مقدمة:
في الحادي والعشرين من شهر أيلول الجاري وصل رأس النظام بشار الأسد إلى مدينة هانغتشو الصينية، في زيارة هي الأولى له إلى الصين منذ اندلاع الثورة عام 2011، والثانية منذ عام 2004.
على الرغم من أن هدف الزيارة الظاهريّ هو دعوة بشار الأسد إلى حدث رياضي وهو حضور حفل افتتاح الألعاب الآسيويّة، لكنها حملت مجموعة أهداف أخرى خصوصاً من الناحية الاقتصادية، حيث أُعلنَ رسمياً عن توقيع 3 وثائق بين الجانبين، أولها اتفاق تعاون اقتصادي، وثانيها مذكّرة تفاهم مشتركة للتبادل والتعاون في مجال التنمية الاقتصادية، وثالثها مذكّرة تفاهم حول السياق المشترك لخطة تعاون في إطار مبادرة الحزام والطريق[1].
تعد الصين من الدول التي دافعت عن نظام الأسد في المحافل الدولية، واستخدمت الفيتو عدة مرات إلى جانب روسيا لإجهاض قرارات تُدينه، دون أن تكون لها أدوار أخرى “واضحة أو معلَنة” طوال السنوات الماضية في مساعدة نظام الأسد اقتصادياً أو عسكرياً[2].
تأتي دعوة بشار الأسد إلى الصين لتكون الزيارة الثالثة له إلى دولة غير عربية بعد روسيا وإيران، وسط انفتاح عربي عليه تُوِّج بإعادته إلى مقعد سوريا في الجامعة العربية في أيار الماضي[3].
يحاول هذا التقرير المرور على أبرز دلالات زيارة بشار الأسد إلى الصين والأهداف منها وماذا تُشكّل من أهميّة فعليّة لكلا الجانبين بعيداً عمّا رافق الزيارة من حالة تضخيم إعلامي، خاصة من جانب نظام الأسد.
أبعاد الزيارة وأهدافها:
على الرغم من أن وصول بشار الأسد إلى الصين كان بدعوة من بكين لحضور دورة الألعاب الآسيوية، إلا أنها تأتي ضمن ما يُعرف بـ “الدبلوماسية الرياضية”[4]، التي تنطوي على مجموعة أهداف غير مُعلنة للأطراف المعنيّة.
أولاً- أهداف نظام الأسد:
يبدو أن نظام الأسد سعى إلى تحقيق عدة أهداف سياسية واقتصادية خلال هذه الزيارة. سياسياً: تأتي هذه الزيارة بالتزامن مع انعقاد الاجتماعات السنويّة للجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي ظل عزلةٍ دولية مستمرة للأسد منذ 12 عاماً، لم يقُم خلالها بزيارات لدول غير عربية سوى إلى روسيا وإيران، ومن خلال رحلته إلى الصين يحاول الأسد الإيحاء بأنه قادر على إقامة علاقات دبلوماسية متينة مع حلفائه تُعوّضه عن العلاقات المقطوعة مع الغرب، ولا سيما أن الصين تُعد من أهم حلفائه السياسيين.
كما تتزامن الزيارة مع معطيات أخرى تتعلّق بتعثّر جهود التطبيع العربية مع دمشق، وظهور مؤشرات على ضعف استجابة الأسد لمطالب بعض الدول العربية ضمن ما عُرِفَ بسياسة “خطوة مقابل خطوة”[5]، وبالتالي ربما يهدف بشار الأسد من هذه الزيارة الإيحاء بقوة علاقاته مع بكين من جهة، كما إنه من الممكن أن يطلب وساطة الصين للتدخُّل مع السعودية وبقية الدول العربية من ورائها من أجل دفع عجلة التطبيع من جهة ثانية، خاصة بعدما قادت الصين في الأشهر الماضية جهود التقارب بين الرياض وطهران.
أما الهدف السياسي الثالث من الزيارة، فيرتبط بما يجري في الجنوب السوري وخاصة في محافظة السويداء، حيث لم تتوقف فيها المظاهرات منذ منتصف آب أغسطس الماضي، ويريد بشار هنا الإيحاء بعدم اهتمامه بتلك المظاهرات، وأنها لا تؤثّر في شرعيته وقدرته على مواصلة حكم البلاد.
اقتصادياً: يأمل نظام الأسد تحصيل دعم اقتصادي من الصين في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعيشها مناطقه، وتحفيزها الدخول مع نظامه في اتفاقيات إعادة الإعمار والتعافي المبكّر والتي تواجه تعثراً وعدم إقبال حتى من أقرب حلفاء نظام الأسد، وبالتالي تقديم الدعم اللازم لإخراجه من تلك الأزمة[6]. حيث يسعى النظام في هذه الزيارة إلى أخذ دور ضمن مبادرة “الحزام والطريق” أو “طرق الحرير الجديدة”، وهو ما ظهر بتوقيع ثلاث وثائق تعاون، بينها مذكرة تفاهم تتعلق بالتعاون في إطار المبادرة الاقتصادية[7]، مع ذلك يشير البعض إلى هامشية مثل هذا الدور حتى بعد توقيع الاتفاقية المذكورة لعدم قدرة نظام الأسد على تقديم شيء جوهري للصين في هذه المبادرة[8].
ثانياً- أهداف الصين:
على الرغم من أن بكين ليست لديها أهداف ذات بال من زيارة بشار الأسد، بدليل انخفاض مستوى الاستقبال الرسمي له في مطار مدينة هانغتشو[9]، إلا أنها تحاول من خلال توظيف هذه الخطوة توجيه رسائل للغرب الذي يواصل انتقاداته لملفّ حقوق الإنسان في الصين[10]، وتسعى لكسر الحواجز الغربية عبر التعامل مع رئيس نظام معزول دولياً واستقباله، وفق ما فعلت سابقاً مع قادة خاضعين للعزلة نفسها[11]، في مشهد يُعبّر عن تحدّي القرارات الأمريكية من جهة، والتناغم مع الموقف الروسي الإيراني من الملف السوري من جهة ثانية.
وبشأن ما تردد كثيراً حول الأهداف الاقتصادية للصين من هذه الزيارة، فلا يبدو أن بكين معنيّة بملفّ الاستثمار في سوريا بمعناه التجاري الرابح بالنسبة لها، في ظل العقوبات الأوروبية الأمريكية من جهة، وعدم الاستقرار الأمني والاقتصادي من جهة ثانية، خاصة وأنها تبحث عادة عن مواطن استثمار آمنة تساعدها على رفد اقتصادها بموارد جديدة، كما لا يبدو أن الصين في وارد الدخول في منافسة مع الوجود الأمريكي في شرق سوريا.
الخاتمة:
توظف الصين الزيارة لإبراز قوتها الدبلوماسية في الشرق الأوسط، ولكن لا يبدو أنها من الممكن أن تُفيد بشار الأسد على أرض الواقع في استعادة شرعيّته، وليست في وارد المشاركة عسكرياً في دعم نظامه، وأقصى ما تستطيع فعله هو استخدام “الفيتو” في مجلس الأمن مع روسيا ضد قرارات تستهدف إدانته.
ومن المُستبعد كذلك أن تستطيع الصين مدّ طوق النجاة الاقتصادي لبشار الأسد، بسبب العقوبات الأمريكية والغربية، وعدم نيتها استفزاز واشنطن بخرق تلك العقوبات سواء في الاستثمار أو في جهود إعادة الإعمار، ومن جهة أخرى، فإن الصين تُدرك جيداً عدم جدوى الاستثمار في سوريا مع عدم الاستقرار وعدم قدرة بشار على السيطرة على كافة الأراضي السورية، ومع وجود القوات الأمريكية في منطقة شرق الفرات، التي تُعد أهم خزان اقتصادي في البلاد.
وبالرغم من أن الزيارة لن تُسهم كثيراً في تقديم المنفعة السياسية والاقتصادية الكبيرة لنظام الأسد الذي يستجدي الدعم بأي شكل من الأشكال، إلا أن بشار الأسد وماكينته الإعلامية ضخّموا بشكل كبير من حجم هذه الزيارة في محاولة للإيحاء بعدم وجود “عزلة دبلوماسية” لنظامه في ظلّ ثبات الموقف الغربي وملامح تراجع عربي عن التقدم في خطوات التطبيع معه.
Sorry Comments are closed