يتندّر السوريون على قطاع الطيران المدني في بلادهم الذي يشغل مؤسسات ويوظّف آلاف العمال، في حين اقتصر أسطوله على طائرة واحدة لمدة أعوام، قبل أن يتوسّع عبر ترميم وإعادة تأهيل 4 طائرات قديمة، ويرفد الأسطول بطائرات من شركة “أجنحة الشام” الخاصة معظمها مستأجرة.
هذا الواقع حوّل قطاع الطيران المدني إلى “خاسر دائماً” قبل أن تُستهدف الموانئ الجوية بالطيران الإسرائيلي، ما عطّل مطار دمشق الدولي في يونيو/حزيران الماضي، جراء القصف وإعلان وزارة النقل تعليق جميع الرحلات عبر المطار الأكبر والأقدم، قبل أن يُعاد ترميم المدارج، وبرج المراقبة، وعودة العمل لمطار العاصمة السورية.
ويكشف مدير عام الطيران المدني باسم منصور أن واردات الطيران المدني لم تتجاوز خلال النصف الأول من العام الجاري 16 مليار ليرة سورية، في حين أن واردات الحكومة من كامل القطاع، تزيد عن 100 مليون دولار سنوياً. (الدولار= 4190 ليرة).
ويضيف مدير عام الطيران المدني لصحيفة الوطن السورية أن الخسائر في قطاع الطيران بلغت نحو 70% من إجمالي عائدات عام 2010، مبيناً أن عائدات الهبوط والإقلاع والعبور فوق الأجواء، كانت بنحو 50 مليون دولار سنوياً، قبل عام 2011، لتتجاوز الخسائر الإجمالية خلال سنوات الحرب، 480 مليون دولار، فضلاً عن الخسائر جراء القصف الإسرائيلي التي قدرها منصور خلال حديثه أمس، بنحو 300 مليون دولار “منشآت، أجهزة ملاحية ورادارات”.
ويقول العامل السابق بمطار دمشق الدولي، حسين محمد لـ”العربي الجديد” إن قطاع الطيران المدني بسورية “متهالك” منذ فرضت الولايات المتحدة الأميركية عام 2004، عقوبات على القطاع، بتهمة دعم الإرهاب ونقل جهاديين للعراق، الأمر الذي “شلّ القطاع” بسبب منع استيراد الطائرات وقطع الغيار، أو حتى تعمير وصيانة الطائرات، إن كانت الشركة المعمّرة أميركية أو للولايات المتحدة حصة فيها.
ويروي محمد، المقيم بمدينة غازي عنتاب التركية لـ”العربي الجديد”، كيف كانت مؤسسة السورية للطيران، تعاني من فضيحة عام 2000، وقت جرى الكشف عن صفقة فساد شراء طائرات إيرباص المجددة وليس الجديدة، الأمر الذي أودى بوزير النقل وقتذاك، مفيد عبد الكريم، إلى جانب نائب رئيس الوزراء، سليم ياسين، إلى السجن بسبب تقاضي رُشا والحكم عليهما عام 2001 بالسجن 10 سنوات.
وكشف أن سورية كانت تستأجر طائرات لتسيير الرحلات الضرورية، خاصة بفترات الحج، لأن الأسطول السوري لا يزيد عن خمس طائرات ثم تراجع إلى طائرتين ووصل إلى طائرة واحدة عام 2016، قبل أن يتم تعمير وإصلاح بعض الطائرات، بمساعدات روسية، ويعود الأسطول اليوم إلى 4 طائرات، 3 منها قديمة “لا تزل المفاوضات جارية لشراء طائرات ركاب روسية من طراز MC- 21 الحديثة، وهي طائرات جيدة تتسع بين 150 و211 راكباً، وسرعتها بنحو 870 كيلومتراً في الساعة”.
وحول شركة “أجنحة الشام”، يشير المتخصص السوري إلى أنها شركة خاصة بدأت عام 2007 لابن خال رئيس النظام، رامي مخلوف، بهدف سد ثغرة قلة الطائرات وتسيير رحلات من سورية وإليها، فيما كانت شركة شموط غطاء لرامي مخلوف ولها نسبة قليلة.
لكن بعد الخلاف بين رامي مخلوف ورئيس النظام بشار الأسد، العام الماضي، تم الحجز على أموال شركة “أجنحة الشام” بتهمة عدم سدادها مستحقاتها لمؤسسة الطيران الحكومية والبالغة 14.5 مليون دولار، الأمر الذي أبعد مخلوف وجعل مجموعة شموط تتفرّد بالشركة.
ويستدرك حسين أن سورية حاولت إدخال الشركات الخاصة لقطاع الطيران، فتم الترخيص لتسع شركات، بين عامي 2007 و2020، آخرها “سماء الشام” لكنها جميعها لم تعمل وتستكمل إجراءات الترخيص، لتفرد رامي مخلوف “بالتشارك مع بشار الأسد” بالقطاع، إلا أن شركة “فلاي داماس” المملوكة لعمار القادري، قامت ببعض الأعمال الملاحية، قبل أن يتم إبعادها وفسح المجال بشكل أقرب للحصرية، لشركة أجنحة الشام التي عاقبها الاتحاد الأوروبي في يناير/كانون الأول عام 2021 بسبب أعلن وقتذاك وهو “نقل مهاجرين إلى بيلاروسيا” قبل أن يرفع العقوبات “بخطوة محيّرة” في 18 تموز/يوليو الماضي “ولا أعتقد أن رفع العقوبات سيمكّن أجنحة الشام من تسيير رحلات إلى أوروبا”.
وكانت شركة “أجنحة الشام” قد أقامت بدمشق، أمس الإثنين، حفلاً كرمت خلاله موظفي مكاتب السياحة والسفر من المحافظات السورية، بعد ما قالت الشركة إنه نجاح، بعد وصولها إلى 13 محطة “موسكو، الشارقة، أبوظبي، الكويت، يرفان، طهران…”.
ويقول رئيس مجلس إدارة أجنحة الشام، أنور شموط خلال حفل التكريم أمس “التكريم بمثابة رسالة ثقة بالبلد والاستثمار وتجسيد لدور المال الوطني في كل ظروف البلد”.
ويعتبر مراقبون أن قطاع الطيران في سورية، لم يزل مشلولاً، لأنه يقتصر على شركتي، السورية للطيران الحكومية وأجنحة الشام الخاصة، اللتين تعملان عبر مطارات “دمشق وحلب والقامشلي” إلى جانب بعض الشركات العالمية “فلاي بغداد العراقية – الباكستانية” وشركات طيران من دول خليجية، لم يتوقف بعضها حتى خلال الحرب، بحسب مراقبين.
كما يمر عبر الأجواء السورية، طائرات من شركات “ميدل إيست اللبنانية، العراقية، الإيرانية، الليبية، الأردنية”، كما قال مدير عام الطيران المدني، أمس، مشيراً إلى أن بلاده تعاني بعد العقوبات والحرب المستمرة منذ عام 2011، وتقتصر الدول التي تسمح لشركاتها بالطيران المباشر إلى سورية على العراق ومصر ولبنان وروسيا وإيران والإمارات وسلطنة عُمان.
Sorry Comments are closed