وجه قادة دول مجموعة السبع الصناعية “الديمقراطية” في ختام قمتهم التي احتضنها قصر إلماو التاريخي في ولاية بافاريا (الثلاثاء 28 يونيو/ حزيران 2022)، خطاب تكاتف ووحدة بشأن مواجهة الغزو الروسي لأوكرانيا. فقد أعلنت البلدان الأعضاء وهي (الولايات المتحدة، ألمانيا، بريطانيا، فرنسا، كندا، اليابان، إيطاليا) عزمها على مواصلة دعم أوكرانيا في مجهودها الحربي، طالما كان ذلك ضروريا.
كما قرر القادة تشديد الإجراءات العقابية ضد موسكو، وبهذا الشأن قال المستشار الألماني “نقف بشكل قوي لا يتزعزع إلى جانب أوكرانيا (..) ندعم أوكرانيا في دفاعها، ونقدم لها رؤية للمستقبل”. وأضاف أن القمة أظهرت بطريقة مثيرة للإعجاب الوحدة والعزم على التصدي للعدوان الروسي. وفي سياق متصل، أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن روسيا “لا يمكنها ويجب ألا تنتصر” في عدوانها على أوكرانيا. وتعهدت مجموعة الدول السبع بتقديم مساعدات قدرها 29,5 مليار دولار لتغطية تكاليف الخدمات الأساسية التي يحتاجها الأوكرانيون. كما تم الاتفاق على تنظيم مؤتمر مانحين لإعادة إعمار أوكرانيا في أفق ما بعد الحرب.
وبهذا الصدد كتب موقع إذاعة بافاريا “بايريشه روندفونك” (28 يونيو/ حزيران) بأن ما يقرب من خمسين عاما مرت على تأسيس “مجموعة السبع” في رامبوييه الفرنسية، على خلفية أزمة الطاقة في أوائل السبعينيات من القرن الماضي. ورغم كل الاختلافات، هناك تشابه مذهل بين تلك المرحلة واليوم. ومن الاختلافات هو أن “المجموعة اليوم ليست مجرد ناد للأثرياء لأن إيطاليا وكندا قد تجاوزتها الصين والهند من حيث القوة الاقتصادية. من حيث المضمون، لم تعد المجموعة تركز على ذاتها فقط، ففي خضم التحولات التي يشهدها النظام العالمي، أثبتت أنها تجمُع يقوم على تضامن من القيم التي تجمعه. كما أنه مستعد للدفاع عن الديمقراطية وما يصاحبها من إنجازات. وهذا ما ليس بالهين” يقول الموقع، خصوصا وأنه قبل أربع سنوات فقط، عمل الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على إضعاف حلف الناتو وعلاقات واشنطن بحلفائها التقليديين.
دعم أوكرانيا بـ”تكلفة غير مسبوقة” لبوتين
في تفاعل مع مطالب أوكرانيا بتزويدها بأسلحة ثقيلة ومتطورة لمواجهة الغزو الروسي، أعلنت واشنطن استجابة فورية بهذا الصدد بوضع نظام للدفاع الجوي رهن إشارة كييف، لحماية المدن الأوكرانية. اقتصاديا، قررت دول من المجموعة حظر واردات الذهب الروسية، ما سيفرض “تكلفة غير مسبوقة” على فلاديمير بوتين على حد تعبير الرئيس جو بايدن. غير أن الأمريكيين لم ينجحوا في إقناع شركائهم بوضع سقف لسعر النفط الروسي. وبهذا الشأن أقر المستشار أولاف شولتس بأن هذا الهدف يبدو “طموحا للغاية” يتطلب تحقيقه “الكثير من العمل”. وفي بيانها الختامي دعت دول المجموعة إلى ضرورة إنهاء حصار الموانئ الأوكرانية فورا وبدون شروط، خصوصا ضرورة كف الجيش الروسي عن تدمير مخازن القمح والبنية التحتية الزراعية في أوكرانيا.
غير أن منظمات تنموية وهيئات من المجتمع المدني ترى أن ما تعهدت به مجموعة السبع غير كاف لمواجهة تداعيات العدوان الروسي. وبهذا الشأن كتب موقع “إير.إن.دي” (شبكة الإعلام الألماني) (28 يونيو/ حزيران) “سبق لقمة مجموعة العشرين في أبريل / نيسان عام 2014 قد كسرت أسنانها مع الرئيس بوتين بعد ضم شبه جزيرة القرم (..) إن الغرب لم ولن يصبح صديقًا لبوتين. لقد أوضحت مجموعة السبع ذلك بإعلانها تشديد العقوبات ضد موسكو. وهذا ما يحتاجه الرئيس الأوكراني زيلينسكي إضافة بالطبع إلى الحصول على مزيد من الأسلحة. قد تكون قمة مجموعة السبع باهظة الثمن وغير مهتمة بمشاكل المناخ، إلا أنها ليست بالتأكيد ناديا للهراء”.
الغاز المسال كبديل لأنابيب الغاز الروسي؟
زادت دول الاتحاد الأوروبي من استثماراتها في مشروعات الغاز المسال لتقليص اعتمادها على إمدادات الطاقة الروسية. توجه أكدت عليه مجموعة الدول السبع بإعلان دعمها للاستثمارات العمومية في ذلك، كأداة من أدوات تجاوز أزمة الطاقة حاليا، ما ساهم في ارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات غير مسبوقة دفع بعض الدول إلى العودة لاستخدام الفحم في توليد الكهرباء. وأكد بيان القمة بهذا الصدد “أهمية الدور المتزايد الذي يمكن أن تلعبه شحنات الغاز الطبيعي المسال” والاعتراف بأن “الاستثمار في هذا القطاع ضروري للتعامل مع الأزمة الحالية” حسب البيان. وتعتبر زيادة تمويل مشروعات الغاز الطبيعي المسال في أوروبا تحولا سياسيا ملفتا، حيث كانت هذه المشروعات تواجه معارضة قوية لأسباب بيئية لها علاقة بالتغيرات المناخية واستعجال الانتقال إلى الطاقات المتجددة. والآن باتت الحكومات الأوروبية تدعم مشروعات الغاز في ظل ارتفاع أسعاره إلى مستويات قياسية عقب الغزو الروسي لأوكرانيا. وذكرت وكالة بلومبرغ أنه تم الإعلان عن أكثر من عشرين مشروعا للغاز الطبيعي المسال، على أمل أن تحل محل حوالي 80 بالمائة من إجمالي واردات الغاز الطبيعي الروسي.
موقع “تليبوليس” الألماني (28 يونيو/ حزيران) كتب مستشهدا بخبير البيئة الألماني كونستانتن تسيغر، الذي اتهم مجموعة السبع وبشكل خاص المستشار الألماني أولاف شولتس بإصدار “تصريح مرور مجاني للاستثمارات في الغاز الأحفوري والغاز الطبيعي المسال”. واستطرد تسيغر موضحا “هناك خطر خلق حلقة مفرغة أحفورية، بدأت بمحطات الغاز الطبيعي المسال وتتسارع بشأنها الاستثمارات العمومية”. في سياق متصل، تسارع ألمانيا الزمن من أجل ملء منشآت تخزين الغاز التي بلغت اليوم حدود 60 بالمائة، تحسبا لفصل الشتاء المقبل وسط انخفاض عمليات التسليم من روسيا. وتهدف الحكومة الألمانية للوصول إلى 90 بالمائة على الأقل من سعة التخزين بحلول بداية نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، غير أنه ليس من الواضح ما إذا كان هذا الهدف قابل للتحقيق وسط احتمال إنهاء روسيا لإمداداتها من الغاز إلى ألمانيا بشكل كامل.
بوتين غير معني بالسلام بعد اشتراطه استسلام كييف
قمة السبع في عالم وبوتين في عالم آخر، هذا ما يمكن فهمه من تصريح الناطق باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف (الثلاثاء 28 يونيو/ حزيران) حينما قال “يمكن للجانب الأوكراني إنهاء (النزاع) في غضون يوم واحد. يجب إصدار أوامر للوحدات القومية بإلقاء السلاح، ويجب إصدار أوامر للجنود الأوكرانيين بإلقاء أسلحتهم، ويجب تنفيذ كل الشروط التي وضعتها روسيا. حينها سينتهي كل شيء خلال يوم واحد”. ويأتي التصريح بعد موجة الإدانة الدولية التي أعقبت الهجوم الروسي الذي دمر مركزا تجاريا في كريمنتشوك جنوب شرق العاصمة الأوكرانية كييف ما أسفر عن مقتل 18 شخصا على الأقل في حصيلة غير نهائية. الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وصف الهجوم الروسي بأنه “من أكبر الأعمال الإرهابية السافرة في تاريخ أوروبا”. غير أن السلطات الروسية نفت استهدافها للمركز التجاري، مؤكدة أنها دمرت بصواريخ “عالية الدقة” مستودعات لأسلحة سلمها الغرب لكييف.
وهناك تساؤلات بشأن فعالية ونجاعة العقوبات الغربية، فرغم شدتها وتأثيرها المتزايد على الاقتصاد الروسي، أكد الكرملين الثلاثاء أنه “لا أساس” للحديث عن تخلف روسيا عن سداد ديونها. لكنّ السلطات الروسية أقرّت بأنه بسبب العقوبات، لم يحصل الدائنون على دفعتين. وهذا يشكل في الواقع “تخلفا” عن السداد، وفق وكالة التصنيف موديز. وبهذا الصدد كتبت صحيفة “هاندلسبلات” الاقتصادية الألمانية (27 يونيو/ حزيران) “إنها نقطة تحول في الحرب على أوكرانيا، والمستمرة منذ أربعة أشهر، حيث يبدو أن روسيا لا تستطيع خدمة سنداتها بالدولار واليورو حتى بعد فترة التمديد. وستكون هذه هي المرة الأولى منذ الأزمة المالية الروسية عام 1998 التي يتعذر فيها على موسكو الدفع لدائني السندات (..) إنه يظهر العزلة المالية الناتجة عن الحرب العدوانية الروسية (..) من المسلم به أن التخلف عن السداد لروسيا هو تقصير كبير، رغم امتلاك الدولة الروسية في الواقع لما يكفي من المال لخدمة ديونها باليورو والدولار”.
الدبلوماسيون الروس في الغرب .. على صفيح ساخن!
أعلنت بلغاريا (28 يونيو/ حزيران) عزمها طرد ما لا يقل عن سبعين دبلوماسيا روسيا يعملون لديها (وهو ما يمثل حوالي 50 بالمائة منهم) بسبب “مخاوف تتعلق بالتجسس” مؤكدة انها ستفرض حدا أقصى لحجم الممثلية الدبلوماسية لموسكو في صوفيا. وبهذا الشأن قال رئيس الوزراء البلغاري كيريل بيتكوف “لقد طردنا اليوم 70 دبلوماسيا روسيا … العديد منهم كانوا يعملون بشكل مباشر في أجهزة (المخابرات) وكان دورهم الدبلوماسي أشبه بغطاء”. وذهبت الخارجية البلغارية في نفس الاتجاه، حينما أكدت أن القرار يهدف إلى تقليص حجم البعثة الروسية في صوفيا إلى مستوى التمثيل البلغاري في موسكو، ولكن أيضا الرد على “أنشطة لا تتوافق مع اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية” في إشارة إلى أعمال التجسس.
ويعتبر هذا التطور ملفتا، خاصة وأن البلدين كانت تربطهما علاقة جيدة انهارت بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا. ومن المتوقع أن ترد موسكو بالمثل، كما سارعت إلى تأكيده وكالة “تاس” الروسية. ويذكر أن الأزمة بين البلدين زادت حدتها بعدما علقت روسيا صادراتها من الغاز إلى بلغاريا في أبريل/ نيسان الماضي، بعدما رفضت الأخيرة الدفع بالروبل. موقع “فينانس.نيت” الألماني (28 يونيو/ حزيران) كتب محللا خلفيات القرار البلغاري “لقد أطيح بحكومة بيتكوف الائتلافية الأسبوع الماضي بعد حجب الثقة عنها في البرلمان بعد ستة أشهر فقط من تشكيلها. بيتكوف يدير حاليا حكومة تصريف أعمال بشكل مؤقت. ومن بين أمور أخرى، ألقى باللوم في ذلك على سفيرة روسيا في صوفيا إليونورا ميتروفانوفا محملا إياها سبب سقوط حكومته”.
برلين: لا أحد يعرف متى ستنتهي الحرب
من العاصمة الإسبانية مدريد حيث تنعقد قمة زعماء دولحلف شمال الأطلسي (ناتو)، قالت رئيسة الدبلوماسية الألمانية انالينا بيربوك بأن لا أحد يعرف المدة التي قد تستغرقها الحرب الروسية على أوكرانيا. وأوضحت بهذا الصدد أنه “لا نعرف متى ستنتهي الحرب، فقد تنتهي غدا إذا أوقف الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) القصف”، مشيرة إلى أن على الغرب بذل كل الجهود الممكنة لتحقيق هذا الهدف “نحن سنفعل كل ما في وسعنا حتى تظل أوكرانيا دولة ذات سيادة وحتى تتمكن البلاد برمتها من أن تعيش في سلام وحرية”. كلام وزير الخارجية الألمانية إلى أن الغرب لا يريد تزويد أوكرانيا بالسلاح فقط، وإنما يسعى أيضا لإيجاد مخرج من دوامة الحرب. رغم أن آمال السلام تبدو اليوم ضئيلة بعدما تحدث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عما أسماه بـ”إعادة” الأراضي الروسية، في الوقت الذي تحرز فيه قواته نجاحات ميدانية في سعيها للسيطرة على سيفيرودونيتسك التي أعلنت أوكرانيا سحب قواتها منها. لأن عدم رسم معالم الخروج من الحرب سيعني بالضرورة الدخول في حرب استنزاف طويلة المدى ووخيمة العواقب لكل الأطراف.
وبهذا الشأن علقت صحيفة “غارديان” اللندنية (28 يونيو/ حزيران) “بينما يلحق عدوان موسكو خسائر فادحة بالشعب الأوكراني وقواته المسلحة، يجب على القادة الغربيين البحث عن سبل زيادة الضغط على بوتين مع ضمان عدم تورط حلف الناتو بشكل مباشر في الحرب. مع حزمة الدعم الجديدة لأوكرانيا، بلور رؤساء دول وحكومات مجموعة السبع في بافاريا البيان الصحيح حيث وعدوا بـ: الدعم المالي والإنساني والعسكري والدبلوماسي طالما كان ذلك ضروريًا”. ومع ذلك، فإن “ترجمة هذا الخطاب بشكل فعال لن يكون سهلاً ” تقول الصحيفة البريطانية.
Sorry Comments are closed