اللاجئون السوريون في تركيا.. ضحايا الممارسات العنصرية واللعبة السياسية

فريق التحرير17 مايو 2023آخر تحديث :
ارتفعت وتيرة عمليات ترحيل اللاجئين السوريين من تركيا باتجاه سوريا في الشهرين الماضيين

جاءت الانتخابات الرئاسية الأخيرة لتكرس الانقسام السياسي في تركيا من جهة، ولتكشف من جهة أخرى عن اتفاق معظم الفرقاء السياسيين على ضرورة الانتهاء من ملف اللجوء في البلاد، كل وفق برنامج وعد قاعدته الانتخابية به.

لكن للأسف، لم يأت ذلك من دون نتائج سلبية، حيث أدت حدة الاستقطاب السياسي واعتماد الشعبوية في الخطابات الانتخابية إلى تصاعد نسب العنصرية تجاه اللاجئين إجمالا والسوريين خصوصا، وتحميلهم أسباب معظم المشاكل التي تعيشها البلاد في الوقت الحالي، ما أدى إلى تسجيل عدة حوادث اعتداءات لفظية وجسدية مؤخرا (سبقتها جرائم قتل) بدوافع عنصرية ضد لاجئين عرب، معظمهم من السوريين.

“الخطاب العنصري أدى إلى سقوط ضحايا”

بالنسبة لغزوان قرنفل، رئيس تجمع المحامين الأحرار في تركيا، لم يعد اللاجئون يشعرون بالأمان في تركيا، “الخطاب العنصري ضد اللاجئين الذي سبق العملية الانتخابية هو جزء من خطاب بعض الشارع التركي، الذي أدى بالنهاية إلى سقوط قتلى وجرحى”.

وأكد قرنفل على أن “المؤسسات الأمنية اتخذت إجراءات حاسمة بحق معظم المجرمين، خاصة من ارتكبوا جرائمهم بدوافع عنصرية”، معربا عن خشيته من أن هذه الإجراءات “لا تكفي، فالمطلوب تفكيك الخطاب العنصري ضد فئات عرقية وقومية، خاصة العرب. هذا الخطاب لم نجده ضد لاجئين آخرين كالأوكرانيين. ربما هذا مرتبط بالشعور بالدونية أمام الأوروبي والاستعلاء على كل ما هو عربي. هذا يتطلب مراجعة منهجية للخطاب العام وآلياته”.

لماذا التركيز على السوريين؟

يمثل السوريون العدد الأكبر من اللاجئين العرب في تركيا، التي تستقبل أيضا لاجئين عراقيين ومصريين ويمنيين وفلسطينيين. لكن حسب الحملات الانتخابية الرئاسية، احتل اللاجئون السوريون الحيز الأهم من الخطابات، حتى أن بعض الأحزاب القومية واليمينية خصتهم بالمسؤولية عن ارتفاع معدلات الجريمة والبطالة في البلاد.

وفقا لقرنفل، قد يكون التركيز على السوريين “لأنهم النسبة الأكبر من اللاجئين في البلاد”.

وأفادت الإحصاءات الرسمية الأخيرة بوجود نحو 3.7 مليون سوري في تركيا من الحاصلين على “الحماية المؤقتة”. إضافة إلى ذلك، بلغ عدد السوريين الحاصلين على الجنسية التركية نحو 230 ألفا. وكان هذا الموضوع في صلب الخطابات السياسية لبعض المرشحين ممن ادعوا أن أعداد السوريين المجنسين أعلى بكثير.

غزوان قرنفل اعتبر أن المجنسين السوريين استخدموا كاللاجئين، أداة لإثارة المزيد من الغضب تجاههم، “إذا ما أخذنا نسبة من يحق لهم الاقتراع ممن نالوا الجنسية، فهم لن يشكلوا سوى نسبة ضئيلة جدا لا يمكنها أن تؤثر بنتيجة الانتخابات” (0.178% من مجموع الناخبين الأتراك البالغ أكثر من 64 مليونا).

أين يتوزع اللاجئون السوريون في تركيا؟

حسب بيانات إدارة الهجرة التابعة لوزارة الداخلية التركية، تستقبل مدينة إسطنبول العدد الأكبر من اللاجئين، من بينهم أكثر من 530 ألف لاجئ سوري. في المرتبة الثانية تأتي غازي عنتاب التي تستقبل أكثر من 450 ألفا. كما تستقبل مدن أورفا وهاتاي ومرسين وبورصة وإزمير وأنقرة أعدادا كبيرة من اللاجئين.

ووفقا لمجريات الأحداث والبرامج السياسية للمرشحين للانتخابات الرئاسية، من المتوقع أن يطرح ملف السوريين في تركيا بعد الانتخابات، حيث أنه يشكل نقطة التقاء بين المرشحين، وإن اختلفت طريقة معالجة كل منهم له. وهذا سيحصل في حال أعيد انتخاب رجب طيب أردوغان أو في حال فوز كمال كليتشدار أوغلو، حيث أطلق الأول سلسلة من الاجتماعات الهادفة لتطبيع العلاقات تدريجيا مع دمشق، في حين قال الثاني إنه سيسعى لذلك لحظة وصوله للسلطة من أجل تسهيل عمليات إعادة اللاجئين.

“ربما تكون الهجرة هي الحل”

ميّار، 26 عاما، لاجئ سوري مقيم في إسطنبول منذ 2012، تحدث عن التغير الكبير في المعاملة تجاهه بلمدينة، حيث بات من الصعب على اللاجئين العرب عموما والسوريين خصوصا استئجار شقة ليسكنوا فيها. يقول “العنصرية ضدنا ليست وليدة الانتخابات. مرت سنوات ونحن عرضة للتهديدات وتشويه السمعة. هناك سياسيون يخرجون علينا بشكل دائم ليتهموا السوريين بالمسؤولية عن ارتفاع معدلات الجرائم في البلاد. أحدهم قبل شهر اتهمنا بالمسؤولية عن الأزمة الاقتصادية. كنت أمازح أحد أصدقائي في مكتب العقارات الذي أعمل به بشأن ذلك، لأتفاجأ بأنه مساند لتلك النظرية، حتى أنه حينها طلب مني عدم التحدث معه مرة أخرى”.

“عندما وصلت إلى إسطنبول، كان عمري حينها 15 عاما. أنهيت دراستي هنا، أتقن اللغة وأحفظ تفاصيل المدينة عن ظهر قلب، كأنها مدينتي التي ولدت بها. هذا ليس حالي فقط، بل حال الكثير من السوريين والعرب المقيمين هنا. قبل الانتخابات كنت أعتقد أنني أنتمي لهذه المدينة، حيث درست ووجدت الأمان والاستقرار، لكن الآن أشعر وكأن الدنيا عادت وأغلقت أبوابها بوجهي ووجه عائلتي. لا أعلم ما الذنب الذي اقترفناه لنتحمل كل هذا، لا يمكن تخيل الضغط النفسي والمعنوي الناجم عن القلق من الترحيل والعودة للمجهول. لم أفكر بالهجرة من قبل، كما قلت سابقا، كنت أعتبر نفسي في بلدي، لكن الأوضاع الآن تغيرت، ومن الواضح أنها ستتوجه للأسوأ. ربما الهجرة هي الحل”.

الاعتداءات طالت لاجئين غير سوريين

ارتفاع الأسعار وعدم القدرة على إيجاد منازل بسهولة فضلا عن العمل، لم تعد المشاكل الوحيدة التي تواجه اللاجئين في مدن مثل إسطنبول، حيث سجل مؤخرا ارتفاع بالاعتداءات الجسدية واللفظية ضد عدد منهم ما ينذر بالأسوأ.

هذا ما حصل مع ريبال، 24 عاما، طالب المعلوماتية العراقي الذي يتابع دراساته العليا في إحدى جامعات إسطنبول. يقول “طلبت من الأصدقاء والمعارف عدم التحدث بالعربية في الأماكن العامة خاصة في وسائل النقل. الوضع بات صعبا للغاية، أينما ذهبت أشعر بالعداء تجاهي لأني أتحدث العربية ولا أبدو ‘تركيا‘”.

ريبال تعرض للاعتداء الجسدي في الحي الذي يقطن به، ما سبب له صدمة كبيرة وشعورا بالخوف الدائم، “قبل نحو أسبوع، توجهت لمتجر البقالة في الحي لشراء بعض الحاجيات. كان هناك مجموعة من الشبان والمراهقين الأتراك. تبضعت حاجاتي وتوجهت للصندوق لأحاسب كالمعتاد، ألقيت التحية على الشاب الجالس على الصندوق فلم يرد، أخذ أغراضي كلها ووضعها جانبا وطلب مني المغادرة، ‘لا أبيع العرب هنا، لا أبيع السوريين. أخرج قبل أن أطلب الشرطة ليرحلوك إلى سوريا‘”.

ويتابع “لم يعطن فرصة للتكلم لأقول إنني لست سوريا كما أنني لست لاجئا، تجمهر الشبان حولي وبدأوا بضربي. لحسن حظي كانت هناك امرأة في المتجر شهدت الحادث ولولا تدخلها لما كانوا تركوني. من حينها بات الخروج من المنزل عبئا بحد ذاته، لم أعد أذهب للجامعة، كما لم أعد أستقبل الضيوف خوفا عليهم إذا ما جاؤوا ليزوروني في الحي ويلقوا نفس مصيري”.

هل تشكل عمليات “الإعادة الطوعية” حلا؟

أطلقت السلطات التركية مؤخرا عملية لإعادة لاجئين سوريين إلى بلادهم في إطار ما أسمته حينها “العودة الطوعية إلى المناطق الآمنة” بشمال سوريا. وبحسب تصريحات وزارة الداخلية في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، عاد أكثر من نصف مليون سوري إلى بلادهم بشكل طوعي، بينما رحلت السلطات ما يقرب من 20 ألفا بسبب “قضايا أمنية”.

منظمات إنسانية وحقوقية مثل هيومان رايتس ووتش اعتبرت تلك العمليات انتهاكا للقانون الدولي، إذ أوردت في سلسلة تقارير لها عن حصول “ترحيل قسري” لمئات السوريين في عام 2022.

إذا ما وضعنا الاعتبارات الحقوقية جانبا، هل يمكن للرئيس التركي القادم أن يرحل كل اللاجئين السوريين من بلاده؟

ترتبط تركيا بعدة اتفاقيات دولية تلزمها بحماية اللاجئين، وتضعها أمام مسؤوليات قانونية دولية في حال أخلت بها. وهو ما يجعل من الصعب تنفيذ تعهدات بعض الأطراف السياسية بالترحيل الجماعي لكل اللاجئين.

في هذا الإطار، يعتبر رئيس تجمع المحامين الأحرار في تركيا أنه “بعد انتهاء الدورة الأولى من العملية الانتخابية، خفت حدة الخطاب العنصري ضد اللاجئين، لكن هناك توقعات بعودته قبيل انطلاق الدورة الثانية. موضوع اللاجئين بالنسبة للفرقاء السياسيين في تركيا بات جزءا من البرنامج والسياسات، استثمار يهدف لكسب نسبة أعلى من الأصوات. للأسف هذا بات نهجا، فمنذ 2019، تحديدا وقت الانتخابات البلدية، تم الزج باللاجئين في البرامج الانتخابية للمعارضة، خاصة في إسطنبول وأنقرة، بدون الالتفات إلى ما قد يسببه ذلك من أضرار أو مخاطر على حياة اللاجئين أنفسهم”.

المصدر فرانس24
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل