مقدمة:
تداولت الأوساط السورية خلال الشهور الماضية تكهّنات حول احتمال دفع المعارضة السورية في الشمال السوري لقبول إبرام هدنة أو عقد مصالحة مع النظام السوري، بعد أن أنجز مسار التقارب التركي مع النظام السوري خطوات عديدة، وتزايد احتمالات لقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع رئيس النظام السوري “بشار الأسد” بوساطة روسية.
وكانت تركيا بقيادة أردوغان قد أعادت، في السنتين الماضيتين، رسم توجهات سياساتها الخارجية، بهدف تخفيف التوتر مع خصوم إقليميين، أبرزهم الإمارات والسعودية ومصر، ولاحقًا النظام السوري، يدفعها إلى ذلك تقلبات جيوسياسية عديدة، وبدأت رسائل التقارب مع النظام السوري بتصريح وزير الخارجية التركي مولود شاويش أوغلو، حول إمكانية رفع مستوى التواصل بين البلدين، من التعاون الاستخباراتي إلى الدبلوماسي.
وبسبب تدهور حضورها الدولي وتفاقم عزلتها من جراء غزوها لأوكرانيا، سارعت موسكو لرعاية مسار التقارب التركي مع النظام السوري، حيث رأت في دعم هذا التقارب مصلحة حقيقية لها، تعزز ادعاءاتها بالسعي لإيجاد حل سياسي في سورية، فانخرطت روسيا بإيجابية كبيرة لتطوير أفكار ومقترحات ساهمت في دفع هذا التقارب، ليصل إلى محطة اللقاء الرباعي في موسكو في 10 أيار/ مايو 2023، على مستوى وزراء خارجية روسيا وتركيا وإيران والنظام السوري، الذي خلص إلى الاتفاق على إعداد خريطة طريق لتطبيع العلاقات بين تركيا والنظام السوري، تتطلع بدور رئيسي في التحضير له وزاراتُ الدفاع وأجهزة الاستخبارات في الدول الأربع.
ويدلّ الإصرار التركي على إنجاز تقارب سريع مع النظام السوري، على أن الخطوات التي تتخذها تركيا حيال تطبيع العلاقات مع النظام السوري تأتي في إطار خطة تستهدف تحقيق مصالح متنوعة، آنية واستراتيجية، على أساس براغماتي، وهو ما يحتمل -في حال تقدم هذا التقارب- أن تصبح المعارضة السورية أكثر هشاشة وضعفًا.
تناقش هذه الورقة احتمالات أن تدفع التغيرات الجديدة في الموقف التركي المعارضةَ السورية لمواجهة الضغط عليها لعقد مصالحة مع النظام السوري، وتحلل أنماط ونماذج ومصير المصالحات والهدن التي أبرمها النظام السوري مع المعارضة في مناطق سورية عدة، خلال مراحل الثورة، وكيف تعامل النظام السوري مع المجتمعات المحلية والناشطين والفصائل بعد المصالحات، وتسعى الورقة لإبراز أوجه الشبه في اتفاقات المصالحة في سورية، واستخلاص نقاط الاختلاف بين أوضاع تلك المناطق والشمال السوري حاليًّا، واستخلاص النتائج من هذه المقارنات.
أولًا: نهج تعامل النظام مع المصالحات والهدن السابقة ومآلاتها:
1-ما هي المصالحة؟
تُوصف المصالحة بأنها مرحلة يصل فيها إدراك الأطراف المتصارعة (النظام السوري – المعارضة السورية) إلى استحالة فوزها في الصراع عبر أسلوب العنف وحده، وتلجأ تاليًا إلى تسويات وسطية تحقق أطراف من خلالها بعض أهدافها، وتعترف للأطراف الأخرى ببعض أهدافها، مقابل خروجها من دائرة الاستنزاف العبثي وتقليص المخاطر الوجودية على بيئتها[1].
معاني المصالحة، وفق ما سبق، لا نعثر لها على تطبيق جدّي في حالات اتفاقيات المصالحة السابقة التي اضطرت المعارضة السورية إلى قبولها، في دمشق وريفها، وحلب وحمص ودرعا؛ فهي من ناحية اتفاقات إذعان أجبرت فصائل المعارضة على إبرامها، بفعل ضغط عسكري يفوق قدراتها على الصمود أمامه، وحالات حصار خضعت لها لفترات طويلة افتقدت خلالها الدعم العسكري والغذائي والطبي وكل أسباب الصمود.
ومن ناحية أخرى، فإن مناطق المعارضة التي شهدت اتفاقات “مصالحة وتسوية” مع النظام السوري، باستثناء بعض المناطق التي لم تخضع لإجراءات الترحيل القسري، تسودها الفوضى والفلتان الأمني، وتردي الأحوال المعيشية للسكان، إضافة إلى سياسة التضييق من قبل أجهزة أمن النظام، الأمر الذي يشير إلى أن النظام يجتهد على تطبيق خطة انتقامية على أهالي هذه المناطق التي خرجت عن سيطرته ذات يوم، وقاومت سياساته العنيفة.
وكان النظام السوري سيطر خلال العام 2018، بدعم عسكري جوي روسي، وإيراني بري، على معظم المناطق السورية التي كانت خاضعة لسيطرة المعارضة في ريف دمشق ودرعا والقنيطرة (جنوبي سورية)، وفي شمالي حمص، وفق اتفاقات إذعان شكلية، عمد بعدها النظام إلى تطبيق نهج انتقامي من الناشطين والأهالي.
2- أبرز المناطق التي سيطر عليها النظام السوري بعد توقيع اتفاقات مصالحة:
عند الحديث عن المصالحات في سورية، يبرز دور “المركز الروسي للمصالحة في سوريا”، أو ما يعرف باسم “مركز حميميم”، وهو مركز تديره وزارة الدفاع الروسية، افتتح في 23 فبراير/ شباط 2016، ومقره الرئيسي في قاعدة حميميم الجوية بمحافظة اللاذقية، ويهتم على نحو خاص بإدارة المفاوضات بين أطراف المعارضة والنظام السوري، إضافة إلى تنسيق وصول المساعدات الإنسانية[2].
وباستعراض مسار المصالحات التي أدار مفاوضاتها “مركز حميميم”، في العام 2018، يُبرز التسلسل الزمني عددًا من الاتفاقات:
وأدار مركز حميميم أيضًا مفاوضات تسليم عدة مناطق إلى النظام السوري، كانت تخضع لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ومنها اتفاقية تسليم أحياء جنوبي دمشق في 30 نيسان/ أبريل من العام 2018، وقضت بخروج نحو 1000 مقاتل من التنظيم إلى شرقي السويداء، واتفاقية خروج نحو 400 مقاتل من فصيل “جيش خالد” التابع لتنظيم (داعش)، من حوض اليرموك في درعا إلى شرقي السويداء، أيضًا، في 30 نيسان/ أبريل 2018.
وفي 17 تشرين الثاني/ نوفمبر 2018، أدار مركز حميميم مفاوضات اتفاقية انسحاب مقاتلي (داعش) من منطقة تلول الصفا شرقي السويداء، إلى مناطق في البادية شرقي تدمر في محافظة حمص، مقابل إطلاق سراح 17 شخصًا من أهالي السويداء كان التنظيم يحتجزهم لديه.
3-نماذج عن مآلات المصالحات وسياسات النظام السوري خلالها:
أ-مدن وبلدات دمشق وريفها:
تعدّ الغوطة الشرقية من المناطق الأولى التي ثارت على النظام السوري، منذ بداية اندلاع الثورة في سورية عام 2011، حيث خرجت فيها تظاهرات سلمية ضد النظام السوري، بعد ذلك تحول الاحتجاج إلى مزيج من التظاهر السلمي والمقاومة المسلحة، مع بداية عام 2012، وكانت بداية مرحلة حصار الغوطة، في العام 2013، على يد النظام السوري والميليشيات الإيرانية، نقطة تحول في نمط تعامل النظام السوري مع مناطق الغوطة.
بقيت مناطق الغوطة الشرقية تحت سيطرة فصائل المعارضة حتى العام 2018، رغم الحصار الخانق والقصف المكثف لمناطق مدنية ومراكز حيوية، واستخدام القصف بالأسلحة المحرّمة دوليًا، كالضربات الكيمياوية وبالكلور السام، الذي أوقع أعدادًا كبيرة من الضحايا المدنيين، ومع بداية العام 2018، عزم النظام السوري مع حليفه الروسي على الحسم العسكري في الغوطة، فخاض عدة معارك استخدم فيها كل إمكاناته العسكرية، ما خلف دمارًا يقدر بـ 70% من البنية التحتية، وجرت المفاوضات بين ممثلي النظام والفصائل المقاتلة على ثلاث محاور منفصلة، توصل خلالها النظام إلى اتفاق تسليم المناطق بشكل تدريجي، في 21 آذار/ مارس مع “أحرار الشام”[3]، بشأن حرستا، وفي 23 آذار/ مارس مع “فيلق الرحمن”[4]، بشأن القطاع الأوسط تحت إشراف روسيا، وفي 8 نيسان/ أبريل مع فصيل “جيش الإسلام”، بما يخص دوما[5].
وبعد سيطرة النظام على مدن وبلدات الغوطة الشرقية؛ انتهج عدة سياسيات أمنية واجتماعية وسياسية، حاول من خلالها إعادة بسط سيطرته المطلقة، وأوكل تنفيذ سياسات الإخضاع للفروع الأمنية العسكرية، فبعد دخول قوات النظام إلى القطاع الأوسط في آذار/ مارس عام 2018، سلك النظام ثلاث مسارات مختلفة لتأكيد سيطرته على الغوطة الشرقية، وهي:
- مسار حملات الاعتقال التعسفي: بعد سيطرة النظام على الغوطة الشرقية، دخل الأمن العسكري إلى كفر بطنا وزملكا، ودخلت مفارز المخابرات الجوية إلى سقبا، وهي من أشدّ الفروع الأمنية عنفًا في تعاملها مع السوريين، وأشرفت الفروع الأمنية على عمليات اعتقالات واسعة، حيث شهدت البلدات الثلاث (زملكا- كفربطنا- سقبا) موجات من الاعتقالات التعسفية، طالت مئات المدنيين والناشطين والمقاتلين السابقين، وركزت حملات الاعتقال على تحقيق عدة أهداف، أبرزها الاعتقال بغرض جمع الأموال، حيث كانت هناك عشرات حملات الاعتقالات، منذ أيار/ مايو 2018 حتى اليوم، بهدف جمع الأموال، فالفروع الأمنية تحتجز السكان في مراكزها، أو تقودهم إلى الفرع الرئيسي للتحقيق معهم، مع فرض مبالغ مالية تصل أحيانًا إلى آلاف الدولارات الأميركية، مقابل إطلاق سراحهم.
كما هدفت حملات الاعتقال إلى التجنيد الإجباري في صفوف الجيش السوري، فقد شهدت البلدات الثلاث حملات اعتقال عديدة، بعد انتهاء مهلة التسوية، شملت مئات الشبان الذين تراوح أعمارهم بين 18و 40 عامًا، كما جرى إلحاق بعضهم إجباريًا بالجماعات شبه العسكرية المدعومة من إيران وروسيا، في البلدات الثلاث، وطالت الاعتقالات الموظفين والمدنيين وطلاب الجامعات.
ومن أهداف حملات الاعتقال، تعزيز قوة الميليشيات المحلية العسكرية، بدفع المطلوبين أمنيًا للانضمام على هذه الميليشيات مقابل وقف ملاحقتهم، وكان النظام السوري قد اعتمد، في مواجهة قوى الثورة والمعارضة المسلحة -قبل اتفاقات المصالحة وبعدها- وبسط سيطرته على هذه المناطق، على ميليشيات ومجموعات مقاتلة محلية، كقوات رديفة عسكرية، إلى جانب قوات إضافية ملحقة بالفروع الأمنية ووحدات الجيش، ومن أبرز هذه الميليشيات، “كتائب البعث”، ودعمت روسيا وإيران هذه التشكيلات بالذخيرة والعناصر المقاتلة المدربة والتدريبات العسكرية.
- مسار إضعاف البنية الاجتماعية:
سعى النظام في المناطق التي سيطر عليها إلى إضعاف البنية الاجتماعية، واستغلال تداعيات الحصار الطويل، بتعزيز انقسام المجتمع والتفكك بين المجتمعات التي استقرت في دمشق، وبين تلك التي استقرت في بلدات الغوطة، وقد قام النظام بعد فتح ممرات آمنة بفتح مراكز إيواء تابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية، وتشرف عليها المخابرات الجوية، واستقبلت هذه المراكز العائلات الخارجة من الغوطة، وانتهجت سياسة بفصل الرجال عن النساء والأطفال، ومنع الرجال من مغادرة مراكز الإيواء، والسماح للنساء والأطفال بمغادرتها ممن لهم أقارب في دمشق، أما الرجال الذين تراوح أعمارهم بين 18 و 42 سنة فقد فرضت عليهم الخدمة الإلزامية، وفي حزيران/ يونيو عام 2018، سمح لأهالي الغوطة بالعودة إلى مساكنهم من دون الرجال، وأدى ذلك إلى تفكك العائلات، حيث مارس النظام تحريضا منهجيًا بين فئات المجتمع، عملت عليه وسائل إعلامه ومنصات التواصل الاجتماعي التابعة له.
وتعززت حالة التفكك الاجتماعي هذه، مع ازدياد معاناة المدنيين في هذه المناطق بعد المصالحات، من جراء إهمال مؤسسات النظام الخدمية لها، وتدهور الخدمات والعلاقات الاجتماعية، وانتشار أنماط من الجريمة غير معهودة في هذه المجتمعات، وتزايدت الهجرة بين أبناء هذه المناطق، خاصة في صفوف الشبان والمتعلمين، بسبب انعدام فرص العمل، فقد خلفت الحرب كثيرًا من الدمار في البنية التحتية والمرافق العامة في الغوطة الشرقية، ولم تعمل حكومة النظام السوري على إعادة الإعمار في المنطقة، بسبب ضعف إمكاناتها، وعدم جديتها في توفير موارد لإعادة تشغيل مرافق الماء والكهرباء والصحة والتعليم، حيث تركت المراكز الحيوية المدمرة دون ترميم، وسط نقص حاد في مستلزمات التعليم والصحة، كما دفعت حالة المدنيين المعيشية الصعبة وعجزهم عن تأمين موارد رزقهم، إلى الانتساب إلى الميليشيات الرديفة للنظام، وهجر كثير من الموظفين وظائفهم، سعيًا وراء تأمين متطلبات المعيشة، أو بسبب الخدمة الإلزامية.
من جانب آخر، عمل النظام السوري على التغلغل في مجالس الإدارة المحلية، من خلال الإشراف على الانتخابات التي أجريت عام 2018، فعادت كوادر حزب البعث للهيمنة على محليات بلدات الغوطة الشرقية، ففي (كفربطنا) فاز بسام الخطيب برئاسة البلدية، وهو شخصية بعثية غير معروفة من عائلة متوسطة الحال في البلدة، وقامت القيادة القطرية للحزب بإصدار قرار بعزله، من دون شرح السبب، وعينت مكانه توفيق الحبش، وهو بعثي شغل منصبي رئيس الفرقة الحزبية ورئيس بلدية (كفربطنا) قبل العام 2011، وتميز الحبش بعلاقته المقربة بكل من حكومة النظام السوري والفرقة الرابعة والحرس الجمهوري، وكان له دور بارز، إلى جانب المدعو بسام ضفدع، في حضّ المدنيين على قبول عملية المصالحة.
