بعد عقود من التنسيق والتعاون وإخفاء التناقضات، يعيش “البيت الشيعي” العراقي أزمة خروج الصراعات بين التيارات الشيعية العراقية إلى السطح، وما ينطوي عليه واقع هذه الصراعات من احتمالات انفجار الصراع على نحو عنفي.
أنصار تيار الصدر عبروا عن غضبهم باقتحام البرلمان مرتين خلال أيام، وهو غضب كبير على حلفاء الأمس من التيارات الشيعية الأخرى التي دفعت التيار الصدري الفائز بأغلبية البرلمان في الانتخابات الأخيرة، إلى الاستقالة في شهر حزيران الماضي، بعد أن أعاقهم قادة “الإطار التنسيقي” الشيعي من تشكيل مستحق للحكومة، فقد حقق تيار الصدر فوزا كبيرا بحصوله على 73 مقعدا في البرلمان العراقي الجديد المكون من 329 نائبا، وهو فوز أعقبته خسارة تشكيل الحكومة، استتبع غضب أنصار التيار، من موقف التيارات الشيعية الموالية لإيران، وفي مقدمتها تحالف الفتح الذي يقوده هادي العامري رجل إيران في العراق.
تجدد احتجاجات أتباع مقتدى الصدر، اليوم السبت، جاء رفضاً لترشيح “الإطار التنسيقي” الشيعي، النائب محمد شياع السوداني، لمنصب رئيس الوزراء، وتزامنت مع انعقاد اللجنة التفاوضية الجديدة “للإطار” داخل “المنطقة الخضراء” ومحيطها، لبحث تشكيل الحكومة، استبقته القوى الأمنية بالانتشار المكثف في العاصمة بغداد، وقطع الطرقات وبعض الجسور.
وفي المقابل، يتسلح الإطار التنسيقي بذريعة الاستعداد لحماية البرلمان والمؤسسات الدستورية، ويذهب قادته للمغامرة بدعوة جماهيره للخروج إلى الشارع في مظاهرات استعراض قوة، رافضة لاحتجاجات التيار الصدري، حيث طالب بيان للإطار اليوم السبت جماهير “الشعب العراقي المؤمنة بالقانون والدستور والشرعية الدستورية إلى التظاهر السلمي دفاعا عن الدولة وشرعيتها ومؤسساتها وفي مقدمتها السلطة القضائية والتشريعية”، ووصف بيان الإطار احتجاجات الصدريين واقتحامهم البرلمان بأنه تجاوز خطير وخروج عن القانون والأعراف والشريعة.
ويشهد العراق شللا سياسيا منذ الانتخابات التشريعية المبكرة التي جرت في تشرين الأول/أكتوبر 2021، حيث عجزت الطبقة السياسية الشيعية عن الاتفاق على موقف موحد حول انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة، جراء رفض الإطار التنسيقي الشيعي تمكين التيار الصدري الشيعي أيضاً من تشكيل الحكومة، ويجمع الإطار التنسيقي عدداً من القوى الشيعية، أبرزها ائتلاف دولة القانون الذي يقوده رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وتحالف الفتح الذي يقوده هادي العامري كواجهة سياسية لمليشيات الحشد الشعبي الشيعي، ويجمعهما التعرض لهزيمة ثقيلة في الانتخابات النيابية، حاولا بعدها فرض تغيير النتائج عبر الطعن في النتائج قضائيا، والتلويح بخروج أنصارهما إلى الشارع.
ويعبر استمرار الصراع بين الأطراف العراقية الشيعية لنحو 9 أشهر عن تراجع واضح في قدرة المؤسسة الدينية الشيعية في العراق على احتواء خلافات القوى السياسية، وعدم قدرتها على فرض توافقات تمنع خروج انقساماتها وصراعاتها وتناقضاتها إلى العلن، كما تعبر عن محاولات رفض بعض القوى الشيعية هيمنة طهران على الحياة السياسية في العراق، مدفوعة بمزاج شعبي غاضب من التدخل الإيراني في العراق، تجلى في شعارات وبيانات العراقيين خلال حراك تشرين الاحتجاجي في العام 2019.
أمام هذا التوتر المتصاعد، وجدت إيران نفسها مضطرة للحضور بشكل مباشر في المشهد السياسي العراقي، حيث وصل قائد مليشيا فيلق القدس الإيراني إسماعيل قاآني، الأربعاء الماضي، إلى بغداد في زيارة غير معلنة، للقاء قادة أطراف “البيت الشيعي” من الأحزاب والتيارات، وخاصة قادة “الإطار التنسيقي” الذي يتمتع بدعم طهران، بهدف احتواء النزاع والانقسام بين الأطراف الشيعية العراقية، وإيجاد حل لتشكيل الحكومة العراقية المقبلة، بما يضمن استمرار نفوذها، ومن غير المستبعد أن تضطر طهران لفرض توافق “حل وسط” بين التيار الصدري الذي لا تعتبره حليفاً مقرباً منها، وخصومه في الإطار التنسيقي، حيث تخشى طهران من انزلاق القوى الشيعية في صراعها على السلطة إلى الاحتراب واستخدام سلاح الشارع، خاصة مع امتلاك القوى السياسية الشيعية العراقية فصائل مسلحة، أثبتت على الدوام استعدادها لاستخدام سلاحها بمواجهة خصومها.
ومن غير المتوقع أن تسفر جهود قائد الحرس الثوري عن نتائج في الوقت القريب، خاصة مع تصاعد الغضب الشعبي في العراق من تسريبات مسجلة لرئيس الحكومة العراقية الأسبق وزعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، هاجم فيها على نحو غير مسبوق زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، والعديد من الأطراف والقوى السياسية المختلفة في العراق، ما يزيد حرج القيادة الإيرانية التي دعمت على الدوام نوري المالكي وحلفائه لإحكام سيطرتها على العراق من خلال هذه الأطراف والشخصيات، بخلاف إرادة العراقيين التي عبروا عنها في الانتخابات الأخيرة بإسقاط المالكي وحلفائه ومنح أصواتهم لخصمه مقتدى الصدر وحلفائه، ما يفتح المجال للتكهنات حول مصير تحالف القوى الشيعية التي حكمت العراق منذ سقوط نظام صدام حسين في العام 2003، وما إذا كانت الخلافات السياسية ستتطور إلى صدام عنيف يقرب البلاد المنهكة اقتصادياً وأمنياً من شفير هاوية الحرب الأهلية.
Sorry Comments are closed