من يعفو عن من؟

هناء درويش16 مايو 2022آخر تحديث :
من يعفو عن من؟

لايمكن لأي عاقل على وجه الأرض أن يدرك أو يحيط بإجرام نظام الأسد، وقدرته على خلط الأوراق والتلاعب بالقوانين والإجراءات. قالها أكثر من مسؤول في نظام الاسد بأنه سيغرق الجميع بالتفاصيل، هذه التفاصيل التي استطاع نسجها عبر عقود من الزمن، من خلال شبكات أمنية واجتماعية.

بدا ذلك واضحاً بما حدث مؤخراً، إذ نشرت الغارديان البريطانية تحقيقاً قام به باحثون من جامعة امستردام الهولندية بينهم الناشطة السورية أنصار شحود، والذي كشف عن جريمة ضد الانسانية ارتكبها عناصر في النظام السوري، عبر تصوير فيديو لعمليات اعدام جماعي بحق مدنيين بحي التضامن الدمشقي باطلاق النار عليهم وإلقائهم في حفرة ومن ثم حرق الجثث ودفنها.

الأمر الذي لاقى صدى وتعاطف كبير بين السوريين وتناوله الإعلام العالمي، مما أوقع النظام في حالة من الارتباك، تشبه تلك التي وقع فيها بداية انطلاق الثورة السورية، وبعد مجزرة الكيماوي والتهديدات الغربية والتي للأسف لم ينتج عنها سوى رد فعل خجول لايرقى لحجم الجريمة.

نظام الأسد المحاصر بمشاكله الاقتصادية والعقوبات الأمريكية والتصريحات الغربية بربط إعادة الإعمار بتحقيق تقدم في الحل السياسي، واشتراطات اعادة تعويمه للجامعة العربية، كذلك خطوة مقابل خطوة التي يضغط بيدرسون لتحقيقها من أجل إنقاذ مهمته التي لم تحقق بعد سنوات ولم تحصد إلا الفشل.

لذلك وفي عملية خلط أوراق واضحة قام النظام بإطلاق سراح عدد من المعتقلين، مستخدماً اسلوباً دعائياً عبر عملية متسلسة من التسريبات الإعلامية لقوائم وأعداد غير حقيقية، واستغلال حاجة أهالي المعتقلين ولهفتهم لمعرفة أي خبر عن أبنائهم ، حتى لو كان هذا الخبر وفاتهم، فمجرد معرفة مصير المعتقل تعتبر نهاية رحلة العذاب والانتظار التي يعيشها الأهل.

مؤلمة هي الصور القادمة من تجمعات الأهالي المنتظرين لابنائهم في مناطق عدة من العاصمة دمشق والمدن السورية، والمؤلم الذي يصل حد الجريمة هو استغلال النظام لهؤلاء إعلامياً ومادياً وابتزازهم من قبل شبيحته، للحصول على أي خبر.

وهنا يأتي السؤال من يعفو عن من؟ هل فعلا صدق نظام الأسد نفسه، بأنه صاحبة مكرمة العفو كما يسميها مؤيدوه. وهل عفا حقاً عنهم أم أنه سيعاود اعتقال كل من سيبقى منهم في مناطقه بعد أن ينتهي هذا الفصل من مسرحيته التي بدأها منذ عشرات السنوات؟ هل سيعفو من خرج بلا ذاكرة، من لم يجد أمه والده زوجته، أولاده ؟ هل ستعفو من حملت في جسدها بقايا الإهانة من قبل جلاديها، والذي كلما حاولت أن تنساها تُذكرها بها تلك الأسئلة الآثمة في عيون من حولها؟ هل سيعفو من مات رفاقه بين ذراعيه و كان عاجزاً حتى أن يبكيهم؟ هل سيعفو من أخفوا الموتى بينهم في عتمات زنانات القهر حتى يقتسموا حصتهم من الطعام؟ هل سيعفو من صلّبوا وحُرقوا وقُطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف لأنهم رفضوا أن يكون ربهم بشار؟ هل ستعفو الأم التي استلمت ورقة تخبرها بأن ابنها مات بسكتة قلبية وأخبرها من خرج أن ابنها مات تحت تعذيب المجرمين وكانت آخر أمنياته أن يقبل قدميها؟ هل ستعفو تلك الأم التي تجلس كل يوم أمام باب خيمتها تبكي من مات وتنتظر من غاب دون خبر عنه ولا تدري بأي حفرة أو زنزانة هو؟

من المتعارف عليه أن الساكت عن الحق شيطان أخرس. وفي عرف السياسة أن الساكت عن الإجرام، مجرم بطريقة أخرى وربما يكون أكثر إجراماً ممن يَقتل ويُعذب خاصة إن كان قادراً على إيقافه ومنعه من الايغال في إجرامه. نظام الأسد لو لم يأمن العقاب ما أوغل في قتلنا وتفنن بتشريدنا، واخترع آساليب تعذيب وإجرام تعجز العقول عن تصديقها والأجساد عن تحملها. بعد كل ذلك ألا يحق السؤال من يعفو عن من؟ الجلاد يعفو عن الضحية، أم الضحية عن قاتلها.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل