روت ناجية من مجزرة “البيضا” بريف بانياس بمحافظة اللاذقية تفاصيل ما حصل في وقت مبكر من يوم 2 أيار- مايو 2013.
وقالت “بتول حديفة” في شريط فيديو بث على مواقع التواصل الاجتماعي إنها رأت في منامها وكأنها في المجزرة مرة ثانية، فالكل ماتوا إلا هي وكانت تردد في منامها -كما تقول- أنها جاءت لتحكي عن المجزرة، فقررت أن ترتاح وتحكي ما حصل.
وعرفت “بتول” بنفسها بأنها من قرية “البيضا” في “بانياس”، كانت في السابعة من عمرها عندما انتقلت للعيش في المدينة وعاشت فيها وكبرت وتعلمت.
وأوضحت أن جوًّا من الخوف والحذر كان يخيم على البلدة من أيام الثمانينات إلى اندلاع الثورة السلمية المطالبة بالحرية، وتابعت أنها استفاقت مع أهلها في الثاني من أيار مايو/2013 على صوت رصاص ومدفعية وعرفوا أن “بانياس” محاصرة، وكانت قريتها أيضاً محاصرة ويقوم عناصر الأمن باعتقال الرجال وجمع النساء والأطفال في غرف.
وأردفت “بتول” أنها كانت في “بانياس” حينها، ولكن أقاربها كلهم في “البيضا”، فذهبت إلى بيت خالها ودخلت -كما تقول- إلى غرفة كانت تضم أقارب لها وعرفت من إحدى قريباتها أن قوات النظام قتلت كل أهالي القرية.
وأضافت: “بعد حلول المغرب خفّت أصوات القصف والرصاص واعتقدت أن الأمر انتهى عند هذا الحد بعد أن خسرت البيضا 700 مدني من أبنائها بين شهيد ومعتقل.
وتابعت شقيقة الشهيدين “بشير” و”رشاد” حديفة: في اليوم التالي كان الصوت أقوى وأقرب، وكان تركيز القصف على “بانياس” وجهزت نفسها للموت -كما تقول- مضيفة أنها لم تجرؤ على فتح شبابيك المنزل أو تقترب من أي كوة لترى ما يحدث، وامتزجت حينها أصوات البكاء والصراخ بأصوات الدمار.
وكانت هناك -كما تروي- رائحة غريبة وخانقة تشبه رائحة الشواء وكأن هناك شعر يحترق فظنت أن الرائحة هي للسلاح الكيماوي الذي كانت تسمع عنه، ولكنها عرفت فيما بعد أنها رائحة أجساد محترقة لأب أو ابن وربما لطفل رضيع كطفلها، ومضت الشابة التي تعيش في تركيا ساردة تفاصيل ما عايشته تلك الأثناء بأن جاراتها في الطوابق العليا نزلن إلى منزلهم خوفاً من القصف وبدأن بقراءة القرآن، وهن في حالة من الحزن والهلع وإحدى جاراتها كانت تتصل بشقيقتها في “البيضا”، فتسمع صراخها وبكاء الأطفال وأصوات في الخارج تهتف بشعار: (الله سوريا بشار وبس).
وأضافت أن الكثير من النساء حولها كن يفكرن بالانتحار قبل أن يقترب منهن عناصر الجيش الأسدي أو ضباطه ولم تكن النجاة بالنسبة لهن من ضمن الخيارات، فإما أن تموت العائلة كلها أو تأتي رصاصة بالقلب تنهي حياتهن على الفور دون ألم أو حزن أفضل من أن يتم ذبحهن بالسكاكين.
وتابعت الشابة البانياسية قائلة بنبرة مؤثرة أن الحي المجاور لهم كان يدعى “رأس النبع”، وتم قتل كل من فيه ذبحاً أو بالرصاص، وانتهى ذلك اليوم بصعوبة وفي اليوم الثالث كانت عشرات الشاحنات تحمل الأهالي الفارين من الموت متجهة إلى مداخل المدينة كجبلة وطرطوس، ولكن كان القتلة كانوا بانتظارهم هناك لإجبارهم على العودة، وفي ذلك اليوم جرت حملات نهب وسرقات لأملاك المهجرين والكثير من البيوت تم حرقها لإخفاء جرائم القتل السرقات فيها، وكان شبيحة النظام يقتلون كل من يرونه في الطريق دون رحمة أو شفقة.
وأضافت “بتول” أن الهلال الأحمر جاء بعد ذلك وقام بدفن جثث الضحايا في مقابر جماعية بإشراف الأمن، وتم غسل الشوارع من الدماء لإخفاء الجرائم، وروت أن خالتها التي كانت مختفية بعد مجزرة “البيضا” ظهرت لتكشف أنها كانت مختبئة في كنيسة قريبة من “البيضا”، وكيف استشهد أبناؤها وتعرفت على جثثهم المتفحمة والملتصقة بعضها ببعض من إبهام أحدهم، وشعرت آنذاك بقريبتها “سوسن” عندما خبأت ابنها بطقم الصلاة كي لا يعرفه القتلة وكيف قطعوا رأسه بعدها أمام عينيها، وكذلك بـ”ماريا” التي قتلوا طفلها الذي لم يكن قد نطق بكلمة ماما برصاصة في رأسه، فقررت مع عائلتها حينذاك الفرار من “بانياس”، وفي الطريق كانت ترى عشرات الناجين من الموت الذين عاشوا قصصاً تشيب لها الولدان وأشعروها بأن ما عاشته لا يشكل شيئاً مقابل ما عاشوه، وبعد وصولهم إلى تركيا سمعوا بخبر استشهاد شقيقيها “بشير” و”رشاد” في المعتقل تحت التعذيب، فقررت أن تزور طبيباً نفسياً للخروج من وطأة ما عاشته وعانته.
وختمت “بتول” داعية كل من عاش تلك الأحداث المروعة أو غيرها وعانى ما عانته أن يرويه ليكون وثيقة على إجرام نظام الأسد والمساهمة في محاكمته.
وأقدمت قوات النظام مدعومة بميليشيات طائفية وعناصر من حزب الله على اقتحام بلدة “البيضا” في “بانياس” بعد حصارها وارتكاب مجزرة شملت عمليات ذبح وتشويه وتقطيع في الفترة من 2 أيار مايو/2013 وحتى 4 من الشهر نفسه، وفق الشبكة السورية لحقوق الإنسان- التي أكدت أن قوات النظام قامت حينها بإحراق جثث الأطفال والنساء في منطقتي “البيضا” و”رأس النبع” مما أدى لمقتل 459 بينهم 93 طفلاً و71 امرأة.
Sorry Comments are closed