فرّت أم أنور من سوريا طمعًا في بدء حياة جديدة في مدينة غازي عنتاب في جنوب تركيا، لكن في وقت مبكر من يوم الإثنين الماضي؛ عندما بدأ المبنى السكني الذي تقطنه يهتز بشكل لا يمكن السيطرة عليه، شاهدت شريط حياتها السابقة يمر من أمامها.
قالت أم أنور، وهي أم لطفلين، أنها استخدمت اسمًا مستعارًا لحماية عائلتها التي تعيش في مدينة حلب الخاضعة لسيطرة الحكومة: “شعرت وكأنني عدتُ إلى سوريا تحت القصف، شعرتُ وكأن الموت يداهمني مجددًا”، وأضافت: “لقد فقدتُ كل شيء – للمرة الثانية ـ ولستُ متأكدة من أن لدي القوة الكافية لبدء حياتي من جديد”.
كان الزلزال الهائل الذي ضرب جنوب شرق تركيا وشمال سوريا في 6 شباط/ فبراير مأساة لجميع المتضررين، لكن الحزن تفاقم بالنسبة إلى ما يقرب من 4 ملايين لاجئ سوري في تركيا، ممن فروا من ويلات الحرب الأهلية في وطنهم، لأن آمالهم في مكان آمن يسمونه وطنهم قد تبددت مرة أخرى.
رحّبت تركيا باللاجئين السوريين أكثر من أي دولة أخرى، ومنحتهم المأوى، وسمحت لهم بالعمل ووفّرت لهم الرعاية الصحية والتعليم، وتقول إنها أنفقت أكثر من 40 مليار دولار لاستيعاب الوافدين الجدد.
لكن الزلزال وقع في وقت تفاقم فيه العداء الشعبي تجاه السوريين في تركيا، بسبب أزمة غلاء المعيشة، كما يأتي قبل الانتخابات العامة المقرر إجراؤها في أيار/مايو والتي يقول الخبراء إنها ستزيد من تسييس محنتهم، إذ يخشى اللاجئون الآن أن يخسروا في تخصيص الموارد لأن أنقرة أمام تحدٍ متمثل في مهمة إعادة الإعمار الضخمة.
وقال عمر كادكوي، الخبير في شؤون الهجرة في معهد تيباف للأبحاث في أنقرة، إن “جميع الأحزاب السياسية قدّمت وعودًا غير واقعية باللعب على الوتر الحساس للدائرة الانتخابية وجني الأصوات من خلال إلقاء اللوم على السوريين بالعديد من المشاكل، حتى أن هناك عددًا قليلًا من السياسيين الذين رأوا في أعقاب الزلزال فرصة للترويج للشعبوية، والتي من شأنها زيادة النزعة الوطنية المعادية للاجئين وإعاقة أواصر التماسك الاجتماعي التي تمتد بشكل ضعيف بين الأتراك والسوريين”.
تعيش أم أنور وأطفالها – الذين يعتبر منزلهم غير آمن – مع الأصدقاء، لكن اللاجئين الآخرين لم يحالفهم الحظ؛ إذ إن هناك عائلة مكونة من 10 أفراد كانت تعيش في مبنى سكني مجاور دمره الزلزال تعيش الآن تحت مظلة من القماش المشمع البلاستيكي وتحرق قشور الذرة والأكياس البلاستيكية للحصول على التدفئة في البرد القارس.
غالبية السوريين في تركيا – بدون أموال أو سيارات أو شبكة للاتصال بهم – ليس لديهم أي مكان يذهبون إليه
يتكرر المشهد عبر أفقر الأحياء في المدينة التي شعرت بالقوة الكاملة للزلزال، فقد كانت على بعد 40 ميلًا فقط من مركز الزلزال، ولجأ السكان إلى إشعال نيران كبيرة في كل شارع تقريبًا، واصطفوا حولها يلُفّهم الحزن. وبعد أيام من وقوع الزلزال؛ يتجمع النازحون على جوانب الطرقات، أو ينامون في السيارات أو يحتمون في المساجد المكتظة.
يشكّل اللاجئون السوريون زهاء 50 ألف في غازي عنتاب، وهو أكثر من خمس سكان المدينة، وقد جاؤوا هربًا من الحرب الوحشية التي اندلعت في سنة 2011، وأعادوا بناء حياتهم بشق الأنفس بينما كانوا يصارعون ندوب الصراع. وبالنسبة لكثيرين؛ كان من المفترض أن تكون محطة في طريقهم إلى حياة جديدة في أوروبا، لكن هذا الحلم تبخّر بعد أن أبرمت تركيا صفقة مع الاتحاد الأوروبي لخفض تدفق المهاجرين “غير النظاميين” إلى أوروبا بمقدار النصف، بعد أن شعرت الحكومات بالقلق من عدد اللاجئين الفارين من الحرب في سوريا.
اضطر اللاجئون السوريون إلى المكوث في تركيا وسط تصاعد المشاعر المعادية للاجئين السوريين في موطنهم الجديد. ومع ذلك؛ بالنسبة لمعظم اللاجئين السوريين، فإن الحياة في تركيا أفضل منها في لبنان أو الأردن، وهما دولتان أخريان استقبلتا أشخاصًا فروا من الحرب، لكن هذه الدول حرمت معظمهم من الحق في العمل أو الاندماج في المجتمع.
فقد نور منزل والديه عندما انهار مبناه في وسط غازي عنتاب، لكن العشرات من جيرانه الأتراك، الذين كانوا مترقبين لمصير أقاربهم المفقودين طوال الأسبوع، وقفوا إلى جانبه عندما تلّقى الأخبار المروعة عن العثور على شقيقه وزوجة أخته وابن أخيه البالغ من العمر ستة أشهر تحت الأنقاض، وقال: “نتشارك نفس الألم، كلنا إخوة في الحزن”.
تمكن العديد من الأتراك الذين حوصروا في الزلزال من الفرار لمنازل أقاربهم أو أصدقائهم في المدن الواقعة في الشمال. لكن
يعيش أبو الوليد منذ يوم الإثنين في شاحنة صغيرة مع أكثر من عشرة أفراد من عائلته، ويقول إنه غامر بالعودة إلى شقته المتضررة، لكن أطفاله خائفون: “ابني مرعوب من العودة إلى البيت، ويصرخ قائلًا “لا أريد أن أموت”.
يحاول الشاب البالغ من العمر 35 عامًا العثور على المال لإخراج عائلته من منطقة الزلزال، لكنه يحتاج مبلغ 750 دولارًا للقيام برحلة 700 ميل بالسيارة إلى إسطنبول؛ وهو مبلغ لا يمكن توفيره لأولئك الذين يعيشون على الكفاف.
منى محمود، لاجئة سورية أخرى تعيش في غازي عنتاب، وجدت مأوىً مؤقتًا مع صديقة خارج المدينة، وقالت: “خرجتُ من منزلي بالملابس التي كنت أرتديها فقط – ليس لدي أي شيء”، وأضافت وهي تمسح دموعها بحجابها الرمادي: “ليس لدي أي فكرة عن المكان الذي سأذهب إليه أو ما الذي سأفعله”.
لم تعد منى إلى المبنى الذي تقيم فيه في المدينة، لكن الجيران أخبروها بظهور شقوق كبيرة في قاعدته، وتضيف قائلة: “حتى لو تمكنت من العثور على مكان آخر، لا أستطيع تحمل تكاليف الإيجار. كل شيء هنا مكلف للغاية بالنسبة لنا”.
يعرف معظم اللاجئين السوريين هذه المشاعر، فقد روت ليال خليف كيف كانت تحتمي مع آخرين في مسجد في بلدة أقجة قلعة، وهي بلدة حدودية تبعد حوالي 125 ميلًا عن غازي عنتاب، عندما جاءت مجموعة وطردتهم مشيرة إلى أن “المسجد يجب أن يعطي الأولوية للأتراك”. وأضافت “يتكرر هذا المنوال دائمًا؛ إنهم يكرهوننا، ويرفعون إيجاراتنا، ولن يعطونا بطاقات إقامة ولن يسمحوا لنا حتى بالدخول إلى متاجرهم”.
لقد تركتها الأحداث المضطربة في الأيام القليلة الماضية تتساءل عما إذا كان الوقت قد حان لحزم حقائبها والعودة إلى الوطن في سوريا: “إذا كان الأتراك لا يريدونني، فربما سأضطر للعودة. تعرّض منزلي للقصف أثناء الحرب ولكن على الأقل هناك أشخاص أعرفهم، ولن تجوع عائلتي”.
عذراً التعليقات مغلقة