يتقاطع، غالب الأحايين، عمل المنظمات الدولية مع أداء وسائل الإعلام بسلبية، وهي أنهما يضفيان العادية وتقبّل المصائب الجسام، جراء التكرار.
بل وبرقمنتهما البشر خلال عدادات القتل والتجويع، يسحبان الجانب الإنساني من الخبر، وبذلك، مع التراكم والإعادة، تقترف المنظمات، كما وسائل الإعلام، وزر بعض الجريمة، إن بقصد أو حتى بعفوية.
فأن يتكرر خبر أن ثلث الأطفال في سورية متقزمون بسبب سوء التغذية “الوخيم”، بحسب وصف تقرير منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف”، الذي أصدرته الشهر الجاري بعنوان “كل يوم يحتسب”، من دون شرح كيف “يحتسب كل يوم” إن كانت المنظمة نفسها قد أصدرت، في أكتوبر/تشرين الأول عام 2019، تقريراً مماثلاً أكدت خلاله أن ما لا يقل عن ثلث أطفال سورية دون سنّ الخامسة يعانون من نقص التغذية، وأن ثلثي الأطفال تقريباً الذين تراوح أعمارهم بين ستة أشهر وسنتين لا يحصلون على طعام يدعم أجسامهم وعقولهم سريعة النمو.
ففي ذلك تشكيك في الاحتساب، وخاصة إن لم تترافق مع التقرير الطازج أفعال، وتحسّب المنظمة الأممية، لئلا يزيد عدد الجوعى والمتقزمين، إن لم نقل نقلهم إلى ضفة الكفاية والتعافي.
إذ لا تعفي كلمة “يجب” المنظمة الأممية من المسؤولية، كما الاعتراف بالتقزّم من أجل الاعتراف أبعد من كونه فرض كفاية، تسقط مسؤوليته عن الجميع، بمجرد أن قالت المديرة التنفيذية لـ”يونيسف” هنريتا فور: “يجب الحصول على الغذاء المناسب لهم”.
بل ربما زادت نسبة الفقر والجوع والتقزم، مذ هاجت عواطف المنظمة الدولية وعبّرت على نحو توثيقي عاطفي، عن مآسي السوريين. فارتفاع نسبة الفقر إلى 95%، وتضخم الأسعار بنحو 800% خلال عامين، يلزمان العالم المتحضر بإعادة النظر بنسب شلل أطفالنا وأعداد موتاهم جوعاً، لأجل مصداقية الأمم المتحدة على الأقل.
ولكن للأمانة المهنية، ولئلا نبخس حق “يونيسف” وجهودها، حفل التقرير الجديد بكلمات ومصطلحات جذابة، فوصف ما يواجهه الأطفال السوريون بـ”تهديد ثلاثي” لم تتضمنه التقارير السابقة. أن تفصّل منظمة الطفولة الأممية مخاطر تجويع الأطفال بـ”التقزم والهزال”، إلى جانب نقص المغذيات الضرورية وزيادة الوزن، ففي ذلك إضافة لا يمكن تجاهلها، وثمة إشارات استفهام وتعجب من “زيادة الوزن” ببلد لا يجد أهلوه كسرة الخبز لإسكات عصافير معداتهم.
قصارى القول: أعادت منظمة الأمم المتحدة للطفولة، مشكورة، صيحات الاستغاثة بإشارتها إلى تأثر 3.77 ملايين طفل سوري بفقر الدم والتقزم، جراء سوء التغذية، مكررة أن هذه الحالة الطارئة في سورية تستدعي استجابة شاملة جديدة للتصدّي لجميع أشكال سوء التغذية، من دون أن تشير طبعاً إلى كيفية التصدي أو من هو المعني بالتصدي، بواقع استمرار جثوم الأسباب على صدور السوريين وتراجع المساعدات الأممية للداخل وزيادتها لدول الجوار، لتخفيف حدة المنّة على اللاجئين والعدول عن التلويح بورقة الطرد وفتح أبواب الهجرة إلى الشمال الديمقراطي.
وضمن تقرير الواجب أو لزوم ما يلزم، أشارت المنظمة هذا العام إلى معاناة واحدة من كل ثلاث نساء حوامل ومرضعات من فقر الدم، بسبب سوء التغذية الحاد لنحو 265,000 امرأة حامل ومرضع، ضمن سردها قضايا تلاشي المياه الصالحة للشرب ونقص الكهرباء، فأرضت العلا بشرف الوثبة هذا، وحتى يأتي توقيت تقرير العام المقبل، يحلها ألف حلّال.
نهاية القول: أليس من العدل والمنطق والحق، خلال طرح أي مشكلة سورية، أن يسأل الطارح: لماذا أو ما الأسباب ومَن المسبب؟
إذ بقولنا إن 2.4 مليون طفل خارج مقاعد الدراسة خبر ناقص ومبتور عمداً، يحتاج إلى التفصيل والأسئلة ليكتمل، من قبيل: لماذا هؤلاء الأطفال خارج مقاعد الدراسة؟ أي مَن قصف مدارسهم، وراجع موازنة التعليم بالميزانية العامة، وقتل المدرسين، وهجّر السكان؟
وأن نستعرض حالات تشوّه المواليد بغوطة دمشق أو إدلب وحمص، من دون أن نذكر أن استخدام الأسلحة المحرمة والكيماوية هي السبب، ففي ذلك تعمية ودعم مضلل لنظام الأسد الذي يعتمد عرقلة كل من يفيض عن القتل والسجن والتهجير.
كما بعرضنا الأخير لنسب التقزّم وتجويع الأطفال في سورية، أو بما سبق ويستمر، من تحويل قضية السوريين لملاجئ ومساعدات أو حرب أهلية، تواطؤ من المجتمع الدولي، إن لم نقل أكثر، مع عصابة اعتمدت تأديب كل الساعين للحرية والعدالة بتوزيع الثروات حول العالم، بالأطفال السوريين الذين ستتحول أوجاعهم، ولا شك، إلى لعناتٍ تلاحق العالم بأسره، وإن بعد حين.
Sorry Comments are closed