مذكرة الجنائية الدولية بتوقيف بوتين.. كيف نجا منها الأسد؟

فريق التحرير30 مارس 2023آخر تحديث :

في السابع عشر من الشهر الجاري أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بتهمة ارتكاب جريمة حرب في أوكرانيا، وذلك بعد نحو ثلاثة أسابيع من مرور الذكرى السنوية الأولى للغزو الروسي لهذا البلد.

بالمقابل، مرت أكثر من 13 سنة على اندلاع الصراع في سوريا، الذي راح ضحيته مئات الآلاف من المدنيين على يد النظام، ولم تصدر المحكمة الجنائية حتى اللحظة أية مذكرة اعتقال ضد بشار الأسد، المتهم من قبل الغرب بجرائم حرب.

في 2019، أعلنت الأمم المتحدة أن هناك أكثر من مليون وثيقة ودليل جمعتها المنظمة الأممية ضد الأسد، تعكف لجنة مستقلة على تحليلها من أجل تحقيق العدالة ومحاكمة كل من تورطوا في القمع والتعذيب وجرائم إنسانية أخرى.

وفي العام ذاته تقدمت مجموعة من اللاجئين السوريين بشكوى قضائية أمام المحكمة الجنائية الدولية ضد نظام الأسد بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية خلال الحرب الدائرة في سوريا.

وقدّم الشكوى ضد بشار الأسد محامون بريطانيون بوكالتهم عن 28 لاجئا سوريا غادروا بلادهم إلى الأردن.

لكن، وبعد مرور نحو أربع سنوات على القضية، لم تتحرك المحكمة الجنائية الدولية ضد الأسد أو تتخذ أي إجراء قانوني ضده.

يقول خبير القانون الدولي لحقوق الإنسان والأستاذ في جامعة نورث ويسترن توم هورد إن “سوريا غير موقعة على ميثاق المحكمة الجنائية الدولية وبالتالي لا يمكن للمحكمة ممارسة ولايتها القضائية على الجرائم المرتكبة أثناء الحرب في هذا البلد”.

ويضيف هورد في حديث لموقع “الحرة” أن “السبيل الآخر لإشراك المحكمة الجنائية في القضية هو عبر الإحالة عن طريق مجلس الأمن الدولي، وهو أمر حاولت الولايات المتحدة وحلفاؤها المضي به قدما عدة مرات خلال السنوات الماضية، لكن روسيا والصين عرقلت إصدار أي قرار بهذا الشأن من خلال استخدام حق النقض (الفيتو)”.

على عكس ما جرى مع بوتين يشرح هورد، فعلى الرغم من أن روسيا وأوكرانيا ليستا عضوتان في المحكمة الجنائية، إلا أن كييف وافقت طوعا كدولة على السماح للمحكمة بمراجعة القضية مما سهل من عملية إصدار مذكرة القبض.

في عام 2011 أنشأ مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ومقره جنيف لجنة الأمم المتحدة للتحقيق المعنية بسوريا لتحري احتمال حدوث جرائم حرب.

وتقول لجنة التحقيق المعنية بسوريا إن لديها قائمة سرية بأسماء أفراد من كل الأطراف يشتبه بارتكابهم جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية. ودعت مرارا مجلس الأمن الدولي لإحالة الوضع في سوريا للمحكمة الجنائية الدولية.

سوريا تختلف عن أوكرانيا
يشير المعارض السوري المقيم في الولايات المتحدة محمد العبدالله إلى أن الطريقة الوحيدة لوصول الأسد للمحكمة الجنائية هي عبر ضرورة حصول توافقات سياسية بين الدول الأعضاء في مجلس الأمن وهو أمر صعب المنال.

ويضيف العبدالله لموقع “الحرة” أن “روسيا حاولت حماية النظام في مجلس الأمن والصين كذلك، لكن الدول الغربية بنفس الوقت لم تحاول أن تفرض نوعا من الضغط على موسكو وبكين من أجل عدم استخدام الفيتو لحماية الأسد”.

ويعتقد العبدالله أن الدول الغربية “لم تقدم أي ضغط سياسي أو تقم بمفاوضات مع هذه الدول”.

ويعرب عن أسفه أن “ولا واحدة من الدول العظمى وخاصة الولايات المتحدة ترغب بصرف رأس مال سياسي على ملف مثل الملف السوري”.

على عكس أوكرانيا يقول العبدالله، التي تعتبر الحرب فيها رمزية بالنسبة لدول الغرب، مبينا أنهم ينظرون إلى “روسيا بأنها تحاول تغيير النظام أحادي القطبية في العالم والعودة كلاعب دولي أساسي مجددا وتحاول الهجوم على الناتو والتمدد ضد دول حلف الأطلسي”.

“لذلك نرى أن الحكومات الغربية لم تتساهل مع موسكو في الملف الأوكراني”، وفقا للعبدالله، الذي يشدد أن “الكلفة السياسية لانتصار روسيا في سوريا ليست مهمة للغرب وتختلف كثيرا مقارنة بأوكرانيا”.

وعلى الرغم من أن العبدالله يرى أن خطوة إصدار مذكرة قبض بحق الأسد تعد “رمزية” فيما لو حصلت، إلا أنه يشير إلى ضرورة عدم نسيان أن “الرئيس السوداني السابق عمر البشير كان مطلوبا لمحكمة الجنايات الدولية منذ 2005، لكنه مع ذلك سافر لدول عربية وأفريقية عدة ولم تقم أي دولة زارها بتسليمه أو اعتقاله”.

ويختتم العبد الله بالقول إن “هناك أهمية للمذكرة، لكنها ليست بالضرورة نهاية المسار الموضوع للعدالة، بل ربما تكون هي مجرد البداية لهذه الخطوة”.

“مصير مشابه لجزار البلقان”
ونادرا ما تقوم الدول الأعضاء بتنفيذ مذكرات التوقيف، خصوصا عندما يتعلق الأمر برئيس دولة، لكن مع ذلك يمكن لأي مذكرة أن تحد من حركته.

كذلك لا تمتلك المحكمة الجنائية شرطة خاصة بها لتنفيذ أوامرها، وتعتمد كليا على تعاون الدول الأعضاء فيها.

ومع ذلك، يؤكد توم هورد أن السنوات الماضية شهدت محاكمة العديد من القادة السياسيين والعسكريين بتهمة ارتكاب جرائم حرب، ولو بعد حين.

يقول هورد إنه “طالما ظل الأسد في السلطة، فمن غير المحتمل أن يمثل أمام المحكمة الجنائية، لإنه بالتأكيد لن يستسلم طواعية”.

ويضيف: “لكن في حال تم عزله من السلطة يوما، فهناك احتمال لأن يجري تسليمه للمحكمة حتى يحاسب على الجرائم التي ارتكبها بحق شعبه، على غرار الزعيم الصربي السابق سلوبودان ميلوزوفيتش وغيره”.

ويشير هورد إلى أن “ميلوزوفيتش، المعروف بلقب جزار البلقان، وغيره من المجرمين لم يعتقدوا يوما أنهم سيخضعون للمساءلة، وظنوا دائما أنهم سيكونون محصنين من العدالة، لكنهم وجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها يحاكمون في لاهاي”، مضيفا أن “مصير الأسد ربما يكون مشابها”.

المصدر الحرة
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل