المهرّبون وعملاء الأمن: التشظي واللامركزية في شبكة الكبتاغون في جنوب سورية

فريق التحرير15 أكتوبر 2022آخر تحديث :

ملخص

منذ منتصف عام 2020، برزَت صناعة المخدرات غير المشروعة كجانب محوريّ للأزمة التي طال أمدها في سورية (انظر: الاقتصاد السوري في حالة حرب: الكبتاغون والحشيش ودولة المخدرات السورية، The Syrian Economy at War: Captagon, Hashish, and the Syrian Narco-State). كانت تجارة حبوب الكبتاغون معروفة على نطاق واسع خارج الشرق الأوسط، وصار يُنظر إليها الآن على أنها آلية تمويل رئيسة لنظام بشار الأسد. إلى حد كبير، ركّز التحليل المتعلق بتجارة المخدرات السورية على الأبعاد المحددة لتدخل النظام، مع التركيز الواضح على شحنات المخدرات على نطاق واسع في الحاويات التي تغادر ميناء اللاذقية، حيث سيطرة نظام الأسد لا جدال فيها [1].

نسبيًا، أُولي قليل من الاهتمام لديناميكيات صناعة المخدرات في مناطق أخرى من سورية. وهذا خطأ مهمّ. من نواحٍ حاسمة، تختلف الديناميات الرئيسة لتهريب المخدرات في جنوب سورية، وهي المنطقة التي شكلها الاتجار بالمخدرات بشكل واضح، عن الظروف التي نراها في الساحل. في جميع أنحاء جنوب سورية، تكون الأدلة على نفوذ النظام مشوشة، نتيجة عوامل من بينها المنافسة والتواطؤ بين مختلف وكالات الاستخبارات والميليشيات وتجار المخدرات والمهربين الذين يدعمونها. في هذا السياق، يتطلب الاتجار نقاط اتصال عبر هياكل السلطة المحلية، وهو ما يدل على المدى الذي أصبحت فيه صناعة الكبتاغون السورية سمة أساسية لاقتصاد الحرب الأوسع.

يحلل التقرير التالي تجارة المخدرات في محافظتين في جنوب سورية: درعا والسويداء. مع تقييم موجز للاتجاهات الناشئة في تهريب الكبتاغون الإقليمي، ويركز هذا التقرير على الجهات الفاعلة والشبكات المحلية التي تقود التجارة في جنوب سورية، ومن ضمن ذلك رجال الأعمال في مجال المخدرات، والشبكات القبلية والعائلية العابرة للحدود، والجهات العسكرية والأمنية من خلفيات متنوعة. الصورة التي تظهر هي صورة محلية للغاية ومتنوعة، ويبدو أنها لامركزية. في حين لا ينبغي التقليل من أهمية دور نظام الأسد في صناعة المخدرات، تشير الأدلة المستمدة من جنوب سورية إلى أن هناك حاجة إلى تحليل من القاعدة إلى القمة، لفهم شبكات المخدرات السورية ومكافحتها ومنعها في نهاية المطاف.

النتائج الرئيسة

  • اعترضَت الدول الإقليمية أكثر من (100) مليون حبة كبتاغون، في النصف الأول من عام 2022، وهو ما وضع العام على المسار الصحيح لانخفاض صوريّ مقارنة بعام 2021.
  •  إن مضبوطات الكبتاغون في دول الخليج، ومنها الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، في طريقها نحو الانخفاض لعام 2022، وهو ما يعكس على الأرجح خليطًا من الحظر الأولي في بلدان العبور، والتغييرات في استراتيجيات الاتصالات العامة لدول الخليج في ما يتعلق بسورية و/أو المخدرات.
  •  قوبل الانخفاض الكبير في مضبوطات الكبتاغون في لبنان وتركيا في عام 2022، بزيادةٍ في عمليات الحظر في الأردن والعراق، حيث برز العراق كطريق عبور رئيس إلى الخليج، ولكن تورط المناطق المجاورة في سورية التي تديرها “قوات سوريا الديمقراطية”، كطريق مخدرات، غيرُ معترفٍ به بشكل كاف.
  • على الرغم من عدم وجود طريقة عمل واحدة ثابتة للاتجار بالمخدرات، في درعا والسويداء، فإن الشبكات السائلة المشاركة في التجارة تشترك في سمة واحدة محددة: تربط (الشبكات) أصحاب المصلحة المحليين والوسطاء الرئيسين بالأجهزة العسكرية أو الأمنية القوية، وأكثرها شيوعًا الاستخبارات العسكرية. وفي كثير من الحالات، يعمل قادة المعارضة المتصالحون الآن كنقاط محورية لأجهزة الأمن السورية.
  • من المرجح أن يكون التنوّع الملحوظ داخل شبكات المخدرات المحلية تكيّفًا منهجيًا، يسمح للجهات الفاعلة الأكثر محورية في تجارة المخدرات -نظام الأسد وحزب الله- بتحويل الضّرر (على سبيل المثال، السيطرة المباشرة المحدودة في جنوب سورية، وهي منطقة تعاني بسبب الفصائل) إلى نفوذ وربح.

