حذر باولو سيرجيو بينييرو رئيس لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا، من أن السوريين «يواجهون اليوم صعوبات متزايدة لا تطاق، ويعيشون بين أنقاض هذا الصراع الطويل»، موضحاً أن «الملايين يعانون ويموتون في مخيمات النازحين، بينما تزداد ندرة الموارد ويزداد إجهاد المانحين».
وأضاف بينيرو في تقرير عن حالة حقوق الإنسان في سوريا، ويغطي الفترة من الأول من يناير (كانون الثاني) إلى 30 يونيو (حزيران) أنه: «لا تستطيع سوريا تحمل العودة إلى القتال على نطاق أوسع لكنّ هذا هو ما قد تكون في طريقها إليه».
وخفّت حدة القتال في السنوات الأخيرة بعدما ساعدت إيران وروسيا قوات نظام بشار الأسد على استعادة 70 في المائة من الأراضي، رغم استمرار دعم الولايات المتحدة للمقاتلين لمليشيا قوالت سورية الديكقراطية التي يهيمن عليها المقاتلون الأكراد، في حين أقامت تركيا منطقة عازلة قرب حدودها. لكنّ الأمم المتحدة أكدت أن الوضع على خطوط المواجهة بين مناطق متعددة بدأ في الاشتعال مجدداً.
وقال بينييرو: «كان لدينا اعتقاد في وقت ما أن الحرب انتهت تماماً في سوريا» لكن الانتهاكات الموثقة في التقرير تثبت عكس ذلك.
ويشير التقرير الذي سيُنشَر كاملاً الأسبوع المقبل، إلى التهديد بعملية برية تركية أخرى، في ظل استمرار القتال بين فصائل المعارضة المدعومة من تركيا وتلك التي يقودها الأكراد في الشمال، بالإضافة إلى الهجمات التي وقعت في شمال حلب وأدت إلى مقتل وإصابة ما لا يقل عن 92 مدنياً ودمرت منازل ومدارس ومساجد ومنشآت طبية ومباني إدارية، فضلاً عن الكثير من الحوادث التي وقعت أخيراً، بما في ذلك قصف أغسطس (آب) لسوق مزدحمة في مدينة الباب مما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 16 مدنياً، بينهم خمسة أطفال، وإصابة 36 آخرين على الأقل.
وحذرت المفوضة لين ولشمان، من «أننا نرى أيضاً عمليات مستمرة من إسرائيل، وكذلك القوات الأميركية والتركية والقوات المدعومة من إيران، في هذا النزاع الذي طال أمده»، علماً بأن روسيا لا تزال تدعم الحكومة السورية، لا سيما فيما يتعلق بالغارات الجوية التي أدت الأسبوع الماضي إلى سقوط المزيد من القتلى والجرحى في محافظة إدلب.
كما وثّقت اللجنة أكثر من 12 غارة إسرائيلية في أنحاء سوريا في الأشهر الستة الأولى من عام 2022، منها هجوم على مطار دمشق الدولي أدى إلى توقفه عن العمل لمدة أسبوعين تقريباً. وذكرت الأمم المتحدة (الأربعاء) أنها لم تتمكن من إرسال مساعدات إنسانية إلى سوريا جواً خلال تلك الفترة.
ويلفت التقرير إلى أنه في الشمال الشرقي، يزداد الوضع الأمني سوءاً في مخيم «الهول»، حيث تم الإبلاغ عن 34 جريمة قتل بين 1 يناير و31 أغسطس، بالإضافة إلى الاشتباكات الدامية بين قوات الأمن الداخلي الكردية وسكان المخيم.
وأشاد بينييرو بإعادة مئات الأطفال العراقيين هذا العام من معسكرات الاعتقال في شمال شرقي سوريا إلى العراق، مضيفاً أن «اللجنة تثني على الدول التي أعادت رعاياها من النساء والأطفال الأجانب المحتجزين في المخيم منذ بداية العام وتحض على مواصلة الجهود لضمان إطلاق سراح جميع الأشخاص المحتجزين بشكل تعسفي في هذه المعسكرات».
ومما يثير القلق أن «تحقيقات اللجنة الأخيرة تؤكد استمرار أنماط الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب المتعلقة بالتعذيب وسوء المعاملة التي تُرتكب في معتقلات نظام الأسد حتى يومنا هذا، والتي أدت أيضاً إلى وفاة المعتقلين. كما تم توثيق جرائم الحرب والوفيات في أثناء الاحتجاز في مرافق الاحتجاز التي تسيطر عليها الفصائل المسلحة».
وعلى صعيد آخر، أقرت نائبة المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا نجاة رشدي، بأن العملية السياسية المرجوة وفقاً لقرار مجلس الأمن 2254 «لن تتقدم بشكل حقيقي أو مستدام ما لم يتراجع العنف وصولاً إلى إنهائه بشكل كامل» في كل أنحاء سوريا، فيما حذر تقرير جديد للجنة التحقيق الدولية المستقلة من احتمال تفجر الأوضاع على نطاق واسع والعودة إلى المستويات السابقة من الحرب في البلاد، التي شهدت اشتعال جبهات كثيرة خلال الأشهر الأخيرة.
وفي إحاطة هي الأولى لها أمام أعضاء مجلس الأمن بصفتها الجديدة، قالت نائبة المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا نجاة رشدي، إن المبعوث الدولي غير بيدرسن لا يزال يركز على «التحديات الجوهرية» التي تواجه اللجنة الدستورية حتى يتسنى لها الاجتماع «في أقرب وقت ممكن في جنيف»، علماً بأنه «يواصل مشاوراته للمضيّ في عملية أوسع لبناء الثقة خطوة مقابل خطوة».
وأوضحت نجاة رشدي أن العمل ينصبّ على وضع مجموعة من القضايا «في صدارة أي عملية سياسية»، وهي «سلامة المدنيين وأمنهم ووقف نار شامل»، بالإضافة إلى «المعاناة الإنسانية للشعب السوري وتفاقمها من جراء الانهيار الاقتصادي للبلاد»، فضلاً عن «عشرات الآلاف من المعتقلين والمختطفين والمخفيين قسراً والمفقودين»، علاوة على «الأوجه المختلفة لتأثير النزاع على النساء والفتيات وجهودنا الهادفة إلى تأمين مشاركة المرأة السورية، بالتشارك وعلى قدم المساواة مع الرجل في حله».
ولفتت رشدي إلى أن «المدنيين السوريين لا يزالون يتعرضون للقتل والتشويه والاعتقال والتشريد، ولا يزالون غير قادرين على العودة إلى ديارهم بأمان». وإذ أشارت إلى استمرار العمليات العسكرية، ومنها الضربات الجوية الإسرائيلية التي أدت إلى تعطيل مطار حلب، أقرت بأن «العملية السياسية لن تتقدم بشكل حقيقي أو مستدام ما لم يتراجع العنف وصولاً إلى إنهائه بشكل كامل»، مضيفةً أن «وقف النار على المستوى الوطني يظل هدفاً أساسياً لهذه العملية». ودعت إلى «استخدام كل الوسائل المتاحة لضمان تنفيذ كل جوانب القرار 2642 بكل الطرق، سواء عبر الحدود أو عبر الجبهات، مع زيادة الدعم للمساعدات المنقذة للحياة والتعافي المبكر».
Sorry Comments are closed