أما في بلدة سقبا، فقد تم تعيين المحامي خالد القوتلي رئيسًا للبلدية، بالتزكية، وكان يشغل المنصب نفسه قبل عام 2011، وعرف بولائه للنظام وتسميته ضمن قائمة الجبهة الوطنية.
وعُين بديع طيفور في زملكا رئيسًا للبلدية، وهو المعروف بمواقفه المناهضة للحراك الثوري، وكان طيفور يشغل المنصب نفسه قبل عام 2011، كما شغل منصب موجه تربوي في وزارة التربية، وهكذا اكتمل المشهد بإعادة الشخصيات نفسها إلى إدارة البلديات، برعاية حزبية.
كما عمل النظام السوري على أن يكون لديه شخصيات مؤثرة في المنطقة، تساعده في تسهيل دخوله بعد فترة الحصار، حيث برز في (كفربطنا) بسام ضفدع، وهو من عائلة كبيرة في البلدة، وعرف بأنه من مشايخ التيار الصوفي، ترشح قبل العام 2011 لمجلس الشعب، وكان مدرّسًا في معهد الفتح الإسلامي، وعمل على إعطاء دروس دينية في (كفربطنا) خلال الحصار، ومنذ تقدم النظام إلى بلدة جسرين، عمل على تشكيل وفد بهدف المصالحة، وهكذا كان للضفدع دور بارز في تسهيل عملية دخول النظام السوري إلى البلدة[6].
- مسار فرض سياسات الإخضاع الأمنية:
بالرغم من أن الأجهزة الأمنية التابعة للنظام لم تعتقل أو تداهم المنازل في مناطق الغوطة، في الأشهر الأولى بعد انسحاب الفصائل المعارضة، فإنها سرعان ما بدأت بشنّ حملات دهم واعتقال في معظم المناطق، وساقت المئات منهم للتجنيد الإجباري، وأرسلت المجندين من شباب الغوطة الشرقية إلى الجبهات الساخنة، سواء مع تنظيم (داعش) في البادية السورية أو إلى الشمال الغربي من سورية، حيث الجبهة مع فصائل المعارضة السورية وهيئة تحرير الشام.
كما انقلب النظام السوري على تعهّداته للضامن الروسي بتخفيف القبضة الأمنية وتسلّط عناصر الحواجز على المدنيين، وشهدت الشهور الأولى من المصالحات صداماتٍ بين عناصر الشرطة العسكرية الروسية وعناصر أمن وميليشيات النظام، لكن السطوة الأمنية لأجهزة النظام فرضت نفسها بمرور الوقت، لتتحول إلى هيمنة كاملة على مناطق المصالحات، خاصة بعد انسحاب العدد الأكبر من القوات الروسية عقب غزو أوكرانيا.
وفي جميع المناطق التي استعاد السيطرة عليها، عاود النظام سياسات الهيمنة على العملية التدريسية، وعادت اجتماعات واحتفالات المدارس، بإشراف “منظمة طلائع البعث” و”اتحاد شبيبة الثورة”، وتكريس تقديس رأس النظام بشار الأسد.
ب-ريف حمص الشمالي (الرستن):
استعاد النظام السوري السيطرة على مدينة الرستن، بعد أن انسحاب قوى المعارضة منها، بحسب اتفاق بين لجنة التفاوض في حمص والجانب الروسي، ومن أهم بنود هذا الاتفاق:
- وقف إطلاق النار وتسليم السلاح الثقيل من قبل الفصائل خلال ثلاثة أيام، وخروج من لا يرغب في “التسوية”.
- السماح للمقاتل الراغب في الخروج بإخراج بندقيته وثلاثة مخازن، إضافة للأغراض الشخصية، ويسلّم من يرغب في التسوية سلاحه.
- منح جميع المنشقين والمدنيين مدة إعفاء، قدرها ستة أشهر، يتم بعدها سوق المكلفين ممن تراوح أعمارهم بين 18 و42 عامًا إلى الخدمة الإلزامية.
- لا تدخل قوات الأمن وجيش النظام المنطقة لمدة ستة أشهر (يمكن تمديدها لسنتين)، تتولى خلالها الشرطة العسكرية الروسية حفظ الأمن.
- تسوية أوضاع الطلاب والموظفين وعودتهم لعملهم، مع مراعاة فترة الانقطاع للطلاب من حيث مدة الدراسة”[7].
عمل نظام الأسد على سياسة منهجية لإضعاف الحاضنة الاجتماعية للفصائل المعارضة فيها، ومنذ استعادته السيطرة على المدينة، عمل النظام على إضعاف مجلس العوائل وتفكيكه، ثم اختار في صيف العام 2018 بعض أفراد العوائل، وضمهم إلى لجنة متابعة غير رسمية، وهذه اللجنة مؤلفة بالأساس من بعثيين ورؤساء وحدات إدارية وضباط عاملين أو متعاقدين، حيث بدا التباين واضحًا بين مجلس العوائل ولجنة المتابعة، في ما يتعلق بمصادر القوة وطبيعة مصالح كلٍّ منها التي يسعيان لتحقيقها، واعتُبر مجلس العوائل كيانًا يستمد شرعيته من عوائل المدينة، أما لجنة المتابعة فقد استمدت شرعيتها من النظام السوري.
وفي مطلع شهر تموز/ يوليو 2018، حُلّ مجلس العوائل في الرستن، بعد إضعاف قاعدته الاجتماعية وفقدانه الذراع العسكري، بفعل التهجير الكبير لرافضي المصالحة وعددهم نحو 17 ألفًا بين مدنيين ومقاتلين، وقيام أعضاء لجنة المتابعة بتحريض الأجهزة الأمنية على المجلس، وعمل النظام على انتقاء عدد من ممثلي العائلات غير المنضمين لمجلس العوائل وضمّهم إلى لجنة المتابعة، وهم من مؤيدي جهود المصالحة. ومع انتشار الشرطة العسكرية الروسية في الرستن، بين أيار وتشرين الأول 2018، عادت معظم مؤسسات الدولة المدنية والأمنية للعمل، مثل مؤسسة الكهرباء والمياه والمخابز وشعبة التجنيد والمفارز الأمنية ومديرية المنطقة، لكن دون أي تحسين في الخدمات، ليتدهور الوضع الأمني لاحقًا عقب انسحاب الشرطة العسكرية الروسية بضغط الحرب في أوكرانيا.
وأجريت انتخابات الإدارة المحلية في شهر أيلول/ سبتمبر 2018، كما في بقية المدن والبلدات، فتصدرت قوائم الجبهة الوطنية التي يهمين عليها حزب البعث مقاعد مجلس مدينة الرستن، وكان من نتائج الانتخابات إعادة اختيار رئيس المجلس حسن طيباني لولاية جديدة، مدعومًا بعلاقاته الجيدة مع رئيس مجلس مدينة حمص وضباط الأمن العسكري، وليعود النظام إلى السياسة التي كان ينتهجها قبل عام 2011[8].
ولم يختلف واقع ريف حمص الشمالي، عن مثيله في غوطة دمشق، من حيث تدهور الأوضاع المعيشية والأمنية، وهجرة الشباب من مناطق الرستن والحولة وتلبيسة، وسوق المكلفين إلى الخدمة العسكرية والاعتقالات، وشيوع جرائم الخطف، ومصادرة أراضي ومنازل المهجرين قسرًا.
ت-مصالحة درعا
شنّت قوات النظام السوري، بدعم من قوات روسية وميليشيات مدعومة من إيران، في صيف العام 2018، هجومًا عسكريا واسع النطاق على مناطق تخضع لسيطرة فصائل المعارضة في درعا، تسببت في موجة نزوح لآلاف المدنيين باتجاه الحدود الأردنية، أو إلى مخيمات مؤقتة قرب هضبة الجولان المحتلة، ما دفع فصائل المعارضة للقبول باتفاق مصالحة في شهر تموز/ يوليو 2018، تضمنت أبرز بنوده ما يلي:
- وقف إطلاق النار وعودة النازحين ودخول الشرطة العسكرية الروسية إلى المدينة.
- تسليم أسلحة مقاتلي المعارضة الخفيفة إلى قوات النظام.
- فك الحصار المفروض على منطقة “درعا البلد” في مركز مدينة درعا، وإزالة الحواجز العسكرية على مداخلها ومخارجها.
- إنشاء قوات النظام 3 نقاط عسكرية في درعا البلد[9].
شكل رقم (1) يوضح خريطة توزع السيطرة العسكرية في محافظة درعا – 2023
وكان من أبرز عرّابي اتفاقية المصالحة المدعو أحمد العودة، الذي كان قائد فصيل “شباب السنّة” وكان يقاتل بصفوف المعارضة، وبعد سيطرة النظام على منطقة اللجاة وبصر الحرير، منتصف عام 2018، جرت مفاوضات برعاية الجانب الروسي في مدينة بصرى الشام، في الوقت الذي كان النظام مستمرًا في اجتياح معظم قرى المنطقة الشرقية، باستثناء بصرى الشام مركز ثقل العودة، وبعد وصول النظام إلى بصرى، وقّع “العودة” اتفاقية تقضي بقبول سيطرة النظام على المنطقة الجنوبية من سورية، سلّم بموجبها السلاح الثقيل، وانضم إلى “الفيلق الخامس” التابع بشكل مباشر للروس، ليتولى قيادته كقوة عسكرية أساسية في المنطقة الجنوبية، حيث سيطر على أجزاء واسعة من ريفها الشرقي، وقطع الطريق أمام سيطرة مطلقة للنظام على المحافظة، وانخرط الفيلق لاحقًا في مساندة النظام في حملته ضد فصائل المعارضة السورية في الشمال السوري[10].
وبموجب اتفاق المصالحة، سلّمت فصائل المعارضة سلاحها الثقيل والمتوسط، وانتشرت حواجز النظام السوري الأمنية والعسكرية، وعادت مؤسسات النظام الحكومية للعمل في مناطق درعا، وسمح الاتفاق للمقاتلين الرافضين للمصالحة بالخروج مع عائلاتهم وقسم من المدنيين، إلى مناطق الشمال السوري الخاضعة لسيطرة المعارضة.
وعاشت مناطق درعا بعد اتفاق المصالحة حالة فوضى وفلتان أمني، وتزايدت وتيرة تجنيد الشبان في صفوف ميليشيات تابعة لأجهزة الأمن وأخرى مدعومة من إيران، وبدأت حملات اعتقال ودهم لسوق المكلفين إلى الخدمة الإلزامية، وتجنيد المئات منهم في مواجهة فصائل المعارضة على جبهات القتال في الشمال السوري، وانتشرت عمليات الاغتيال والخطف، والهجمات على مواقع وحواجز النظام الأمنية والعسكرية، ولم تحقق اتفاقات المصالحة والهدن للنظام السوري، في كثير من مناطق درعا، سيطرة تامة، حتى الآن.
بعد أن استعاد النظام السوري السيطرة على بعض المناطق (ريف دمشق، درعا، القنيطرة) بدعم روسي وإيراني، عمل على تنفيذ عمليات انتقامية واسعة النطاق، حيث نفذت الأجهزة الأمنية حملات اعتقال واسعة النطاق لكثير من الناشطين، بذريعة وجود دعاوى قضائية ضدهم، قدّمها موالون للنظام وعملاء لأجهزة المخابرات بحق هؤلاء، وبعض من شملتهم حملات الاعتقال قُتلوا في السجون، دون أن تقدم الضمانات الروسية أي حصانة من الملاحقات الأمنية، ولم تنعم هذه المناطق بالأمن والتحسن المعيشي، بل عمل النظام عبر الأجهزة الأمنية والاستخباراتية على نشر الفوضى، ما جعل هذه المناطق، وتحديدًا درعا، ساحة للاغتيالات وتصفية الحسابات وتصنيع وتجارة المخدرات، مع واقع اقتصادي ومعيشي مرير.
وقد أحصى “تجمع أحرار حوران”، وهو مؤسسة إعلامية مستقلة تنقل أحداث الجنوب السوري، 388 عملية ومحاولة اغتيال، نتج عنها مقتل 313 شخصًا في العام 2022[11]. ومن القتلى ناشطون وإعلاميون وقادة ومقاتلون سابقون في فصائل المعارضة، وعاملون في المجالس المحلية.
4-أوجه الشبه في اتفاقات المصالحة في سورية:
ولم يتوقف النظام السوري، منذ عام 2018، عن سياساته التخريبية الأمنية والقمعية ضد المدنيين والمعارضين في المنطقة، واستمر في عمليات الاعتقال والمداهمات والإخفاء القسري، وتصفية المعارضين والعناصر السابقين في الجيش الحر، عن طريق سلسلة من عمليات الاغتيالات، كما حوّل مع الميليشيات الإيرانية الجنوبَ السوري إلى مواقع لصناعة المخدرات، وجعلها مركزًا لترويجها وتهريبها عبر الحدود إلى الأردن والخليج[12].
تعتبر جميع الاتفاقات التي توصل إليها النظام مع فصائل المعارضة، خلال مراحل الثورة السورية، متشابهة إلى حد كبير، وتتميز بوصفها اتفاقات إذعان، أُجبرت عليها الفصائل نتيجة ضغوط عسكرية ومعيشية واجتماعية متنوعة، وقامت معظم اتفاقات الهدن والمصالحات على استراتيجية روسية سبق أن اعتمدت في حرب الشيشان، وتعتمد على تقطيع أوصال مناطق المعارضة وعزلها كالجزر، وإطباق الحصار عليها مع استخدام القوة المفرطة، وضرب ارتباط الحاضنة الشعبية بالفصائل المقاتلة، من خلال الضغط على الحاضنة باستخدام القوة المفرطة (حصار، قصف، تجويع لسنوات)، وجعلها عنصر ضغط على القوى المعارضة المسلحة للقبول بعمليات المصالحة.
أمّا العوامل المشتركة بين معظم الهدن والمصالحات، فتتلخص بما يلي:
- جميع الاتفاقات جاءت بعد جولات قتال دموية، اعتمد فيها النظام وحلفاؤه سياسة الأرض المحروقة، وتدمير المراكز الحيوية، واستهداف المدنيين، ما شكل عامل ضغط على الفصائل المقاتلة لقبول المصالحات.
- اعتماد تكتيك الحصار الكلي، وتقطيع أوصال المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، أو تكتيك الحصار الجزئي، وترك قنوات إمداد محدودة تتيح المجال للمجتمعات المحلية لتأمين كميات قليلة من مواد أساسية للمعيشة، وفي كل الحالات، اعتمد النظام سياسة حرمان المناطق الخارجة عن سيطرته من جميع الخدمات الأساسية، مثل الاتصالات والكهرباء والماء، والنقل، والتعليم والصحة.
- إتمام المصالحات عن طريق ما يسمى وجهاء وشخصيات اجتماعية وعشائرية واقتصادية، مستفيدة من الطرفين، ففي معظم المناطق كان الطرف الرئيسي في التفاوض على الهدن هو “وجهاء العشائر أو وجهاء اقتصاديين” محسوبون على المعارضة، ويتمتعون بعلاقات مع مسؤولين في النظام في آن واحد، مع حضور ممثلين عن الفصائل المسلحة.
- في معظم مفاوضات المصالحات، حرص ممثلو النظام السوري على تشجيع وجود كبار السن ضمن الوفود التي مثلت الأهالي والفصائل، لأسباب تتعلق بحرص كبار السن على التوصّل إلى حلول تحفظ فرصة بقائهم في مناطقهم وتلافي التهجير.
- أبرز العوامل المشتركة بين جميع الاتفاقات هو أن النظام لم يوفِ بأي من التعهدات التي وقع عليها خلال عملية المصالحة.
5-أساليب النظام السوري في تطبيق نظام المصالحات في سورية
توضّح معاينة أساليب النظام السوري على مدار السنوات الماضية في نظام المصالحات في سورية، سواء قبل التدخل الروسي أو بعده، وجود ثلاثة نماذج على الأقل تمّ تطبيقهما فعليًا على الأرض، عكست سياقات سياسية وعسكرية واجتماعية، تمت بلورتها بين ما تسمى “وزارة المصالحة الوطنية” و”مركز حميميم للمصالحة” الروسي، وجميعها صبّت في هدف رئيسي، هو تمكين سيطرة النظام على مناطق سيطرة المعارضة بعد طردها بعيدًا إلى الشمال السوري بالباصات الخضراء، وبقاء حكم رئيس النظام السوري بشار الأسد، من دون أدنى اهتمام حقيقي بمسار العملية السياسية.
- النموذج الأول، وقف القتال وإقرار هدن مؤقتة، حيث عمل النظام خلال سنوات الثورة السورية على هذا النموذج في ما لا يقل عن 25 منطقة، تركّز معظمها في دمشق وريفها، وكان يُصرّ على تسمية هذا النوع من الاتفاقات بـ “المصالحات المحلية”، في حين كانت فصائل المعارضة تصفها بأنها “اتفاق لوقف إطلاق النار”. وتتشابه معظم الاتفاقات في بنودها التي سعى النظام من خلالها إلى عزل المناطق عن بعضها، وتوفير جهوده العسكرية لاستخدامها في مناطق أكثر أهمية، مستفيدًا من ضعف التنسيق والتنافس بين الفصائل المعارضة، وعدم وجود قيادة واحدة تنطوي تحتها، كما حصل في الغوطة حيث لم تجتمع فصائل المعارضة (فيلق الرحمن، جيش الإسلام، أحرار الشام) تحت قيادة واحدة؛ فقام نظام الأسد بقتال ومحاصرة كل منطقة منفردة (حرستا، دوما، القطاع الأوسط) عن غيرها، وتم توقيع اتفاقات مصالحة وتسليم، مع كل فصيل بالتدريج.
- أمّا النموذج الثاني، فيعتمد توفير بيئة مجتمعية تدعو للمصالحة، وهو ما عملت عليه وزارة المصالحة الوطنية لدى النظام منذ تأسيسها، ونجح هذا النموذج في معظم المناطق التي كانت فصائل المعارضة تمارس نوعًا من الإدارة اللينة للمجتمع، على غرار ما حدث في مناطق المعضمية في ريف دمشق، حيث لم تكن فصائل المعضمية مطلقة النفوذ على المدينة، وفي ريف حمص الشمالي، تلبيسة والرستن، حيث بقيت إدارة فصائل المعارضة لهاتين المدينتين غير مطلقة أيضًا، إذ تشاركها نفوذها مجالسُ محلية تضم ممثلين عن كبرى العائلات ورجال الدين وشخصيات اجتماعية تحظى بحضور فاعل، وتجد مصلحتها في القبول بالمصالحات والهدن.
- أما النموذج الثالث، فتمثل في نهج التحريض الشعبي، لعزل الفصائل المسلحة عن مجتمعاتها الحاضنة، حيث يقوم النظام في هذه الحالة بتضييق الخناق على مناطق سيطرة المعارضة بمختلف الأساليب، وتكثيف حملات تحريض المجتمع على قواه المسلحة المعارضة وتأليب المدنيين عليها، وتحميلها مسؤولية تدهور الأوضاع المعيشية والأمنية، وتشجيع بعض التشكيلات والشخصيات المجتمعية على الدعوة للتفاوض مع النظام والقبول بالهدن والمصالحات. ولم يحقق النظام نجاحًا كبيرًا في هذا النموذج في بعض المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة محكمة من الفصائل العسكرية على معظم التشكيلات المجتمعية فيها، بسبب تجانس البيئة الاجتماعية، أو هيمنة التوجه المحافظ للمجتمع، أو بروز الطابع المناطقي في بعض المناطق، وأسباب أخرى مكّنت الفصائل والقوى المسيطرة من الحفاظ طويلًا على وقوف حاضنتها الشعبية وراءها، ومن الأمثلة على ذلك مناطق داريّا وأحياء حمص القديمة، وحي الوعر، ومعظم مناطق درعا.
ثانيًا: احتمالات التقارب التركي مع النظام وانعكاساته على مناطق الشمال السوري
- التقارب التركي مع النظام السوري – الفرص والتحديات
بعد عدة خطوات على طريق التقارب التركي مع النظام السوري، التقى وزير خارجية تركيا، مولود تشاووش أوغلو، وفيصل المقداد وزير خارجية النظام السوري في موسكو، خلال الاجتماع الرباعي الذي انعقد في العاشر من أيار/ مايو، أي قبيل انطلاق الانتخابات التركية، ليتحقق للجانب التركي جزء من أهدافه من التقارب، حيث إن استثمار المعارضة التركية وجود أكثر من 4 ملايين سوري في تركيا، لتغيير توجه الناخب التركي في الانتخابات المقبلة، دفع الرئيس التركي والحزب الحاكم إلى السعي لسحب هذه الورقة من يد معارضيه، من خلال التقارب مع النظام السوري والتنسيق معه لإعادة العدد الأكبر من اللاجئين.
وخلال السنوات الماضية، كانت فكرة التقارب بين أنقرة ودمشق صعبة وبعيدة، إلا أن التحديات التي تواجه الحكومة التركية قبيل إجراء انتخابات عامة في البلاد، منتصف العام الجاري، فرضت على الحكومة التركية التقارب مع عددٍ من الدول العربية. حيث تركز أنقرة على ضمان أمنها القومي بمواجهة خطر وجود (قوات سوريا الديمقراطية/ قسد) في شمال شرقي سورية، ويقلقها دعم الدول الغربية مشروع إقامة إقليم تديره الميليشيات الكردية، وهو ما تعتبره أنقرة خطًا أحمر، وبالمقابل تقبل تركيا بإعادة قوات النظام سيطرتها على مناطق شمال شرقي سورية وبعض المناطق غربي الفرات التي تخضع لسيطرة “قسد” حاليًّا، لوأد أي مشروع من هذا القبيل.
لا توقعات بنتائج جوهرية:
على الرغم من أن المنتظر من التقارب أن تعود فائدته على الجانب التركي، حيث تدلّ الأحداث على أن الخطة التركية تهدف لتحقيق كسب انتخابي يضمن بقاء حزب العدالة والتنمية على سدة الحكم في تركيا دورة انتخابية أخرى، وهو ما يبرر هذه الاستدارات، إن صحّ التعبير، لضمان دخول المعترك الانتخابي بأوراق قوة إضافية مع حرمان الخصوم منها.
وينظر النظام السوري إلى تقاربه مع تركيا باعتباره فرصة لكسر عزلته الدولية، والتخلص من خصم لدود، وداعم أساسي للمعارضة السورية، وترى فيه روسيا الغارقة اقتصاديًا وعسكريًا في الوحل الأوكراني، دفعة قوية للدبلوماسية الروسية المتعثرة منذ سنوات، في استثمار النصر العسكري في سورية وتحويله إلى نصر سياسي.
إلا أنه من غير المتوقع أن يشكل التقارب أو اللقاء المرتقب بين الأسد والرئيس أردوغان تحوّلًا جوهريًّا أو ملموسًا وجديًا في العلاقات بين الجانبين[13]، خاصة أن النظام السوري يدرك مدى حاجة الأتراك إلى مثل هذه اللقاءات، وليس من المتوقع أن يضغط الروس كثيرًا على الأسد للانخراط جديًّا في الحل السياسي؛ لكنهم قد يفعلون ذلك من أجل تقاربه مع تركيا، وقد تمكنّوا فعليًّا من إقناع النظام السوري بأن هذا التقارب يساهم جديًّا في إعادة تعويمه دوليًّا، وهو هدف حيوي للنظام السوري، بعد الخطوات الكبيرة التي حققها التطبيع مع النظام على مستوى الدول العربية، وعودته إلى مقعد سورية في جامعة الدول العربية.
من جانب آخر، يشير حرص إيران وضغطها للدخول على خط التقارب التركي السوري، وفرض نفسها كطرف رابع شريك إلى جانب روسيا وتركيا والنظام السوري، إلى قدرة إيران على عرقلة مسار التقارب، في حال استهدفت التفاهمات المرتقبة مصالحها ونفوذها في سورية، ما يجعل التوصل إلى تفاهمات تحقق مصالح الأطراف الأربعة بالغة التعقيد.
2-انعكاسات التقارب على المعارضة السورية
إذا ما حصل تفاهم حقيقي بين الجانبَين التركي والسوري، فمن الممكن أن تترتب على أطرافه التزامات، سياسية وعسكرية واقتصادية، وهي التزامات لن تكون على طرف دون الآخر، ومن أبرز هذه الاحتمالات ما يلي:
- قد يتم إحياء مسار اللجنة الدستورية المتوقف بقرار روسي منذ مدة، وقد يتمظهر شكليًا في اجتماعات جديدة لمسار أستانا، تبحث قضايا أمنية وإنسانية متعلقة بالمعتقلين والمخطوفين والمفقودين.
- إقامة فعاليات ومؤتمرات بهدف حشد الدعم لمشاريع إعادة الإعمار، المفيدة لكل من روسيا وتركيا وإيران، على الصعيد الاقتصادي، وتنعش النظام السوري الذي يسير نحو الانهيار المعيشي والاقتصادي، ويصطدم نجاح هذا الاحتمال بموقف الإدارة الأميركية والدول الأوروبية من مسار التطبيع، ورفض دعمه، ما لم يقترن بخطوات جدية على مسار الحل السياسي وفق قرار مجلس الأمن الدولي 2254.
- قد يكون من أبرز الالتزامات التي ستترتب على الجانب التركي، في حال حصول تقارب جدي مع النظام السوري، دفع المعارضة للقبول بمصالحة أو هدنة مع النظام. وعلى الرغم من أن حسابات هذا الاحتمال تبدو معقدة، خاصة بعد الرفض الشعبي الواسع الذي شهدته مناطق الشمال السوري لفكرة المصالحة مع النظام السوري؛ فإن نقاش هذا الاحتمال يبدو ضروريًّا، بعد التحولات في مواقف الدول العربية تجاه النظام السوري، والتطبيع السعودي معه، وإعادة مقعد سورية في جامعة الدول العربية إلى النظام السوري، خاصة أن تعقيدات الاستجابة لكارثة الزلزال عززت قناعة، مفادها أنه لم يعد يكفي، لتهيئة بيئة مناسبة للحل، تجميد الواقع كما حصل في توافقات روسية – تركية سابقة، مثل تفاهم إدلب “المؤقت” بين الطرفين الذي جرى في 5 آذار/ مارس 2020، والمؤقت لا يمكن أن يصبح دائمًا بأي حال من الأحوال.
أمّا من جانب مؤسسات المعارضة السورية، التي تبدو غائبة كليًّا عن الفعالية والقرار، فقد وضعت كل البيض في سلّة الفاعلين الدوليين، وهي غارقة في مشكلاتها البينية، السياسية منها أو العسكرية، وتنذر حالة التشظي التي يعيشها “الجيش الوطني السوري” بمزيد من الصراعات والضعف والارتهان، ما يجعله خارج دائرة التأثير، وغير قادر وحده على المبادرة العسكرية بمواجهة قوات النظام السوري، إن حصلت مواجهة كهذه بدعم عسكري إيراني وروسي.
ولعلّ تردي واقع مناطق النفوذ في شمال سورية، عسكريًّا ومعيشيًّا، واحتمال التقارب مع تركيا قد يرتب على تركيا التزامات بوقف أو تخفيض دعم المعارضة السورية، سيكون عامل تشجيع للنظام على عدم التنازل عن طموحاته في استعادة السيطرة على شمال غربي سورية، بل قد يعزز توجهه نحو الحصول على مكاسب جديدة يضيفها إلى تلك التي حققها بالحرب الأخيرة على مناطق المعارضة في العام 2020، بدعم روسي إيراني كبير.
ومع أن المعاناة لدى السوريين في مختلف مناطق النفوذ واحدة، والجميع يبحث عن حل، فإن سكّان شمال غربي سورية ومقاتلي الفصائل المعارضة فيها لن يكون متوقعًا قبولهم بحل يُعيد إخضاعهم للنظام السوري، كما أن أي بوجود النظام السوري لن يكون مستدامًا، فضلًا عن أنه لن يكون منصفًا للسوريين الذين دفعوا أثمانًا باهظة في ثورتهم ضد النظام، عدا أنهم لا يثقون بضمان أمنهم في حال المصالحة، نتيجة خبرات الهدن والمصالحات السابقة، خاصة أن الأطراف الضامنة له (روسيا – إيران) منخرطة بشكل كامل في الصراع، وساهمت في معظم المذابح التي حصلت بحق المعارضين خلال السنوات الأخيرة، ومجمل هذه الأسباب تجعل واقع حال قوى المعارضة والمدنيين في شمال غربي سورية مختلفًا عمّا كانت عليه أحوال من قبلوا المصالحات والهدن السابقة، وهو ما نتناوله فيما يأتي.
3-المعارضة في الشمال السوري ليست كدرعا والغوطة وحمص
عبّر المعارضون للنظام السوري عن رفضهم دعوات التصالح مع النظام السوري وتقارب تركيا معه، ولعلّ حراك الشارع القوي في مناطق إدلب وحلب كان أكبر دليل على ذلك، عندما عبّرت حشود غفيرة من الناشطين والأهالي، وحتى المسلحين في الفصائل المعارضة، عبر تظاهرات واحتجاجات مستمرة على نحو أسبوعي منذ تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي، عن رفض المصالحة مع النظام السوري، واستنكار تصريحات وزير الخارجية التركي التي دعا فيها إلى فتح مسار حوار بين المعارضة والنظام.
وتُظهر مقارنة الواقع في مناطق شمال غربي سورية الخارجة عن سيطرة النظام السوري، بما كان عليه واقع مناطق سبق أن اضطرت فيها الفصائل المعارضة إلى قبول المصالحات والهدن وتسليمها للنظام، اختلافًا واضحًا في مستويات متعددة.
– الواقع العسكري في الشمال السوري أكثر تماسكًا وتنظيمًا، وتسليحًا وتدريبًا، وتحظى الفصائل المعارضة فيه بميزات خطوط الإمداد والإخلاء المفتوحة مع حليفها التركي، وهو ما كانت تفتقده فصائل ريف حمص والغوطة، ودرعا بعد تخلي الداعم الأميركي والأردني عنها.
– وجود مستوى تنظيم إداري “حكومي” نسبي في الشمال السوري، من خلال الحكومة السورية المؤقتة التابعة للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، وحكومة الإنقاذ التابعة لفصيل هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقًا)، إلى جانب مجالس محلية تتولى إدارة المناطق مدنيًّا وخدميًّا، يختلف عن واقع المناطق الأخرى التي سبق أن أبرمت مصالحات مع النظام، وكانت تفتقر إلى كل هذه المؤسسات، رغم هشاشتها.
– على الصعيد الاجتماعي، تحظى مناطق الشمال السوري بكثافة سكانية عالية، ذات غالبية رافضة للعودة إلى حكم النظام السوري، ويُعزز من هذا الموقف وجود نازحين من مختلف المناطق، فضّلوا التهجير القسري على قبول البقاء تحت سيطرة النظام، ما يرجح احتمال رفضهم المصالحة معه، ورفض الخضوع لحكمه مجددًا.
وبناء على ما سبق، إذا أردنا إسقاط أنماط المصالحات في المناطق السورية التي حصلت فيها سابقًا، على احتمال مصالحة في إدلب وأرياف حلب الخاضعة لسيطرة المعارضة، فلا يمكن تصور القبول بها، خاصة أن فصائل الشمال الراديكالية المتمثلة في “هيئة تحرير الشام”، وفصائل “الجيش الوطني السوري”، عبّرت عن موقف رافض للمصالحات، وهي تضم في تشكيلاتها مزيجًا من الجهاديين، والمقاتلين المحليين الذين يتمسكون بالقتال دفاعًا عن مناطق سكناهم، والعناصر الذين تم تهجيرهم وعائلاتهم من مناطق سكناهم لأنهم رفضوا أن يبقوا تحت سيطرة النظام السوري، وتوجهوا في معظمهم في بداية التهجير إلى المخيمات المنتشرة على الحدود السورية – التركية، لأنهم لا يؤمنون بوعود النظام السوري، أيضًا هم مقاتلون نالوا الكثير من قمع النظام من قصف وهدم لمنازلهم وتشريدهم بعد قتل بعض من عائلاتهم… وهم الآن يدافعون عن أرضهم وعائلاتهم في ملاذهم الأخير، إذ لا يوجد باصات خضراء هنا تقلّهم الى أي مكان آخر بعد أن انحسرت رقعة المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وأغلقت الحدود أمام أي احتمال للجوء إلى تركيا.
شكل رقم (2) يوضح خريطة توزع السيطرة العسكرية ومواقع النقاط العسكرية التركية في مناطق الشمال السوري – 2023.
4-سيناريوهات المصالحات المحتملة في شمال غربي سورية؟
- من جانب النظام السوري: إن تشابه السياسات التي انتهجها النظام السوري في جميع المناطق التي استعاد السيطرة عليها، بعد أن كانت تحت سيطرة فصائل المعارضة، تجعل التوقعات حيال سياساته في أي مصالحات في شمال غربي سورية -إن حصلت- واضحة وغير مفاجئة، ومن غير المتوقع أن تختلف نتائجها على سكان مناطق الشمال السوري والمعارضة بجميع تكويناتها، فمصير الشباب المقاتلين والمدنيين لن يختلف -حسب المتوقع- عن مصير من سبقهم في ريف دمشق ودرعا وريف حمص.
- من جانب قوى المعارضة في شمال غربي سورية: إن سيناريوهات الرد المتوقعة من قوى المعارضة في شمال غربي سورية، في حال فرض المصالحات عليهم، قد لا تخرج عن أحد احتمالين:
- الأول: الرفض والاستعداد للمواجهة، فعلى الرغم من مخاطر المواجهة العسكرية والأمنية، والاعتماد الكبير على خطوط الإمداد من الجانب التركي، فإن من غير المحتمل أن تقبل الفصائل العسكرية تهديد مصالحها، وزوال نفوذها، وهي تنظر إلى تكلفة المواجهة على أنها أقل الأضرار، قياسًا بتفكيكها أو إلحاقها بالنظام السوري، ومخاطر خضوعها لسياسات النظام الانتقامية. وبالرغم مما تعانيه مناطق الشمال السوري من تبعية للإدارة التركية وضعف الإمكانات والموارد، فإن السكان يفضلون البقاء هناك على العودة غير الآمنة، وخاصة مع استمرار تردي الخدمات في المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري، ويعتقد المدنيون في الشمال السوري أن مديريات التربية والتعليم والصحة، سواء التابعة للحكومة السورية المؤقتة أو حكومة الإنقاذ، تعمل على تطوير ودعم العملية التعليمية بالمقدرات المتاحة، وأن إدارة المجالس المحلية في كافة مناطق الشمال السوري بالتعاون مع المنظمات العاملة في المنطقة تعمل على تأمين الخدمات المطلوبة، وهذه الخدمات في أسوأ أحوالها هي أفضل من مثيلاتها لدى النظام السوري[14].
- الثاني: المناورة بقبول المصالحات مع شروط وضمانات، وهو احتمال تدعمه عوامل قوة عسكرية تمتلكها فصائل المعارضة في شمال غربي سورية، وواقع إداري وخدمي منظم نسبيًا، ما يمكنها من فرض شروط تخفف من مخاطر إخضاع المنطقة لسيطرة مطلقة للنظام السوري، وتوفر ضمانات لنموذج إدارة ذاتية لهذه المناطق، مع مظاهر سيادة شكلية للنظام السوري.
وكلا الاحتمالين يحتمل معه عدم موافقة بعض الفصائل على المصالحات، وإصرارها على رفض الانخراط في إجراءات تحُدّ من نفوذها ومتابعة نشاطها العسكري ضد قوات النظام وحلفائه، وما يترتب على ذلك احتمالات فشل المساعي لوقف العمليات العسكرية في مناطق عمل وانتشار هذه الفصائل.
- من جانب تركيا: ينتشر آلاف الجنود الأتراك في نحو 70 نقطة عسكرية في الشمال السوري، وتتبع جميعها -من حيث القيادة والسيطرة- إلى قاعدتين رئيستين في إدلب، هما قاعدة معسكر المسطومة، وقاعدة مطار تفتناز العسكري، وتمتلك القوات التركية في سورية مئات الآليات: الدبابات، والعربات المدرعة، وبطاريات المدفعية المتنوعة، ومنظومات دفاع جوي، وراجمات صواريخ، وآليات خفيفة، ومنظومات تشويش وحرب إلكترونية، ورادارات.
ويدل هذا الحشد العسكري الكبير والنوعي على أهمية منطقة الشمال السوري في ضمان الأمن القومي التركي، خاصة بالنظر إلى طبيعة المنشآت العسكرية المحصنة والترتيبات الهندسية الدفاعية، التي تؤكد أن الوجود العسكري التركي ليس شكليًا، ولا مؤقتًا، ويندرج ضمن استراتيجية عسكرية طويلة الأمد.
وفي حال أعيدت العلاقات بين النظام وتركيا، فقد يضطر الجيش التركي إلى إعادة انتشار قواته شمال غربي سورية، بتنسيق مع الروس أو على نحو مباشر مع النظام السوري، استجابة لمطالب النظام السوري الذي يضع شرط انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية على رأس قائمة مطالبه، للمضي في مسار التقارب مع تركيا.
ومع صعوبة توقع تفريط صانع القرار التركي بهذا الوجود العسكري، في منطقة لا يبدو الاستقرار الأمني فيها متوقعًا في المدى القريب، قد يضطر الجانب التركي إلى قبول عملية إعادة انتشار القوات التركية، ما يعزز فرص النظام لاستعادة السيطرة على بعض المناطق، ومنها جسر الشغور التي لطالما ركّز حملاته العسكرية لاستعادتها، وكذلك المناطق المشرفة على طريق اللاذقية-حلب الدولي، وذلك بالسيطرة العسكرية المباشرة، أو عبر تفاهمات مؤقتة، إلا أن سيطرة فصيل “هيئة تحرير الشام”، على هذه المناطق ستشكل معضلة إضافية في أي تفاهم قد يحصل بين أنقرة ودمشق.
أما سيناريو تفاهم تركيا والنظام على إعادة رسم خارطة النفوذ في مناطق درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام، فهو احتمال دونه عقبات كبيرة، ويقتضي لإنجازه قبول أنقرة بأن تضحي بمكاسب نفوذها في هذه المناطق، وهو نفوذ دفعت من أجل الحصول عليه الكثير، وأنفقت الكثير في سبيل تنظيم شؤون إدارته وتزويد هذه المناطق بالخدمات. ويضاف هذا إلى صعوبة توقع قبول تركيا بالتضحية بفصائل المعارضة، وانتشار جيش النظام السوري على حدودها، وما يعنيه ذلك من اقتراب تمركز ميليشيات مدعومة من إيران قرب هذه الحدود، وهو تنازل تركي من غير المتصور القبول به.
خلاصة:
اعتمد النظام السوري سياسات إخضاع وانتقام متشابهة، في المناطق التي خرجت عن سيطرة الفصائل المعارضة وأصبحت تحت سيطرته بعد إجبارها على الإذعان لاتفاقات مصالحة وتسليم، ومن غير المتوقع أن تختلف سياساته هذه، في حال إجبار المعارضة في الشمال السوري على إبرام اتفاقات هدنة أو مصالحة معه، في حال تحقيق مساعي التقارب التركي مع النظام السوري خطوات جدية.
إن المؤشرات والوقائع على الأرض تُبرز صعوبة مسار التقارب بين تركيا والنظام السوري، واحتمالات تسوية الخلافات بينهما تبدو بعيدة، وفي حال تحققت خطوات فعلية في هذا المسار، فإن احتمال دفع المعارضة السورية نحو الإذعان لمصالحات مع النظام السوري تحول دونها عقبات وتحديات كبيرة، من أبرزها:
- اختلاف واقع قوى المعارضة في الشمال وإمكاناتها، عن مثيلاتها في مناطق المصالحات السابقة، ما يمنحها القدرة على مواجهة محاولات فرض المصالحة مع النظام السوري -إن حصلت- مدعومة برفض شعبي من المدنيين والمقاتلين، لعدم قبولهم العودة للخضوع للنظام الذي تسبب بمأساتهم وتهجير قسم منهم.
- إنّ سياسات النظام السوري الأمنية والانتقامية في المناطق التي سيطر عليها، وحملات الاعتقال التعسفية والتجنيد الإجباري، ستشكل دافعًا لقوى المعارضة في الشمال السوري لرفض خوض تجربة المصالحات، بعد أن خبرت نتائجها ومخاطرها وانعكاساتها السلبية.
- تشكل أزمات النظام الاقتصادية والمعيشية وتراجع المستوى الخدمي، والانفلات الأمني في المناطق التي يسيطر عليها عامل رفض إضافي لسكان مناطق الشمال السوري، يحول دون قبولهم بعودة سيطرة النظام على مناطقهم، إضافة إلى عدم ثقتهم بالضمانات التي يقدمها النظام وحلفاؤه، بعد انقلابه على ضماناته في تجارب المصالحات السابقة.
- العلاقة التي نسجتها تركيا بالمعارضة السورية معقدة ويصعب تفكيكها، كما أن السيطرة التركية الظاهرية على المعارضة لا تعني أن بإمكانها توجيهها كيفما تريد ومتى تريد.
- إن وجود قوات تركية في الشمال السوري، تستفيد من قوى المعارضة في تحقيق مصالحها القومية وتقدّم لها الدعم حتى الآن، يجعل من الصعب تصوّر قبول الدولة التركية تسليم مناطق نفوذها في شمال سورية للنظام السوري، وتقديمها لقمة سائغة للنظام، مقابل إعادة علاقتها به، فقد استثمرت سياسيًا وماديًا في مناطق الشمال، وتكبدت تضحيات كبيرة لضمان أمنها القومي، ولن تتركها بسهولة بغض النظر عمن سيفوز بالانتخابات.
- يبرز الموقف الأميركي كأحد معوقات هذا التقارب، ومن غير المتوقع أن تسمح واشنطن لروسيا بتحقيق انتصار سهل في سورية، من خلال فرض خارطة نفوذ جديدة في شمال غربي سورية تعزز سيطرة النظام السوري وتمنح روسيا قوة نفوذ أكبر.
- ما يعزز الاعتقاد بعدم قدرة النظام السوري وحلفائه على فرض المصالحات على قوى المعارضة في الشمال السوري، أنه لم يستطع بسط نفوذه على المناطق التي سيطر عليها دون الاستعانة بالقوة العسكرية الروسية، وميليشيات رديفة أبرزها الميليشيات المدعومة من إيران، والدولتان تواجهان صعوبات داخلية، نتيجة انشغال روسيا في حرب أوكرانيا، وتداعيات العقوبات الدولية عليهما، كما أنهما لن تقدما على دعم طموحات النظام باستعادة مناطق النفوذ التركية في الشمال السوري بالقوة، والمخاطرة بالإضرار بالمصالح التركية.
قائمة المراجع:
- أحمد العودة.. رجل روسيا المدلّل والساعي لتشكيل “جيش” في الجنوب السوري، عنب بلدي، 2020، على الرابط التالي: https://www.enabbaladi.net/archives/395886 .
- بنود اتفاق تهجير أهالي ريفي حمص الشمالي وحماة الجنوبي، أورينت نت، 2018، على الرابط التالي: https://orient-news.net/ar/news_show/148536 .
- تعرف على مركز المصالحة الروسي بسوريا، الجزيرة، 2018، على الرابط التالي: https://cutt.us/TAZVW .
- تقرير حقوقي: حصاد الإرهاب في درعا 2022، تجمع أحرار حوران، 6/1/2023، https://www.horanfree.com/archives/13171
- حول لقاء أردوغان-الأسد المرتقب، تقدير موقف، مركز حرمون للدراسات المعاصرة، https://cutt.us/M6NWR
- الدسوقي، أيمن، عوائل الرستن الكبرى: من الصدارة إلى الانكفاء، مسارات الشرق الأوسط، 2021.
- دحمان، غازي، المصالحات في سوريا: هل تؤدي للسلام؟ أم هي أداة لقهر الضحايا؟، معهد العالم للدراسات، 2017، على الرابط التالي: https://alaalam.org/ar/politics-ar/syria-ar/item/477-586140217 .
- الراعي، نينار، أوجه سلطة النظام السوري في بلدات الغوطة الشرقية، برنامج مسارات الشرق الأوسط، 2019.
- سوريا.. اتفاق في “درعا” على تسليم معارضين لأسلحتهم الخفيفة، وكالة الأناضول، 2021، على الرابط التالي: https://cutt.us/SvGYL .
- موقع “HaberTürk” https://cutt.us/0mrLx
مقابلات:
- الناشط الإعلامي يوسف معربة، درعا.
- الناشط حسن الأسمر، مدينة الباب في شمال حلب.
إعداد: عمر إدلبي
شارك في الإعداد: علي دالاتي – محمد أحمد خليل
عذراً التعليقات مغلقة