    التوصيات
  • على الوكالات المانحة أن تكون حذرة من نظريات التغيير التي تقترح استخدام مبادرات المساعدات الموجهَة لردع السوريين عن المشاركة في أنشطة تهريب المخدرات المحلية. ومن المرجح أن تقاوم الميليشيات وجماعات التهريب التي تهيمن على التجارة التغيير، في حين أنّ التهريب الناجح، على الرغم من خطورته، يمكن أن يقدّم آلاف الدولارات، وهو ما يوفر حوافز من غير المرجح أن يضاهيها المانحون من خلال أنشطة المساعدات.
  • بدلًا من ذلك، يمكن للمساعدات الإنسانية والتنموية، بل ينبغي لها، أن تسعى إلى التخفيف من حدة الظروف التي تدفع السوريين إلى استهلاك الكبتاغون، ومن سُبل ذلك استكشاف توفير خيارات العلاج من المخدرات. هناك مؤشرات أولية على أن مثل هذه البرامج قد تكون ممكنة -مع وجود ضمانات لا تضر الحماة/ الضامنين- في شمال سورية على وجه الخصوص.
  • يمكن جعل أنشطة المعونة قادرة على الصمود في وجه التقاطع المحتمل مع شبكات المخدرات، من خلال تطبيق منظور محلي حساس للصراعات، ولا سيما في ممارسات العناية الواجبة والامتثال.
  •  إن الجهود التشريعية وجهود إنفاذ القانون لتقويض قيمة الكبتاغون كآلية تمويل لنظام الأسد معرضة لخطر الخطأ، إذا فشلت في تفسير شبكات الجهات الفاعلة المساعدة التي أصبحت راسخة داخل اقتصاد المخدرات السوري.
  •  ينبغي للمجتمع الدولي أن يواصل رصد عمليات التكيف مع الاتجار بالمخدرات السورية. وإذا تعرضت عائدات الكبتاغون الحالية للتهديد، فمن المرجح أن تنشأ طرق عبور وأنواع مخدرات جديدة، وأساليب لإيصال المخدرات.

 فهم متطور لصناعة متغيرة

كان التقرير المفصّل الذي نشره مركز التحليل والبحوث العملياتي (COAR) في نيسان/ أبريل 2021، من التقييمات الأولى لتوثيق ظهور سورية كدولة مخدرات، استنادًا إلى تحليل “التربّح من المخدرات على نطاق صناعي، الذي استولى وسيطر عليه إلى حد كبير رجال الأعمال في مجال المخدرات المرتبطين بنظام بشار الأسد وحلفاء النظام الأجانب”. (انظر: The Syrian Economy at War: Captagon Hashish, and the Syrian Narco-State). ومنذ ذلك الحين، استمر الاتجار الكبتاغون في التوسع والتطور داخل سورية وخارجها.

الحجم: توسعت الصناعة

تشير بيانات مصادرة الكبتاغون العالمية التي جمعَها مركز التحليل والبحوث العملياتي والبحوث إلى أن دولًا أجنبية اعترضت أكثر من (170) مليون قرص كبتاغون مرتبط بسورية عام 2020 [2]. في عام 2021، قفز الرقم إلى (280) مليون قرص، وهو أكبر بكثير من بعض التقديرات [3]. ومع ذلك، فإن بيانات الاعتراض ليست بالضرورة انعكاسًا دقيقًا للديناميكيات الأساسية. ويتزامن الارتفاع في المضبوطات مع تزايد الوعي الإقليمي بتهريب الكبتاغون، الأمر الذي تُرجِم إلى بروتوكولات تفتيش مشددة، خاصة للشحنات المرتبطة بسورية.

إن تناسُب نمو إنتاج الكبتاغون الفعلي في سورية مع عمليات الاعتراض ما يَزال غيرَ واضح، إلا أنّ الأرقام كافية للإشارة إلى أن صناعة المخدرات لا تزال قضية إقليمية كبرى، الآن، وفي المستقبل المنظور. قدَّر معهد (نيو لاينز) أن القيمة الإجمالية لعمليات اعتراض الكبتاغون في عام 2021 بلغت (5,7) مليار دولار أميركي [4]. واستنادًا إلى معايير الاختيار الضيقة والتقييم المتحفظ لأسعار السوق، يشير تقييم مركز التحليل والبحوث العملياتي (COAR) (الشكل 1) إلى نطاق قيمة أقلّ نسبيًا [5]. وبموجب هذا الإجراء، اعترضت السلطات الأجنبية أقراص الكبتاغون السورية المشتبه بها التي تراوح قيمتها المحتملة في الشوارع بين (2,8 و4,2) مليار دولار أميركي في عام 2021. في النصف الأول من عام 2022، حدثت عمليات اعتراض بقيمة تقدر بين (1-1,5) مليار دولار أميركي.

الشكل 1

*- اعتمادًا على بيانات الرصد التي جمعها مركز التحليل والبحوث العملياتي (COAR).

النطاق: المسارات الناشئة

تطورت ديناميكيات العبور، وظهرت الموانئ في أفريقيا (مثل السودان ونيجيريا) وآسيا (مثل ماليزيا) [6]، في عام 2021 كنقاط توقف جديدة تستخدم للتهرّب من الكشف عن المخدرات المخبأة في شحنات حاويات واسعة. ومع ذلك، فإن التغيير الإقليمي الأكثر وضوحًا وثباتًا يتعلق بأنماط الاتجار مع جيران سورية من الجنوب، العراق والأردن. منذ عام 2020، برز العراق كبلد عبور وسوق رئيس للكبتاغون، وأدى ذلك إلى تورط المناطق المتاخمة من سورية التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، الكيان الإقليمي الذي مارس جهود مكافحة المخدرات الأقل قوة في الأعوام الأخيرة (الخريطة 1). في النصف الأول من عام 2022، اعترض العراق أكثر من (11) مليون قرص كبتاغون من سورية، وهي زيادة مذهلة مقارنة بـ (200) ألف قرص فقط في عام (2021). صادر الأردن (33) مليون حبة حتى حزيران/ يونيو 2022، أي ما يقرب من ضعف العدد الذي تم اعتراضه في عام 2021. وفي الوقت نفسه، شهد لبنان انخفاضًا كبيرًا في عمليات الاعتراض، حيث انخفض من (21,9) مليون في عام 2021 إلى (1,6) مليون في النصف الأول من عام 2022.

مضبوطات كبتاغون الشرق الأوسط (2021 -2022)

تلاحظ دول الخليج اتجاهات متباينة. تتراجع مضبوطات الكبتاغون في المملكة العربية السعودية، مقارنة بعام 2021. على الرغم من المضبوطات الكبيرة في النصف الأول من عام 2022، فإن المملكة العربية السعودية على مسار تخفيض بنسبة (31) في المئة في مضبوطات الكبتاغون المرتبطة بسورية. لم تبلّغ عُمان وقطر والإمارات العربية المتحدة عن أي عملية اعتراض للكبتاغون في عام 2022، على الرغم من عمليات النقل الملحوظة في عام 2021. يصعُبُ الجزم بأن الانخفاضات في تلك الدول تعكس تغيرات في ديناميكيات الاتجار الأساسية، مثل تغيير استراتيجيات الاتصالات في ما يتعلق بالاعتراضات، ومن غير المرجّح أن تكون عمليات الاعتراض قد توقفت تمامًا. ومن المرجح أن تكون عمليات اعتراض المنبع في الدول الوسيطة الرئيسة، وخاصة العراق والأردن، قد خفّضت تدفقات الكبتاغون إلى الخليج.

داخل سورية

لا تزال البيانات المتعلقة بمضبوطات الكبتاغون داخل سورية محدودة نسبيًا. على الرغم من أن شمال غرب سورية لا يزال منطقة مجهولة خاصة في أبحاث الكبتاغون، إلا أن المصادر المحلية تشير إلى زيادة غير مؤكدة في تعاطي المخدرات وعلامات التهريب منذ عام 2020. ولا يزال تهريب الكبتاغون عبر الحدود إلى تركيا مقيدًا إلى حد كبير، بسبب جهود الحظر التي تبذلها القوات التركية بالوكالة. وفي إدلب، اعترضت هيئة تحرير الشام ما يقرب من (5) ملايين حبة كبتاغون، في النصف الأول من عام 2022 [7]. وفي شمال حلب، شنّت فصائل مختلفة من الجيش الوطني السوري حملات قمع، حظيت بتغطية إعلامية واسعة النطاق، ضد المهربين، لكنها صادرت كميات أصغر من المخدرات: (2,6) مليون حبة في عام 2021، و(2,000) حبة فقط حتى الآن في عام 2022. وقد أحرقت جماعات الجيش الوطني السوري علنًا كميات كبيرة من المخدرات المضبوطة، لإثبات أن الحبوب لن يعاد تداولها، وهو أمر نادر الحدوث بين الأطراف المعترضة في سورية أو في أي مكان آخر. وحتى الآن في عام 2022، صادرت تركيا (1,4) مليون قرص كبتاغون من أصل سوري، وهذا يجعلها على وشك الانخفاض الكبير في الحجم مقارنة بعام 2021 (13.8 مليون).

وفي شرق سورية، اعترضت قوات أمن الأسايش (2,5) مليون حبة في مستودع في القامشلي، في آذار/ مارس، وهي المصادرة الوحيدة المبلغ عنها في المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية في النصف الأول من عام 2022 [8]. وبحسب ما ورد، كانت الحبوب متجهة إلى إقليم كردستان العراق، مما لفت الانتباه إلى استخدام شمال شرق سورية كطريق للوصول إلى العراق، الذي يشترك في حدود واسعة مع مناطق سورية التي تديرها قوات سوريا الديمقراطية وكذلك الحكومة السورية. وفي الوقت نفسه، صادرت السلطات الحكومية السورية عددًا أكبر من الكبتاغون في عام 2022 أكثر من أي جهة فاعلة إقليمية أخرى في البلاد، على الرغم من أن الغالبية العظمى من الحبوب الـ (14) مليون التي ضُبِطت جاءت من مداهمة واحدة في حماة [9].

كيف يعمل اقتصاد المخدرات في جنوب سورية؟

يشير النطاق المحدود لمضبوطات الكبتاغون في جميع أنحاء سورية إلى أن السلطات في جميع مناطق البلاد تغض الطرف عن تجارة المخدرات إلى حدّ ما، أو أنها متواطئة بشكل مباشر. ومع ذلك، فإن درجة تيسير أصحاب المصلحة المحليين للاتجار بالمخدرات متغيرة للغاية، وكذلك هويات الجهات الفاعلة المعنية. ولا يتجلى تعقيد هذه الديناميكية في أي مكان أكثر مما هو عليه في جنوب سورية، كما يتضح من دراسات الحالة المستمدة من محافظتي درعا والسويداء.

درعا

بمصطلحات عامة، يمكن فهم محافظة درعا على أنها منطقة رئيسة لإنتاج المخدرات، وباعتبارها الطريق الرئيس لعبور المخدرات السورية (أو اللبنانية المستوردة) إلى الأردن، ومن هناك، نحو الخليج. في الوقت الحاضر، تعبر المخدرات إلى الأردن في المقام الأول على طول الحدود الغربية لدرعا مع محافظة القنيطرة وريفها الشرقي، عبر قرى مثل (طيسيا والسماقيات)، بالقرب من محافظة السويداء. يستخدم معبر نصيب-جابر الحدودي الرسمي كطريق لشحن المخدرات إلى الأردن [10]، وإن كان ذلك نادرًا، ويرجع ذلك جزئيًا إلى إغلاقه المتقطع وانخفاض الحجم الإجمالي لحركة المرور. وفي مثل هذه الحالات، تُخفى المخدرات بين المواد المشروعة مثل المواد الغذائية والمنتجات الصناعية.

وأكثر المعنيين في تجارة المخدرات في درعا رجالُ أعمال محليون في مجال المخدرات، وغالبا قادة المعارضة السابقين الذين أنجزوا المصالحات المدعومين من جماعات الميليشيات المحلية. والأهمّ من ذلك أن هذه الجهات الفاعلة المحلية تعمل كقوات بالوكالة لمختلف الأجهزة الأمنية، وهي علاقة توفر لهذه الأخيرة عازلًا عن المجتمع المحلي. بينما يعزو محللون غربيون ومسؤولون أردنيون [11] على حد سواء، تهريب المخدرات في جنوب سورية إلى حد كبير، إلى “حزب الله” والفرقة الرابعة -بقيادة ماهر الأسد- فالواقع أكثر غموضًا بكثير، وتحدد المصادر المحلية الاستخبارات العسكرية على أنها الجهاز الأمني الأكثر نشاطًا في الخدمات اللوجستية والإنتاج والنقل عبر جنوب سورية.

ومع ذلك، حُدِدت كثيرًا من مختبرات الكبتاغون في جميع أنحاء درعا [12]، حيث تعكس تفتت القوة والنفوذ في المنطقة. وتدير فروع فرع المخابرات العسكرية مطاحن في نوى وخراب شهيم، في ريف درعا الجنوبي الغربي، وغصيم في شرق درعا، في حين يحتفظ أعضاء سوريون في “حزب الله” بمنشآت للكبتاغون في جميع أنحاء منطقة اللجاة [13]. وعلى الرغم من أن طرق التهريب والنقل تتكيف وفقًا للظروف السائدة، فإن تزويد هذه المنشآت بمواد الإنتاج الكيمياوية التي تُجلَب من لبنان يتطلب موافقة مجموعة من الجهات العسكرية والأمنية المتمركزة في جميع أنحاء غرب ووسط سورية، ومن بينها الاستخبارات العسكرية والفرقة الرابعة والحرس الجمهوري وحزب الله. ومع ذلك، داخل جنوب سورية نفسه، يمكن عدّ المفارز الأمنية التابعة للفروع مولّد/ دينامو تجارة المخدرات. وتبين دراسات الحالة الموجزة التالية نطاق وتنوع الوسطاء المحليين ومنظمي المشاريع في مجال المخدرات المشاركين في هذه التجارة. (ملاحظة: من أجل التركيز على بنية التجارة، يشار إلى أصحاب المصلحة بالأحرف الأولى. وتحجَب المصادر التي قد تشير إلى الأفراد بالاسم).

دراسة حالة رقم (1) أ. ك: المهرب الانتهازي ورائد المخدرات

يُعد مسار (أ. ك) مؤشرًا إلى الطريقة التي امتد بها تهريب المخدرات إلى الاقتصاد غير المشروع الأوسع في سورية، ويهيمن عليه الآن في بعض النواحي. كان (أ. ك) متورطًا بشكل بارز في تهريب الأسلحة والسجائر قبل الصراع، وبعد أن أصبح جنوب سورية تحت سيطرة الجيش السوري الحر، انضم إلى فصيل معارض يرأسه أفراد من عائلته الكبيرة، من أجل تخفيف أنشطته غير المشروعة. وعندما انهارت المعارضة الجنوبية، تصالح (أ. ك) مع دمشق، وجنّد كثيرًا من الأقارب في الفرقة الرابعة. وحسب المصادر المحلية، فإن (أ. ك) هو أول جهة فاعلة تبني طاقة إنتاجية كبيرة من الكبتاغون في جنوب سورية، في خراب شهيم. وتصل مواد المخدرات الكيمياوية إلى هذه المنشآت من لبنان، وتؤمن الفرقة الرابعة مرورها. وغالبًا ما يرسَل الكبتاغون الذي يتم الاتجار به من قبل (أ. ك) للاستهلاك المحلي. ويتعرض أفراد ميليشيا (أ. ك) -وهي مؤلفة من (150) شخصًا معظمهم من أفراد عشيرته- للهجوم في الأعوام الأخيرة، بسبب ارتباطهم بتهريب المخدرات.

دراسة حالة رقم (2): أ. ه: خصم حزب الله ولوجستي المخدرات في غرب درعا

ويعد (أ. ه) جهة فاعلة رائدة في تأمين طرق النقل لتهريب المخدرات في حوض اليرموك، من ضمن ذلك بالقرب من بلدة (كويا) الحدودية النائية، في جنوب غرب درعا، وتجسد أنشطته مدى وجود المنافسة على حدود العنف بين شبكات المخدرات. (أ. ه) قائد عسكري سابق في جيش اليرموك التابع للجبهة الجنوبية، تصالح مع الحكومة السورية، ولا يزال يتمتع بنفوذ كمهرّب. والجدير بالذكر أن (أ. ه) اشتبك مع خلايا “حزب الله”، التي اتهمها بمحاولة اغتياله هو وغيره من قادة المعارضة السابقين من حوض اليرموك. (أ. ه) ليس الحالة الوحيدة لتاجر مخدرات بارز كانت له علاقات عدائية تاريخيًا مع حزب الله. ومنذ ذلك الحين، أصبح أحد هؤلاء الفاعلين، وهو عضو سابق في قوات الدفاع الوطني، حليفًا رئيسًا لـ “حزب الله”، وهو الأمر الذي يشير إلى أن هذه العلاقات سائلة، وتتشكل على أساس اعتبارات براغماتية.

دراسة حالة رقم (3): أ. ز: من قائد معارض إلى أهم شخصية في الاستخبارات العسكرية

تعد المصادر المحلية (أ. ز) شخصية رائدة في شبكات المخدرات في شرق محافظة درعا، من ضمن ذلك الإنتاج المحلي والتهريب. بعد إطلاق سراحه من سجن حكومي سوري في عام 2012، أصبح (أ. ز) قائدًا للمتمردين، وشارك في مركز العمليات العسكرية (موك MOC) ومقرّه الأردن [14]، لكنه تصالح مع الحكومة السورية عندما انهارت المعارضة الجنوبية. ومنذ ذلك الحين، قام بتعبئة مجموعة ميليشيا تابعة للمخابرات العسكرية السورية، ظاهريًا كثقل موازن ضد الفيلق الخامس، الذي يتألف أيضًا من مقاتلي المعارضة المتصالحين. اجتذب (أ. ز) ما بين (60 و150) مجندًا إلى الجماعة، ونشرهم في الغالب عند معبر نصيب الحدودي، حيث يدير أفراد الأسرة المقربون من (أ. ز) استراحة، ويتمتعون بإعفاءات من التفتيش الجمركي. نفذت جماعة (أ. ز) هجومًا على مقر جمارك نصيب، وهجمات عدّة ضد المعارضين والجماعات المتمردة، مستهدفًا في الغالب قادة المعارضة السابقين والمقاتلين الذين رفضوا المصالحة، فضلًا عن تجمعات البدو والمزارعين، وكثيرًا ما اتهمهم بأنهم ينتمون إلى تنظيم (داعش) أو يقفون وراء محاولات الاغتيال.

السويداء

على الرغم من أن محافظة السويداء غالبًا ما تُفسَر من خلال الميول المنصبة على الذات للقيادة السياسية الدرزية، فإن الأنماط المحلية لتهريب المخدرات تظهر المدى المحدود الذي تمكنت فيه المنطقة من عزل نفسها عن الاتجاهات التي تُشكل سورية. وقد قاومت الميليشيا الدرزية “رجال الكرامة”، سماسرة السلطة الاجتماعية والدينية في المنطقة، ودانت علَنًا التورط في صناعة المخدرات. ومع ذلك، انتشرت تجارة المخدرات عبر شبكات معقدة تربط خلايا تهريب البدو المتمركزة على أطراف المحافظة بالجهات العسكرية والأمنية الفاعلة في الداخل السوري. وعلى الرغم من أن التهريب (على سبيل المثال في الماشية والمنتجات الغذائية والسجائر، وبدرجة أقل، الأسلحة والمخدرات) كان سمة واضحة للمنطقة، طوال تاريخ سورية الحديث، فإن تهريب الكبتاغون ازدهر منذ عام 2015، وتسارع أكثر منذ استيلاء الحكومة السورية على الجنوب في عام 2018. وكما هو الحال في درعا، فإن الاستخبارات العسكرية هي الفاعل الأمني المحلي صاحب أكبر مشاركة في شبكات تهريب المخدرات، بدعم من أصحاب المصلحة المحليين الرئيسين.

دراسة حالة رقم (1): (ر. ف): نقطة اشتعال المقاومة الدرزية

كونه ميسرًا رئيسًا للمخدّرات في السويداء، اشتبَكَ (ر. ف) أكثر من مرة مع القيادة الدرزية في المنطقة. ومن خلال انتمائه إلى الاستخبارات العسكرية السورية، تلعب الجماعة المسلحة التي شكلها المكونة من (50) فردًا دورًا بارزًا في نقل وشحن المخدرات من دمشق إلى السويداء، ويُضاف ذلك إلى عددٍ لا يحصى من المظالم المحلية التي دفعت القادة الدروز المحليين إلى الدعوة، مرارًا وتكرارًا، إلى فكّ علاقة أجهزة الأمن التابعة للحكومة السورية عن (ر. ف). في عام 2021، شنت جماعة (ر. ف) المسلحة هجومًا على فرع أمن الدولة، وقيل إنه بلغ ذروته نتيجة نزاع حول تقسيم عائدات المخدرات بين فرعي أمن الدولة والمخابرات العسكرية. وفي أواخر تموز/ يوليو 2022، شنَّ “رجال الكرامة” سلسلة من الهجمات المنسقة على جماعة (ر. ف) المسلحة في بلدات عتيل وشهبا وسالم، وسط السويداء. وعلى الرغم من أن الاشتباكات اندلعت بسبب أحداث لا علاقة لها مباشرة بالمخدرات، فإنها أسفرت عن الاستيلاء على مقرّ الجماعة بالقرب من عتيل، حيث أُبلِغ عن مكابس حبوب مستخدمة في تصنيع الكبتاغون.

دراسة حالة رقم (2): (م. ر): الروابط القبلية والتهريب عبر الحدود

من بين أبرز الجهات الفاعلة المتورطة في تهريب المخدرات على حدود السويداء والأردن، (م. ر)، وهو من أبرز أفراد قبيلة الرمثان، التي تتمتع بنفوذ عبر سهل الحماد الصحراوي، وهي مساحة تمتد عبر جنوب شرق سورية والأردن وغرب العراق وشمال المملكة العربية السعودية. ويقال إنّ (م. ر) يتمتع بعلاقات وثيقة وواسعة النطاق مع الأوساط السياسية السورية والأجهزة الأمنية، بالإضافة إلى حزب الله، الذي يعمل كصلة وصل بمورد المخدرات التي تصل عبر مجتمع القصير الحدودي. يجب أن تمر الشحنات القادمة من لبنان عبر دمشق من نقاط رئيسة مختلفة في محافظة السويداء، حيث تخزَّن في منشآت تابعة للمخابرات العسكرية، قبل تقسيمها وإعدادها للنقل عبر الحدود.

الخاتمة

كما توضّح دراسات الحالة السابقة، فإن شبكات المخدرات في جنوب سورية تضمّ مجموعةً من الجهات الفاعلة، من ضمنها الأجهزة الأمنية، وحزب الله، والشركات المحلية التابعة له، وقادة المعارضة السابقون الذين عقدوا المصالحات، وجماعات الميليشيات المشكلة لهذا الهدف، والميسرون البدو. على عكس الفهم السائد لشبكات المخدرات في الساحل السوري، فإن تجارة المخدرات في جنوب سورية مجزأة للغاية، حيث توجد بضعة تفسيرات معقولة لهذه “اللامركزية” في تجارة المخدرات.

  • السلطة في جنوب سورية مبعثرة، وتعكس الأسلوب التدريجي الذي تم من خلاله تقسيم المنطقة وتهدئتها وحكمها. في كثير من المناطق، تنازلت السلطات المركزية عن سلطة حقيقية للجهات الفاعلة المحلية، من ضمنها كثير من الجماعات المنتسبة سابقًا إلى جماعات المعارضة.
  • في كثير من الحالات، يمثل أصحاب المصلحة الرئيسون في مجال المخدرات بنى مجتمعية قوية، مثل القبائل أو الميليشيات. من خلال الاستفادة من هذه الشبكات، فإن دوائر الأمن قادرة على اختيار القدرات التقنية والقوى العاملة الحالية.
  • إن تنسيق تجارة المخدرات، من خلال روّاد أعمال مخدرات محليين لهم جذور في المنطقة، يمنح الدوائر الأمنية المرتبطة بالنظام الإنكار المعقول في مواجهة الضغط الدولي على انتشار المخدرات الإقليمي [15].
  • غالبًا ما تتمتع شبكات التهريب العابرة للحدود، ولا سيما تلك المتجذرة في القبائل العربية، بوصول واسع عبر الحدود، من ضمن ذلك الأسواق المربحة في شبه الجزيرة العربية.

*- الآراء الواردة في هذا التقرير لا تعبّر بالضرورة عن رأي المركز


[1] -Jorg Diehl, Mohannad al-Najjar, and Cristoph Reuter, “Syrian Drug Smuggling: ‘The Assad Regime Would Not Survive Loss of Captagon Revenues,’” Der Spiegel, 21 June 2022, available at: https://bit.ly/3eqWsXI.

[2] – تمثل الأرقام التي جمعها مركز البحوث والتحليل العملياتي (COAR) حصريًا عمليات الاعتراض الفردية التي حُدِدت سورية على أساسها على أنها بلد المصدر. لهذا السبب، تستبعد الأرقام المركبة أو الإجماليات التراكمية.

[3] – Caroline Rose and Alexander Söderholm, “The Captagon Threat: A Profile of Illicit Trade, Consumption, and Regional Realities,” New Lines Institute, 5 April 2022, available at: https://bit.ly/3SQ3AvX.

[4] – المصدر السابق.

[5] – بناءً على معلومات من وسائل الإعلام المحلية الإقليمية ومطّلعة على صناعة المخدرات، يُقدّر مركز البحوث والتحليل العملياتي (COAR) أن الكبتاغون له قيمة بيع محتملة تراوح بين (5 و 15) دولارًا أميركيًا لكل حبّة خارج سورية ، وحوالى (1) دولار أميركي داخل البلاد.

[6] – تعدّ مصادرة السلطات الماليزية (94,8) مليون حبة كبتاغون، في ميناء كلانغ، بناءً على معلومات سعودية، أكبر شحنة كبتاغون يتم اعتراضها على الإطلاق. مريم نهال، “معلومات سعودية تؤدي إلى ضبط (1,2) مليار دولار من مخدرات الكبتاغون في ماليزيا”، The National، 25 آذار/ مارس 2021، https://bit.ly/3Tcru4D

[7] – خلال عامي 2021 و2022، أفادت هيئة تحرير الشام أن الشحنات الرئيسة التي صادرتها كانت متجهة إلى تركيا والمملكة العربية السعودية.

[8] – عبد الحليم سليمان، “الإدارة الذاتية في سوريا تضبط أكثر من 2.5 مليون حبة كبتاغون”، الإندبندنت بالعربي، 23 آذار/ مارس 2022، https://bit.ly/3bc8oen

[9] – أخبار اليوم، “الداخلية السورية تصادر 2.3 طن من حبوب الكبتاغون”، 29 حزيران/ يونيو 2022، https://bit.ly/3OGXifk

[10] – Joseph Daher, Nizar Ahmad, and Salwan Taha, “Smuggling between Syria and Lebanon, and from Syria to Jordan: the evolution and delegation of a practice,” European University Institute Middle, Wartime and Post-Conflict in Syria Project, 2022, available at: https://bit.ly/3yt6lee.

[11] – Ben Hubbard and Hwaida Saad, “On Syria’s Ruins, a Drug Empire Flourishes,” The New York Times, 5 December 2021,

[12] – عاصم الزعبي، “نشاط إيراني متزايد في تهريب المخدرات من الجنوب السوري”، الحلّ، 20 أيار/ مايو 2022، https://bit.ly/3voFwX7

[13] – المرجع السابق، ومصادر محلية.

[14] – كانت (موك MOC) عبارة عن هيكل مصمّم لتوجيه الدعم الغربي والعربي للمعارضة السورية وتنسيق أنشطتها.

[15] – https://nyti.ms/3RP3sva

  • ترجمة أحمد عيشة – مركز حرمون للدراسات المعاصرة
  • المصدر الأصلي: مركز التحليل والبحوث العملياتية، COAR
المصدر مركز حرمون للدراسات المعاصرة
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل