نعم للمساعدات لا لرفع العقوبات

عالية منصور8 فبراير 2023آخر تحديث :
نعم للمساعدات لا لرفع العقوبات
عالية منصور

صباح الاثنين، ضرب زلزال جنوب تركيا وشمال سوريا، لحقه زلزال ثان، وعشرات الهزات الارتدادية، المنطقة بكاملها استفاقت على كارثة كبيرة كأنها يوم القيامة، عاش الجميع رعبا لساعات طويلة، تحدث الناس عن الهلع الذي انتابهم في تلك اللحظات العصيبة عندما انقلبت الأرض عليهم، وابتلعت كثيرا من المباني التي لم يبق منها سوى الركام وتحت هذا الركام أرواح تصارع، وجثث لا تعد ولا تحصى، مشاهد لا يمكن لعقل تخيلها ولا لقلب تحملها، في تركيا فرق الإنقاذ تحاول انتشال الضحايا من تحت الأنقاض قدر استطاعتها، وأتت العاصفة لتجعل من الأمر أكثر صعوبة، ولكن محاولات الإنقاذ مستمرة ومحاولات انتشال الجثث لم تتوقف، على الجانب الآخر من الحدود، في الشمال السوري، حجم الأضرار لا يمكن إحصاؤه، هناك حيث لا إمكانات كبيرة للملمة ما نتج عن هذه الكارثة، منظمات محلية من شباب وصبايا سوريين بإمكانات متواضعة يحاولون القيام بدور تعجز الدول عن القيام به، هناك حيث كل شيء آيل للسقوط بسبب القصف الذي تعرضت له المنطقة من قوات بشار الأسد وروسيا، حيث آلاف البراميل سقطت خلال السنوات الإحدى عشرة الأخيرة، ما كانت الأبنية بحاجة ليكون الزلزال بهذه القوة لتبتلع الأرض سكانها، وتتحول مدن وأحياء إلى أطلال، هناك من بقي حيا يبحث عن أقاربه تحت الركام، يحفرون الأرض بأظافرهم، ليس في هذا أي مبالغة، هذا ما حصل بالفعل ولا يزال يحصل للآن، يبحثون عن أطفالهم، عن أهاليهم وأقاربهم، والعثور عليهم وإنقاذهم إن كانوا أحياء، أو تكريم جثثهم إن كانوا قد قضوا تحت الأنقاض.

تباكى الجميع على ضحايا الزلزال، ذرفوا دموع التماسيح وزمجروا بصوت واحد “فكوا الحصار عن سوريا، ارفعوا العقوبات كي تتمكن سوريا الأسد من إنقاذ المتضررين”

تظن، وإن بعض الظن إثم، أن هذه الكارثة لا يمكن أن تجلب سوى التعاطف مع الضحايا، ولكن ستتفاجأ مع بشار الأسد ونظامه، إن لم تكن تعرفه بحق، أنه اعتبر الزلازل فرصة عليه استثمارها، تنتبه كيف أن أصواتا أشبه بالأبواق بنعيق الغربان لم تكتف بالصمت خلال أكثر من 11 عاما والسوريون يقتلون يوميا، بل كانوا يرقصون فوق جثث الضحايا الذين قتلهم الأسد، وتحولوا بقدرة قادر أو بدقة بإيعاز من نظام الأسد إلى دعاة إنسانية وحمائم سلام. بكبسة زر من جهاز ما، تباكى الجميع على ضحايا الزلزال، ذرفوا دموع التماسيح وزمجروا بصوت واحد “فكوا الحصار عن سوريا، ارفعوا العقوبات كي تتمكن سوريا الأسد من إنقاذ المتضررين”، عن أي حصار يتحدثون؟ وأين هي العقوبات التي تمنع من إدخال المساعدات الإنسانية إلى سوريا؟

