة لهيئة الإمداد والتموين التابعة بدورها لرئاسة هيئة أركان الجيش والقوات المسلحة في وزارة دفاع النظام السوري.

وختم التقرير بتوجيه جملة من التوصيات إلى المجتمع الدولي، حيث طالب منظمة الأمم المتحدة والمؤسسة الدولية لاستجلاء مصير المفقودين في سوريا وأماكن وجودهم، بجمع الأدلة والتحقيق في دور الشرطة العسكرية في سوريا، بالإضافة إلى توثيق المنشقين منهم واعتبار ذلك كنقطة انطلاق للكشف عن مصير المفقودين.

كما طالبت رابطة معتقلي ومفقودي صيدنايا وكالات الهجرة الأوروبية في “التدقيق بملفات طالبي اللجوء واللاجئين السوريين العاملين في المشافي العسكرية سابقاً أو في ملاك الشرطة العسكرية”، والتعاون مع المنظمات الحقوقية للتحقق من طالبي اللجوء، فيما إذا كان لدى أحدهم علاقة بشأن هذا الملف.

ودعت الرابطة منظمات المجتمع المدني السوري والمعنية بتوثيق “حالات المنشقين والموظفين السابقين في الأجهزة الأمنية، والشرطة العسكرية والمشافي العسكرية”، والتركيز على الإجراءات “البيوقراطية” المتبعة مع المعتقلين.

وشددت الرابطة على ضرورة قيام المجتمع الدولي فرض عقوبات على أفراد وردوا في التقرير، متورطون في عمليات الإعدام والدفن، بمن فيهم الكادر الطبي والإسعافي والطبابة الشرعية.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل