رسالة إلى القمة العربية المقبلة

عمر قدور10 مايو 2023آخر تحديث :
رسالة إلى القمة العربية المقبلة

سيكون بشار الأسد بلا منازع نجم مؤتمر القمة العربية المقبل، إذا لم يُنصَح لسبب ما بعدم حضورها. معظم السيناريوهات المتداولة منذ أسابيع ينصّ على أنه سيتلقى دعوة لحضور مؤتمر القمة، وعلى أنه سيحضر إذ ليس من طباعه المعروفة تفويت مثل هذه الفرصة، لا لأهمية المؤتمر نفسه وإنما لرمزية العودة إليه بعد تجميد عضويته. وإذا كان الأسد لم يفوّت أقلّ فرصة للشماتة بمن ثاروا عليه، وبالمعارضين مهما كانت درجة معارضتهم، فهذه مناسبة كبرى للشماتة بهم. ووجه الشماتة ليس في استدعاء المعارضة يوماً إلى مؤتمر للجامعة، وإنما القول أنه يُستقبل في الجامعة ويُرحّب به، بعد كل جرائم الإبادة والاعتقال والتهجير.

في مواجهة ذلك، انتشرت بين المعارضين تلك الأقوال التي سبق أن شاعت بين المؤيدين يوم جُمّدت عضوية الأسد، فهجاء الجامعة العربية انتقل من ضفة إلى أخرى بحذافيره، وهو غير جديد على عموم السوريين لأنه رائج بينهم منذ ما قبل عام 2011، وإن اختلفت الأسباب كل مرة. أما هجاء القادة العرب بوصفهم متماثلين، والقول أن الأسد عاد إلى مكانه الطبيعي بينهم، فهو هجاء يلحظ غياب الديموقراطية في البلدان العربية، لكنه يخدم الأسد إذ يتجاهل تفرّده الساحق بارتكاب جرائم لم يفعلها مجتمعةً خلال مدة مشابهة أي رئيس أو ملك عربي، حتى إذا وجد بينهم مَن لا يتورع عن فعلها.

يحتفل معسكر الأسد بعودته إلى الجامعة، بوصفها على نحو خاص تطبيعاً عربياً مع الجريمة الكبرى، فيكمل معارضون ذلك بالقول أن الأسد عائد إلى أشباهه، أي أن ما يحدث طبيعي جداً وتطبيعٌ بين مجرمين. ولأن ما يحدث طبيعي، وفق المعارضين، فهو ضمناً لا يستحق فعل شيء. وغداً ستكون الكليشيه جاهزة، إذا قرر الغرب التطبيع مع الأسد، فلا أسهل من القول لدى شريحة واسعة أن الغرب هو الذي أبقى على الأسد، وهو منذ عهود بعيدة سلّط الحكام العرب على شعوب المنطقة ليمنع نهضتها، وكالعادة لإسرائيل حصة كبرى لدى من يرون أنها تحرّك القادة الغربيين والعرب. بعبارة جامعة، يكون التطبيع مع الأسد عربياً وغربياً في جوهر الأنظمة العربية والغربية، وليس للسوريين أمام هذه المؤامرة الكونية العظمى سوى التغنّي بمظلوميتهم؛ الكونية العظمى أيضاً عطفاً على المتسببين بها.

بخلاف هذا الاستسلام للمؤامرة الكونية المزعومة، والتطبيع تالياً مع الجريمة، نفترض أن السوريين قادرون على السعي لتثبيت فكرة أن ما يحدث هو تطبيع مع الإبادة والاعتقال والتهجير ومختلف الجرائم ضد الإنسانية، وأن هذا لا ينبغي أن يكون طبيعياً إطلاقاً. ننطلق من أن رسالة السوريين إلى القادة العرب يجب أن تؤكّد على معنى التطبيع، وعلى أنهم يجب ألا يفعلوا ذلك، رغم معرفتنا المسبقة بأنهم يعرفون جرائم الأسد، وليسوا بحاجة لشروحات إضافية عنها.

ليست السياسة ثرثرة على وسائل التواصل الاجتماعي، وعلى نحو يجعل منها استئنافاً لثرثرات الجدات والأجداد في أسواق المدن، أو على البيادر في الأرياف. رسالة السوريين يجب أن تتعدى ذلك، وأن تُوجَّه إلى عناوينها الصحيحة. يجب أن يُقال للقادة العرب أنهم يصافحون يداً غارقة في دماء السوريين، وأنهم يعانقون من أوعز بقصف مدارس الأطفال وأفران الخبز والمستشفيات، وتباهى في حديث علني بعد إبادة وتهجير ما يزيد عن ثلث السكان بأنه حصل على مجتمع أكثر تجانساً.

يجب أن يُقال هذا كله مباشرة، وأن يدعم بتقارير لمنظمات حقوقية دولية، ولا بأس في استرجاع المرات التي انفردت بها روسيا بالفيتو لتمنع إجماعاً دولياً على إدانة الأسد. رغم أننا نعلم، وهم يعلمون، ينبغي تثبيت التطبيع مع الجريمة كما هو حقاً، وكي لا تمرّ هذه اللحظة كأنها من طبائع الأمور والسياسة. ينبغي التأكيد على المعنى الذي يراه معسكر الأسد لعودته إلى الجامعة، واستحضار كل تلك الجرائم ورميها في وجوه الذين سيصافحون اليد التي لوّثت دماء السوريين.

نتحدث عن رسالة تثبّت الجريمة التي تحدث الآن بالتطبيع مع جرائم السنوات الماضية كلها؛ رسالة تُسلّم إلى رئاسة القمة العربية المقبلة، ونحن نعلم أن الدولة المضيفة قد تمنع تسليمها، وهذا خبر يمكن استثماره على الأقل. رسالة تُسلَّم إلى مقر الجامعة العربية، وأيضاً قد تمنع الدولة التي تستضيف المقرّ تسليمها وهذا خبر آخر يفيد في التأكيد على فحوى الرسالة، وعلى إحراج المستهدفين بها من استلامها. هناك قيادتان أو ثلاث هي الأكثر حماساً للتطبيع؛ يمكن التظاهر أمام سفارات هذه البلدان في الغرب، وتسليم الرسالة نفسها إلى القائمين عليها، ومن المستحسن أن يرفضوا استلامها أيضاً.

في سياق متصل، يعلم الجميع أن المتحمسين للتطبيع مع الأسد غير قادرين على اتخاذ قرارات تملكها القوى الموجودة في الميدان السوري، لكن التقليل المطلق من شأن مبادرتهم سيجعل الغرب يستسهل التطبيع. القراءة الحصيفة لموقف واشنطن تحديداً يجدر بها التوقف عند عدم منحها شيكاً على بياض لهؤلاء، ولكون مواقف رافضي التطبيع العرب تحظى أيضاً برضاها. وإذا كان من مصداقية للكلام عن تطبيع مشروط، وعلى مبدأ الخطوة بخطوة، فالمصداقية تأتي من التزام واشنطن وعدم سماحها باستقرار الأمر على تقاليد الجامعة العربية بتبويس اللحى. هنا، مرة أخرى، تحضر أهمية موقف السوريين، وإرسالهم رسالة رافضة للتطبيع مع الجريمة يقوّي من موقف العرب الرافضين أو المتحفظين، ويقوّي في واشنطن أولئك الذين يضغطون على الإدارة كي لا تتهاون مع الأسد.

ليس محتّماً أن تدوس بالمطلق الاعتباراتُ السياسية على نظيرتها الإنسانية، بل إن مراعاة الحد الأدنى من الثانية هو ما منع الغرب في سوابق عديدة من التطبيع المباشر مع قتلة وطغاة، وحتى بالمعنى الشخصي المباشر سيتحاشى معظم قادة الغرب مصافحة الأسد على النحو الذي سيفعله قادة عرب. ورغم أن مصافحة قاتل تعني استهتار أولئك القادة بشعوبهم أيضاً، وتنطوي على استعداد بعضهم على الأقل لفعل المثل، إلا أن تسليط الضوء على ذلك مهمة السوريين أولاً في غياب هذا الفهم الإنساني المشترك.

عودة الأسد إلى الجامعة العربية أدنى من أن تكون نقطة النهاية، لكن يبقى للسوريين خارج معسكر الأسد حصة في تقرير أن لا تكون بداية النهاية. ذلك يتوقف على الرسالة التي ستصدر عنهم في القريب، وعلى ألا ينتظروا صدورها عن معارضة أكثر ركاكة من أن تصدر بياناً يقرأه مَن تدّعي تمثيلهم.

المصدر المدن
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل