برغم الضجيج الإعلامي الذي أثاره النظام السوري حول أهمية زيارة رئيس النظام بشار الأسد للصين قبل أيام، خاصة على الصعيد الاقتصادي، إلا أنه لا مؤشرات واضحة على وجود نتائج حقيقية للزيارة، ما يجعلها بنظر بعض المراقبين، أقرب للجانب السياسي والإعلامي، برغم عناوينها الاقتصادية.
وبعد لقاء الأسد الرئيس الصيني شي جين بينغ، وقع الجانبان ثلاث اتفاقيات لـ”التعاون الاستراتيجي” تتعلق الأولى بـ”التبادل والتعاون في مجال التنمية الاقتصادية”، والثانية “تعاون اقتصادي وفني” والأخيرة عبارة عن “مذكرة تفاهم حول السياق المشترك لخطة التعاون في إطار مبادرة الحزام والطريق”.
ونقلت وسائل إعلام رسمية صينية عن الرئيس بينغ، قوله إن الصين “تدعم معارضة سورية للتدخل الأجنبي والعقوبات أحادية الجانب، وستدعم إعادة إعمار سورية”.
ومن المعروف أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، والعديد من الدول العربية، تربط دعم إعادة الإعمار في سورية، بتحقيق تقدم في إطار الحل السياسي.
ويرى مراقبون أن ثمة مصالح متبادلة بين الطرفين من حيث المبدأ، لكن الظروف الخاصة بسورية قد لا تساعد على تفعيلها في الوقت الحاضر.
والصين التي تسعى الى تعزيز دورها في الساحة العالمية، وفي الشرق الأوسط على وجه الخصوص، ترى في سورية إحدى الدول القريبة لسياساتها، ولها موقع جيد على ساحل المتوسط، ما يجعلها إحدى النهايات المحتملة لطريق الحرير الذي تعمل عليه الصين منذ سنوات، إضافة إلى تركيا.
وفي المقابل، يسعى النظام في سورية إلى الإفادة اقتصاديا من دول “حليفة” لديها إمكانات اقتصادية ضخمة في مرحلة إعادة الإعمار بعد مرور 12 عاماً على الحرب التي دمرت بناها التحتية، بالتزامن مع فرض عقوبات اقتصادية غربية قوية، منعت الدول الأخرى من الاستثمار في سورية، طالما لم يحصل تقدم في مسار الحل السياسي.
وقد يرى البعض أن زيارة الأسد للصين ربما تحمل تحولاً في سياسة بكين التي وإن كانت دعمت نظام الأسد في المحافل الدولية عبر استخدام حق النقض (الفيتو) لصالحه 8 مرات في السنوات الماضية، لكنها عموما فضلت الابتعاد عن الاشتباك مع الملفات الشائكة للمنطقة، ولم ترسل قوات الى سورية، أو تتدخل في مسارات الحل السياسي، مكتفية بدعم تحركات حليفها الروسي.
يرى مراقبون أن ثمة مصالح متبادلة بين الطرفين من حيث المبدأ، لكن الظروف الخاصة بسورية قد لا تساعد على تفعيلها في الوقت الحاضر
ولكن يبدو أن خطوات التطبيع العربي مع نظام الأسد ورغبة بكين في تعزيز دورها بالشرق الأوسط، شجعتها على التقدم خطوة نحو النظام في دمشق الذي يتطلع الى الصين بوصفها “المنقذ” في ظل انهماك حليفه الروسي في حرب أوكرانيا، وشح الدعم المالي من الحليف الإيراني، فيما توقف كما يبدو التطبيع العربي مع النظام الذي كان يعول عليه الأخير اقتصاديا، بسبب عدم استجابة النظام للطلبات السياسية العربية، وبسبب ضغوط أميركية على الدول المطبعة.
بطبيعة الحال، من المستبعد أن تفرض الصين شروطا سياسية من أجل المشاركة في إعادة إعمار سورية، كما فعلت الدول الغربية، غير أنها تأخذ ولا شك في الاعتبار المواقف والعقوبات الغربية على سورية، ولا تريد أن تعرض شركاتها لعقوبات أميركية وغربية بسبب خرقها للقيود المفروضة على الاستثمار في سورية من جانب تلك الدول.
يقول المحلل الاقتصادي فؤاد عبد العزيز لـ”العربي الجديد” إن “الصين التي استثمرت بين العامين 2008 و2009 نحو 3 مليارات دولار في مجال الطاقة في سورية، جمدت أعمالها بعد ذلك خلال الحرب وبسبب العقوبات الغربية على النظام”.
وأشار إلى أنه “رغم ادعاءات النصر من جانب النظام، لكن الجميع يعرف أن الحرب في سورية لم تنته، وهو ما أقر به رئيس النظام في حديثه الأخير مع وسائل إعلام صينية، ما يعني أن المخاطر المرتبطة بالحرب ما زالت قائمة”.
ونوه عبد العزيز إلى أنه “يضاف إلى ذلك العقوبات الغربية، فضلا عن الوصول المتأخر للصين، حيث سبق للحليفين الروسي والإيراني الاستحواذ على أهم مصادر القوة في الاقتصاد السوري خاصة الفوسفات في البادية بينما استحوذت روسيا على ميناء اللاذقية القريب من قاعدة حميميم الروسية وإيران على ميناء طرطوس”.
وأضاف أن “الصين ربما ترى في ميناء اللاذقية هدفا مهما على المدى الطويل ضمن خططها للحصول على موطئ قدم على البحر المتوسط، في إطار مبادرة “الحزام والطريق”، وكون الميناء تحت النفوذ الروسي، لن يشكل ذلك إعاقة للخطط الصينية”.
ويرى عبد العزيز أن “النظام في دمشق يدرك مثل هذه الحساسيات، لذلك قد لا يتقدم بمطالب مبالغ فيها يكون مصيرها الفشل كما حصل في علاقاته مع دولة الإمارات التي اضطرت لإيقاف بعض مشاريعها المعلن عنها في مجال الطاقة في سورية، بسبب التخوف من العقوبات الأميركية”.
وأكد أن “النظام في دمشق قد يطلب مساعدة الخبراء الصينيين في تطوير النظام المصرفي، والبحث عن آليات دفع تعتمد على عملات غير الدولار الأميركي، كما يحلو للصين أن تروج هذه الفترة”.
كما يسعى النظام وفقا لعبد العزيز إلى “محاولة الحصول على تمويل مالي أو تجهيزات، لمشروعات إعادة إعمار البنى التحتية والمصانع؛ وخصوصاً مصانع الإسمنت والحديد، التي تعتبر أساسية في إعادة بناء ما دمرته الحرب”.
عذراً التعليقات مغلقة