ثلة من المنافقين، وكثير من الجهلة يرددون ما يقوله المنافقون من دون فهم أو إدراك لحقيقة الأمر، لا شيء يمنع من إدخال المساعدات إلى سوريا، لا تطول العقوبات أيا ممن يرسل الغذاء والدواء والمساعدات الإنسانية والإغاثية للسوريين المنكوبين، العقوبات هي على الأسد ونظامه، العقوبات هي لمنع الأسد من الحصول على مزيد من الأسلحة لقتل من بقي حيًا من السوريين، المنظمات الدولية موجودة في مناطق سيطرة الأسد، تُدخل الغذاء والمساعدات بشكل دائم، فساد الأسد ومنظمات زوجته بالشراكة مع عاملين في المنظمات الدولية هو سبب عدم وصول المساعدات لمستحقيها في مناطق النظام، وليس قانون قيصر والعقوبات.

ثلة من المنافقين، فنانيين ورجال دين وصحافيين وسياسيين، لم يذرفوا دمعة على ضحايا البراميل والكيماوي والقصف والتعذيب، لم يرفّ لهم جفن والأطفال في اليرموك ومضايا يأكلون أوراق الشجر بسبب حصار الأسد، لا بل على العكس شمتوا ورقصوا فرحا، فكل من يعارض بشار الأسد يستحق الموت بأبشع الأساليب، منافقون استفاقوا اليوم على الإنسانية.

كارثة جديدة تحل بالسوريين! مأساة جديدة! لم تعد هذه الأوصاف تعبّر حقا عمّا حصل ويحصل لهذا الشعب، الزلزال لم يضرب السوريين وحسب، ولكنهم هم فقط من بقوا وحدهم لا يملكون سوى أيديهم، يرفعونها مرة للدعاء ويغرسونها مرة في الأرض للبحث عن أحبائهم.

الزلزال ليس الكارثة الوحيدة التي ألمت بالسوريين، الكارثة الكبرى هي وجود بشار الأسد في السلطة، المأساة أنه وبعد كل الجرائم التي ارتكبها من قتل وتهجير وتعذيب الملايين لم يستطع العالم إيقافه ومحاكمته. الآلاف من السوريين قتلهم الزلزال، ومئات الآلاف من السوريين سبق أن قتلهم بشار الأسد.

واهم من يظن أن بشار سيرسل لهم غير الموت، ألم يحاول قتلهم مرات ومرات ومرات؟ ألم تدمّر الطائرات الروسية معظم النقاط الطبية والمستشفيات العاملة في مناطق خارج سيطرته

الزلزال لم يميز بين مناطق سيطرة النظام ومناطق خارج سيطرته، ولكن المساعدات يجب أن تميز حتى تصل إلى مستحقيها، فالمساعدات لمناطق سيطرة النظام ستصل، إن لم ينهبها النظام، عن طريق منظمات شريكة له يسمح لها بالعمل هناك، أما المناطق الأكثر تضررا، وهي المناطق الخارجة عن سيطرته، فيجب أن تصل إليها المساعدات من خلال المنظمات العاملة هناك، يجب أن تصل إليها بشكل مباشر. واهم من يظن أن بشار سيرسل لهم غير الموت، ألم يحاول قتلهم مرات ومرات ومرات؟ ألم تدمّر الطائراتُ الروسية معظم النقاط الطبية والمستشفيات العاملة في مناطق خارج سيطرته، فهل من خلال هؤلاء سترسل المساعدات؟ من شاهد صورة بشار بالأمس ضاحكا وهو يتباحث مع وزراء حكومته بأمر الزلزال سيدرك أن بشار الأسد يرى في هذه الكارثة فرصة.

نعم المطلوب إرسال مساعدات عاجلة وضرورية جدا للسوريين، لجميع السوريين، ولكن المطلوب أيضا في الوقت نفسه عدم الانجرار خلف نيّات الأسد الخبيثة. باختصار: لا لرفع العقوبات، ولا لتحويل كارثة جديدة حلّت بالسوريين إلى فرصة لبشار الأسد تمكنه من قتل من بقي حيّا.

المصدر تلفزيون سوريا
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل