علي الدالاتي – إدلب – حرية برس:
مع حلول الذكرى السابعة للعدوان الروسي والتدخل العسكري المباشر في سوريا، مازالت روسيا تعمل على تدمير كل ما ينبض بالحياة في سوريا، حيث شنت القوات الروسية منذ بداية عدوانها آلاف الهجمات الجوية متبعة سياسة الأرض المحروقة، واستجابت منظمة الدفاع المدني السوري “الخوذ البيضاء” لأكثر من 5700 هجوم، في إطار محاولاتها مساعدة الضحايا، وهذا ما جعل “الدفاع المدني السوري” على رأس قائمة الأهداف التي تستهدفها روسيا، سواء عن طريق القصف والغارات العدوانية، أو سياسياً عن طريق الهجوم المتواصل ونشر الأكاذيب عن منظمة الدفاع المدني ومسؤوليها، عبر مسؤولين روس، بعضهم في مناصب عليا كوزير الخارجية، إضافة لمبعوث روسيا لدى الأمم المتحدة، وأيضا عبر الهجمات الالكترونية ونشر الدعايات الكاذبة بواسطة جيش إلكتروني كبير هدفه تشويه سمعة الدفاع المدني السوري.
موقع “حرية برس” التقى في هذه المناسبة الأستاذ منير المصطفى، نائب مدير الدفاع المدني السوري، للاطلاع منه على آثار العدوان الروسي، وكان الحوار التالي:
ما الآثار التي خلفها التدخل الروسي على الوضع الإنساني في سوريا؟
لم يكن التدخل العسكري الروسي المباشر لدعم نظام الأسد في حربه على السوريين في 30 أيلول عام 2015 مجرد دعم عسكري لحليفه، كان عدوانا على السوريين بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وكان من الواضح أن هدف روسيا الأهم هو إجهاض أي مشروع للتغيير في سوريا ينتج بديلاً عن نظام الأسد، وبدأت تتجلى بوضوح أيضاً أهداف روسيا السياسية بتحويل القضية السورية إلى ورقة ابتزاز تحصّل فيها مكاسب في جميع الملفات العالقة في المنطقة والعالم، عبر عرقلة أي حل سياسي في سوريا للحفاظ على مكتسباتها التي استحوذت عليها كثمن لدعمها نظام الأسد.
وسخّرت روسيا في سبيل ذلك آلتها العسكرية للفتك بالسوريين، مستخدمة سياسة الأرض المحروقة، ومفاخرة بتحويل أجساد السوريين ومنازلهم ساحة حرب لتجريب أسلحتها والترويج لبيعها، ما خلف نتائج كارثية على الجانب الإنساني، بعدد الضحايا والمجازر وعمليات التهجير، وبالجانب المادي بتدمير البنية التحتية ومسح مدن وبلدات بأكملها عن الوجود.
كما بدأت روسيا بتركيز هجماتها على الأسواق والمدارس والمستشفيات ومتطوعي الدفاع المدني السوري وكل ما يمكن أن يقدم الحياة، وبدأت بتطبيق سياسة الحصار للمجتمعات بهدف تجويعها وفرض الاستسلام عليها.
ومع بدء التدخل الروسي لصالح نظام الأسد في سوريا ازدادت حملات التهجير وإفراغ المدن، وكانت أولى نتائج ذلك التدخل تدمير الأحياء الشرقية في مدينة حلب في العام 2016 وتهجير سكانها، لينتقل بعدها التهجير إلى ريف دمشق الغربي وأحياء دمشق الشرقية في العام 2017، وكان العام 2018 هو عام التهجير بامتياز، حيث شملت عمليات التهجير الغوطة الشرقية والقلمون في ريف دمشق وأحياء دمشق الجنوبية، وريف حمص الشمالي، إضافة للجنوب السوري الذي يضم القنيطرة ودرعا، وفي العام 2019 شهدنا أكبر موجة نزوح من أرياف حلب وحماة وإدلب.
وما تزال عودة النازحين في الشمال السوري، إلى مناطقهم في ريفي إدلب وحلب التي هجرهم منها النظام وحليفه الروسي خلال الحملة العسكرية الأخيرة، محدودة رغم وقف إطلاق النار الذي تم التوقيع عليه، ويخرق النظام وروسيا بشكل يومي وقف إطلاق النار ويستهدفون بقصف جوي وأرضي منازل المدنيين.
ما هو تأثير التدخل الروسي على استجابتكم كدفاع مدني سوري؟
تأثرت بشكل كبير استجابة الدفاع المدني السوري على مستويين:
الأول: يرتبط بزيادة عدد الهجمات الجوية وشدة تدميرها ومنهجيتها باستهداف الأسواق والمستشفيات والمدارس، واتساع رقعتها وكثافتها في نفس الوقت، وهذا الأمر سبب استنزافا كبير لفرق المتطوعين، كما أن أغلب الهجمات الجوية التي تشنها روسيا كانت تغطي مناطق جغرافية واسعة من الأرض السورية.
الثاني: يتعلق باستهداف فرق ومراكز الدفاع المدني السوري، بشكل ممنهج، فقد استهدفت القوات الروسية بشكل مباشر فرق الدفاع المدني السوري أثناء عملهم على إنقاذ المدنيين، وقتلت 36 متطوعاً وجرحت 163 متطوعاً آخر منذ بدء تدخلها المباشر عام 2015، وقتل المتطوع “عبد اللطيف الضحيك” في اليوم الأول للتدخل الروسي المعلن بتاريخ 30-9-2015 في مدينة تلبيسة بريف حمص الشمالي، بعد استهداف الأحياء السكنية للمرة الأولى بالطيران الحربي الروسي، كما تعرض أكثر من 60 مركزاً للهجوم، ما تسبب بدمارها بشكل جزئي أو كامل، وظهر ما يعرف بالضربات المزدوجة عبر استهداف مرفق أو سوق بغارة جوية وعندما يهرع المتطوعون للاستجابة يتم استهدافهم بغارة ثانية.
وبالتأكيد كان لهذه الهجمات المباشرة والممنهجة أثر على استجابة وعمل الفرق وصعبت من المهام والقدرة على الاستجابة، وأدت لزيادة عدد الضحايا في صفوف متطوعي الفرق المستجيبة.
كم عدد الضحايا الذين تم انقاذهم من قبل الدفاع المدني نتيجة القصف الروسي؟
أدت الهجمات على مدى السنوات السبع الماضية لمقتل أعداد كبيرة من المدنيين، ووثقت فرقنا خلال الفترة الممتدة من 30 أيلول 2015 حتى 14 أيلول 2022 مقتل أكثر من 4050 مدنياً بينهم أطفال ونساء، وتعبّر هذه الأرقام عن المدنيين الذين استجابت لهم فرقنا وقامت بانتشال جثثهم، لأن عدداً كبيراً يتوفى بعد إسعافه، أو بعد أيام من إصابته أو لم تتمكن فرقنا من انتشالهم، وهذه الأعداد لا توثقها فرقنا، وتمكنت فرقنا من إنقاذ 8350 مدنياً أصيبوا جراء الغارات والقصف الروسي.
ما هي أصعب أنواع الأسلحة الروسية التي قمتم بالتعامل معها؟
أي سلاح يستهدف المدنيين يصعب التعامل معه، وهو قاتل للمدنيين، اتبعت روسيا سياسة الأرض المحروقة في حربها على السوريين طوال السنوات الماضية، مستخدمة ترسانة هائلة من الأسلحة المدفعية والصاروخية والغارات الجوية، مع هجمات أخرى بالأسلحة المحرمة دولياً، مثل الذخائر العنقودية والفسفورية، والصواريخ الموجهة والصواريخ بعيدة المدى، وكان للتدخل الروسي المباشر في سوريا لدعم نظام الأسد في أيلول عام 2015 آثار مباشرة انعكست بحجم الهجمات الجوية التي ارتفعت بشكل كبير، وزيادة القدرة النارية لنظام الأسد والتي تضاعفت وتغيرت معها خريطة السيطرة العسكرية وما تبعها من تهجير ممنهج للسوريين.
وتفاخرت روسيا بأنها جعلت من أجساد السوريين ومنازلهم حقل تجارب واقعي لتدريب قواتها واستعراض قدراتها وتطوير أسلحتها، مؤكدة أنها جرّبت أكثر 320 نوعاً من السلاح، وفي كل مرة تقوم بتطوير أو تعديل سلاح أو ذخائر تقوم بنشر مقاطع مرئية بهدف الترويج لهذه الأسلحة وحصلت على حصة كبيرة من سوق الأسلحة العالمية، وهو أحد أهدافها من حربها على السوريين.
وفي شهر آذار من العام 2021 بدأت الهجمات المدفعية والصاروخية تأخذ نمطاً جديداً، على مدار السنوات العشر الماضية كان اعتماد قوات النظام وروسيا على سياسة الأرض المحروقة وكثافة النيران، لكن نمط الهجمات اختلف تماماً من حيث الدقة الكبيرة في إصابة الهدف وشدة التدمير الذي يخلفه انفجار القذيفة، وكانت الحادثة الأولى التي وثقتها فرقنا هي استهداف مستشفى مدينة الأتارب غربي حلب في 21 آذار عندما استهدف قصف أرضي لقوات النظام وروسيا المستشفى، ما أدى لمجزرة راح ضحيتها 9 قتلى مدنيين بينهم طفلان وامرأة، وجرح أكثر من 14 آخرون، بينهم 5 من كوادر المستشفى، وكانت هذه القذائف هي قذائف كراسنوبول الموجهة بالليزر وهي قذائف ذات دقة عالية وقوة تدميرية كبيرة وأدت لمنهجية وتعمد واضح باستهداف المدنيين والعمال الإنسانيين.
تصنف روسيا “الدفاع المدني السوري” منظمة إرهابية وتستهدف فرقها بشكل دائم ماذا تقول بهذا الشأن؟
التضليل الإعلامي الروسي بشكل خاص موجّه لمهاجمة “الخوذ البيضاء” على كافة المستويات، سواء كمؤسسة أو كأفراد، ومحاولة تشويه صورتها واتهامها بتنفيذ هجمات كيماوية أو فبركة هجمات كيماوية، أو فبركة عمليات الإنقاذ، طبعا كل ذلك في إطار محاولة تضليل الرأي العام والإساءة للقضية السورية ككل، لكون استهداف الخوذ البيضاء جزء من حملة ممنهجة ضد مشروع التغيير في سوريا وأي جهة تعتبر جزء من هذا المشروع، هذا التضليل قد استهدف جزء من مجتمعنا السوري وأيضاً كأن له أثر على المجتمعات المهتمة بالوضع السوري خارج سوريا حيث أن الماكينة الروسية (البروبغندا) تحاول مراراً أن تقدم الدفاع المدني السوري كجهة إرهابية بشكل يسيء لرسالتنا الإنسانية ولمهامنا التي نقوم بها، كمتطوعين في الخوذ البيضاء دائماً نسعى إلى تقديم واجبنا لكل أفراد مجتمعنا، لكن اليوم هناك قسم كبير خارج مناطق عملنا قد يتأثر سلباً بهذا النوع من الحملات على مستوى الداخل السوري، وأيضاً خارج سوريا هناك حملات تضليل تؤثر في الرأي العام على نحو قد يشكل رؤية أو قناعة مضللة على صناع القرار،
المعلومات المضللة والحرب الإعلامية بجميع جزئياتها هي مضرة، ربما الاتهام الأسوأ هو محاولة وسمنا بالإرهابيين، هذه التوصيف يعني الموت، فهو تبرير للهجمات واستهداف المتطوعين، باعتبار العمال الإنسانيين محيدين بموجب القانون الدولي الإنساني، واستهدافهم هو جريمة حرب، بينما عندما يكون هناك محاولات لنزع هذه الصفة عنا يعني ذلك أننا باختصار نتحول لهدف مشروع لهم، وهذا ما حاولت روسيا طوال سنوات صناعته.
كإدارة دفاع مدني ولكم تواصل مع المنظمات الدولية كيف ترى نظرتهم بعد هذه السنوات للتدخل الروسي في سوريا ؟ وماذا تقول لهم وللمجتمع الدولي بذكرى التدخل الروسي؟
سبع سنوات مرت على بدء المحرقة الروسية بحق المدنيين في سوريا بهدف دعم نظام الأسد، دون بوادر بوقفها والبدء بالحل السياسي وفق قرار مجلس الأمن 2254 والذي على ما يبدو سيبقى حبراً على الورق، فيما تعطل روسيا مجلس الأمن عبر الاستخدام المتكرر للفيتو، وستستمر بذلك على المدى المنظور فيما يبدو.
إنّ ما قامت به روسيا على مدى سنوات من قتل المدنيين وتدمير البنية التحتية وقصف المستشفيات والمدارس والأسواق هي جرائم حرب ويجب ألا تبقى دون حساب، وإنّ استمرار الصمت الدولي والأممي سيطلق يدها أكثر في مواصلة استهداف المدنيين وتهديد حياة أكثر من 4 ملايين مدني في شمال غربي سوريا.
المجتمع الدولي مطالب بالوقوف أمام مسؤولياته وحماية المدنيين في سوريا، والسعي الجاد لمحاسبة مرتكبي الجرائم، عبر آليات جديدة تمنع روسيا من عرقلتها، الإنسانية جمعاء أمام اختبار حقيقي، ولكن يبدو أنها سقطت في سوريا بصمت أمام المصالح التي ثبت أنها المتحكم الحقيقي والأقوى.
إن الإفلات من العقاب على جرائم الحرب التي ارتكبتها القوات الروسية واستخدام سوريا كحقل تجارب لتطوير الأسلحة الروسية، لن تقتصر آثارها على السوريين، إذ يظهر هذا السلوك تجاهلاً صارخاً للحياة البشرية والالتزامات بالقانون الدولي الإنساني، ورأينا كيف امتد الإرهاب الروسي العابر للحدود لدول وشعوب أخرى.
عذراً التعليقات مغلقة