فرضت الحرب على النساء السوريات تحديات قاسية على عدة مستويات، جعلت من الصعب الاستمرار في الحياة من دون حلول بديلة. ويشكل الحصول على مصدر دخل أهم هذه التحديات، كونه يساعدهن على إعالة أسرهن وتأمين متطلبات الحياة.
وابتكرت العديد من اللاجئات السوريات للتغلب على صعوبات الحياة الاقتصادية مهناً تتوافق نسبياً مع ظروفهن الأسرية باعتبارهن ربات منزل لديهن التزامات مثل الاهتمام بالأبناء والزوج والبيت.
في تركيا التي لجأ إليها العدد الأكبر من اللاجئين السوريين، تعددت المهن التي نشطت فيها النساء، ومعظمها أعمال بسيطة من وحي تجاربهن في ظل انعدام الفرص وعدم تنظيم سوق العمل في تركيا، وكانت بالكاد تسد الحاجة وتخضع لرحمة السوق والظروف المحيطة.
ويبلغ عدد اللاجئين السوريين في تركيا وفق آخر إحصائية رسمية، ثلاثة ملايين و715 ألفاً و913 شخصاً، نصفهم من النساء، في حين تشير الإحصائيات غير الرسمية إلى أن العدد يفوق ذلك بكثير، أي يتجاوز الأربعة ملايين.
مراكز تأهيل وتدريب
تقول فايزة عز الدين العوض التي تدير مركزاً تدريبياً يقدم خدماته للاجئات السوريات، إن هناك أعداداً كبيرة من مصابي الحرب ممن فقدوا القدرة على العمل وخيارهم الوحيد تأمين فرصة عمل لزوجاتهم.
وتضيف فايزة في حديثها لـ موقع تلفزيون سوريا: “نحاول في مركز (صناع الحياة) بمدينة الريحانية التركية، تقديم العديد من الدورات لتأهيل وتدريب زوجات المصابين على مهن إبداعية، لا تضطر فيها النساء إلى مغادرة المنزل أو ترك أبنائهن وأزواجهن”.
من بين هذه المهن، على سبيل المثال، تصنيع لوحات نحاسية وصناديق المجوهرات، وتصنيع الدمى من الصوف والقماش، وما شابه ذلك.
وتركز التدريبات على نقل تجارب النساء في قطاع الأعمال التي تنطلق من داخل المنزل، لتعميم الفائدة عبر تبادل الخبرات.
كما يوفر المركز للمتدربات المواد الأولية لتبدأ كل منهن خطوتها الأولى في العمل، إضافة إلى أنه بتصريف المنتجات وتسويقها عبر إقامة المعارض، وتسويقها في بعض الدول الأوروبية والعربية عبر شبكة العلاقات الخاصة بالمركز.
وبحسب فايزة هناك الكثير من اللاجئات السوريات أبدعن في هذا المجال من خلال أفكار لخلق فرصة عمل لأنفسهن، أساسها الموهبة والتركيز والاعتماد على الذات والإمكانات البسيطة.
لوحات الفسيفساء
بشرى شيخ عوض، سيدة سورية، أسست مشروعها الخاص مع زوجها في مدينة كلس (جنوبي تركيا) في تصنيع لوحات وتحف من الفسيفساء.
ولم تكتف بشرى وزوجها بعملية الإنتاج من داخل المنزل، وإنما افتتحا مركز تدريب مهني لنقل هذه الحرفة إلى من يرغب في خوض هذه المهنة “الممتعة والصعبة في آن واحد” على حد وصف الزوجين.
وتقول بشرى في حديثها لـ موقع تلفزيون سوريا: “ما حققناه أنا وزوجي كان مميزاً وأمن لنا دخلاً لا بأس به، ووصلت منتوجاتنا إلى العديد من الدول العربية والأجنبية”.
وتضيف: “نطمح إلى توسيع عملنا وتحويله إلى ورشة أو مصنع صغير يفتح أبوابه أمام الكثير ممن تلقوا التدريب لتوفر لهم فرصة عمل ودخلاً ثابتاً”.
وتعتزّ بشرى بعملها فتقول: “إنها مهنة أجدادنا في مدينة كفرنبل حاولنا من خلالها تغيير واقعنا وحياتنا الاقتصادية”.
الإكسسوارات من هواية إلى مهنة
أما لمى اليوسف فقد انعكس ولعها بالتسوق وشراء الإكسسوارات إيجابياً على حياتها بعدما اضطرت هي وزوجها إلى ترك مدينة حلب واللجوء إلى تركيا.
تقول لمى إنها كانت مدللة في حلب تقضي معظم وقتها في التسوق وشراء الإكسسوارات، ولكن الحرب جاءت وغيّرت كل شيء.
وتضيف: “خرجنا أنا وزوجي إلى تركيا واستقررنا في مدينة الريحانية القريبة من الحدود السورية، وبعد فترة أنفقنا كل ما نملكه من مدخرات، لتبدأ رحلة البحث عن مصدر رزق”.
وتتابع لمى في حديثها لـ موقع تلفزيون سوريا: “بدأت أبحث عن فكرة عمل في المنزل، لأن الدخل الذي كان يجنيه زوجي من عمله في توزيع المواد الغذائية على المحال لم يكن كافياً لتأمين مستلزمات الحياة”.
وتوصلت لمى إلى فكرة تصنيع الإكسسوارات وراحت تتعلم على ذلك من خلال الإنترنت، إلى أن تحولت الإكسسوارات من هواية إلى مهنة تقتات منها هي وزوجها.
لم تخلُ البدايات من بعض الصعوبات، من أبرزها كيفية تصريف ما تصنعه والفرق الكبير بين السعر الذي يشتريه البائع منها وبين سعر المبيع، الأمر الذي دعا لمى وزوجها لتسويق منتوجاتهم بأنفسهم.
وتقول لمى: “بدأت بتجهيز طلبيات كبيرة بمساعدة زوجي، وبعد فترة أتقنت تصنيع الصابون وأضفت لمستي إلى العمل فكانت فكرة صابون بروائح مختلفة مثل الورد الجوري والياسمين والغاردينيا”.
وتعرب لمى عن رضاها عما تقوم به وتقول: “الحاجة تجعلنا نبدع للوصول إلى حياة أفضل لم أكن أتصور في يوم من الأيام أني أملك كل هذا الصبر، وأنه لشعور رائع أن يكون لوقتك قيمة”.
وتضيف: تغيرت شخصيتي وأسلوبي في الحياة وبدأت أعي قيمة الأشياء وقيمة السعادة الحقيقية.
تحويل المحنة إلى منحة
وفي حالة مشابهة، تقول الشابة السورية نور: “ساعدني عملي على الاستمرار وتأمين حياة أفضل”، وذلك عبر تحويل شغفها وحبها إلى مشروع ناجح في تصنيع صناديق ولوحات ورفوف وحمالات للورود.
اشتهرت نور باسم “نور إكسسوار”، مستفيدة من دراستها في معهد الفنون المسرحية بحماة في إطلاق مشروعها للأعمال اليدوية في مكان لجوئها بتركيا.
وتضيف نور: “أساعد من خلال مشروعي أختي وأولادها بعد أن فقدت زوجها في الحرب، وترفض العيش في دور الأيتام، لذا نتساعد أنا وأختي على ظروف الحياة”.
وتتابع: “نعمل من المنزل ومع الوقت أصبح هناك رصيد مالي تمكنا من خلاله افتتاح ورشة صغيرة”.
وتقول نور إن “هناك أشياء كنا نتذوق جمالها ونشتريها لتزين بيوتنا إلا أنها تحولت إلى مصدر رزق وفرصة عمل تدعم وجودنا وتعطينا القوة على الاستمرار والبقاء”.
وتشير إلى أن السوريات حوّلن المحنة إلى منحة والفن إلى مصدر رزق يحمي أسرهن من الضياع.
دراسة أميركية: عمل اللاجئات السوريات أعلى مما كان في بلادهن
توصلت دراسة أعدتها وكالة “يونايتد برس إنترنشونال” الأميركية، إلى نتيجة مفادها، أن نسبة النساء السوريات العاملات في بلاد اللجوء أعلى بكثير عما كانت عليه في بلدهم الأصلي.
وأشارت الدراسة، التي شملت النساء السوريات اللاجئات في تركيا ولبنان والأردن، إلى أن الحاجة الملحة للعمل كانت دافعاً إيجابياً غير متوقع للعديد منهن، فهن شعرن بالقوة والتحرر لأنه بإمكانهن الإسهام في رعاية عائلاتهن بطريقة مؤثرة.
ولفتت الدراسة إلى أن نسبة إسهام النساء اللواتي في سن العمل في سوريا ضمن القوة العاملة، كانت تشكل 13 في المئة قبل عام 2011، وهو معدل يعد من ضمن الأقل في العالم.
في حين أظهرت نتائج الدراسة أن أكثر من ربع اللاجئات السوريات في تركيا ولبنان، وأكثر من النصف ممن في الأردن، قد انضممن إلى قوة العمل.
وأشارت الدراسة إلى أنه على الرغم من إبداء النساء السوريات رغبتهن في العمل، فإنهن يواجهن تحديات في أماكن العمل، من بينها الساعات الطويلة وقلة صلات العمل والأجور المنخفضة، إضافة إلى الأعباء المنزلية المتمثلة برعاية الأولاد، ما يحد من قدرتها على المشاركة في قوة العمل.
وختمت الدراسة أن العديد من النساء السوريات في تركيا، والأردن، ولبنان يعملن بنشاطات توظيف ذاتي تتضمن تحضير الأطعمة والوجبات الجاهزة، والتحف اليدوية والأغراض الأخرى، مبينة أن تقديم التمويل البسيط والنصح المالي وخدمات التسويق قد يساعد هؤلاء النسوة على الوصول إلى مزيد من المستهلكين وإلى أسواق جديدة قد تسمح لهم بجني رزق جيد.
عذراً التعليقات مغلقة