هل استفاق الأوربيون من غفوتهم بعد عقوباتهم على فاغنر الروسية؟

فهد القاضي17 ديسمبر 2021آخر تحديث :
هل استفاق الأوربيون من غفوتهم بعد عقوباتهم على فاغنر الروسية؟

يبدو أن الأوربيين وبعد كثير من التقارير القانونية والدراسات البحثية الميدانية، والتي قامت بها منظمات ومراكز أبحاث أوروبية مع دخول الحرب المدمرة في سورية عامها الحادي عشر، فإن تلك الدراسات والتحقيقات كرست قناعة تامة لديهم حول خطورة التدخل الروسي في سورية وما نتج عن ذلك التدخل من جرائم وانتهاكات تصل إلى مستوى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية.

ووفق هذه التطورات الخطيرة وما استندت إليه المنظمات الحقوقية ومراكز الأبحاث الأوربية من أدلة وإثباتات، تصل إلى مرحلة اليقين حول الإجرام الممنهج الذي تقوم به القوات الروسية في سورية، فإنه وبتاريخ 25 تشرين الثاني 2021 طالب البرلمان الأوروبي المجتمع الدولي بفرض عقوبات ضد مجموعة فاغنر الروسية لدرجة تصل إلى تجميد الأصول وحظر سفر على عملاء يعملون ضمن هذه المجموعة الروسية المجرمة.

مجموعة فاغنر (Группа Вагнера):‏ هي منظمة روسية شبه عسكرية توصف بأنها شركة عسكرية خاصة (أو وكالة خاصة للتعاقد العسكري) وقد شاركت تلك المنظمة في صراعات مختلفة بما في ذلك العمليات في الحرب في سورية إلى جانب نظام الأسد.

وقد أكد تقرير صادر عن صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية بتاريخ ٨ أغسطس لعام ٢٠١٨ أن فاغنر هي وحده قتالية تتمتع بالاستقلالية وهي تابعة لوزارة الدفاع الروسية ومديرية المخابرات الرئيسية متخفية والتي تستخدمها الحكومة الروسية في النزاعات التي تتطلب (الإنكار) والنفي للجرائم التي ترتكبها روسيا في تلك النزاعات الدولية التي تتدخل بها، حيث يتم تدريب عناصر تلك المنظمة داخل  منشآت وزارة الدفاع الروسية وقد أكدت ذات الصحيفة الأمريكية بأن تلك المنظمة مملوكة من قبل رجل الأعمال (يفغيني بريغوجين) والذي له صلات وثيقة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين ويديرها ضابط المخابرات الروسي السابق المقدم (دميتري أوتكين) وتعتبر فاغنر النسخة الروسية عن شركة بلاك ووتر الأمريكية.

وقد تأسست تلك المنظمة عام 2015 في الفترة التي بدأت روسيا عملياتها العسكرية والقتالية في سورية إلى جانب قوات الأسد وقد ذاع صيت تلك المنظمة المجرمة إثر مقتل مئات من عناصرها بغارة أمريكية قرب دير الزور في عام 2018 عقب مشاركة ذلك التنظيم الروسي في ارتكاب انتهاكات وجرائم كثيرة ضد الإنسانية إلى جانب قوات الأسد والمليشيات الإيرانية الطائفية في سورية بحق السوريين، وقد تم توثيق الكثير من تلك الجرائم بمقاطع مصورة تم تسريبها من خلال وسائل التواصل الروسية، حيث نشرت شبكة (سي إن إن) تفاصيل قيام مجموعة فاغنر الروسية بتعذيب مواطن سوري اسمه (محمد) ضمن حقل نفطي في الصحراء وسط سورية ومن ثم قام أربعة عناصر من ذلك التنظيم بكسر يديه ورجليه بمطرقة قبل أن يقوموا بقطع رأسه بطريقة وحشية.

من جهتها، تمكنت صحيفة “نوفايا غاويتا” الروسية من التعرف على فرقة التعذيب التي ظهرت بذلك الفيديو، وأكدت أنهم من المرتزقة الروس والذين ينتمون إلى مجموعة فاغنر المرتبطة برجل الأعمال الروسي “يفغيني بريغوجين” والمشهور بلقب طباخ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

فيما يؤكد خبراء أمنيون بأن فاغنر تستخدم القوة العسكرية الروسية وتحظى بدعم عسكري مباشر من الجيش والمخابرات الروسية كون معظم أعضاء ذلك التنظيم والذين يقدر عددهم بالآلاف هو من قدامى المحاربين في الجيش وأجهزة الأمن الروسية.

وتعريجاً على جرائم تلك المنظمة ذات المنهج الإجرامي، ارتكابهم لجريمة قتل غامضة في جمهورية إفريقيا الوسطى وقعت في عام 2018 وراح ضحيتها ثلاثة صحفيين روس كانت مهمتهم جمع معلومات عن شركة فاغنر العسكرية كون جهات أمنية في موسكو لم تكن تريد النجاح في هذه المهمة لهؤلاء الصحفيين، والذي كان يقع على عاتقهم كشف الحقيقة الإجرامية والانتهاكات الإنسانية التي يقوم بها مقاتلو منظمة فاغنر هناك.

ومما يلاحظ بأن عصابة فاغنر الروسية الإجرامية تتواجد حيثما تتواجد القوات الروسية سواء في سورية أو ليبيا، حيث ساهم مقاتلو تلك المنظمة الروسية بإعادة سيطرة عصابات الأسد على تدمر ودير الزور مرتكبين أفظع الجرائم ضد الإنسانية وحيث أن مصادر من داخل جهاز الأمن الفيدرالي الروسي ووزارة الدفاع قد صرحا وبشكل غير رسمي لموقع (روسيا بيوند) بأن فاغنر تحت إشراف مديرية الاستخبارات الروسية.

فضلاً عن أن كل مقاتلي فاغنر تم نقلهم إلى سورية عبر طائرات نقل عسكرية روسية، إضافة لشركة أجنحة الشام للطيران من مطار “روستوف نادونو”، وقد شارك أسطول من السفن الروسية العسكرية بنقل معداتهم وأسلحتهم الثقيلة إلى سورية. وأشار مصدر بوزارة الدفاع الروسية لتلفزيون (أو بي كيه) بأن جهاز الأمن الفيدرالي الروسي قد تكلف مبلغ 170 مليون دولار روسي لمصاريف منظمة فاغنر حتى شهر اغسطس 2016.

في المناقشة القانونية من حيث التبعية والمسؤولية عن جرائم وانتهاكات فاغنر في سورية:

تعتبر المسؤولية الدولية وسيلة قانونية أساسية لكفالة تطبيق القانون الدولي الإنساني وبالتالي فإن مسؤولية المتبوع عن أعمال التابع أو الشريك قد شكلت وعبر السنوات السبع محوراً هاماً في أساسيات القانون الدولي الإنساني في الصراعات سواء منها الداخلية أو الدولية.

وبمقتضى هذا المفهوم فإن الشريك أو التابع يعد مسؤولاً عن الجريمة الدولية التي ينفذها الفاعل الأصلي. وبالتالي فإن أهمية هذا المفهوم هي باعتبار مُصدر الأمر شريكاً عن الأفعال التي ارتكبها الشخص الذي ينفذ أوامره إذ نصت الفقرة /2/ب/ من المادة 25 من نظام روما الذي انبثقت عنه محكمة الجنايات الدولية، حيث نصت على تجريم الأمر والإغراء بارتكاب جريمة أو الحث على ارتكابها سواء وقعت بالفعل أو تم الشروع فيها.

كذلك نصت الفقرة /2/ج/ من المادة المذكورة على أن التحريض أو تقديم العون بأي شكل من أجل تيسير ارتكاب الجريمة أو حتى الشروع بارتكابها. وبموجب هاتين الفقرتين المذكورتين آنفاً فإن صور اشتراك المتبوع أو الشريك المجرمة قانونيا هي: التحريض والاتفاق والمساعدة.

التحريض: وهي التأثير من خلال الأقوال أو الأفعال على الجاني من أجل ارتكاب الجريمة وقد جاءت محكمة الجنايات الدولية بنص صريح وحسب الفقرة /12/ج/ من المادة /25/ من نظام روما الأساسي على عامل التحريض وسواء أفضى هذا التحريض إلى ارتكاب الجريمة كاملة أو أنها لم تتعدى مرحلة الشروع فقط.

المساعدة: لقد تصدى نظام روما الأساسي والذي هو نواة المحكمة الجنائية الدولية إلى موضوع المساعدة بوصفها إحدى طرائق الاشتراك في الجريمة التي تختص بها محكمة الجنايات الدولية وبالتالي فإن المساعدة تتحقق بكل عمل من الأعمال التي يتعين على الجاني ارتكاب الجريمة أو تذليل الصعوبات لارتكابها سواء كانت تلك العقبات مادية أو معنوية مهما كان شأنها أو حجمها.

الاتفاق: يعرف الاتفاق على أنه انعقاد إرادتين أو أكثر على ارتكاب الجريمة ومن ذلك نستنتج بأن الفقرة /2/ب/ من المادة /25/ من نظام روما قد أشارت إلى أن الاتفاق يوصف بأنه إحدى صور المساهمة التبعية في الجرائم الدولية أمام المحكمة الجنائية الدولية وحيث أن الاتفاق كركن معنوي من أركان الجريمة الدولية فإن اثباته يمكن بذات الوسائل التي يثبت بها التحريض من الأدلة والقرائن.

من كل ذلك نستطيع أن نخلص إلى نتيجة في غاية الأهمية وهي أن نظام روما الأساسي يعاقب على التحريض من خلال ما نصت عليه المادة /25/3/ المتعلقة بالتحريض المباشر والعلني على ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية وبالتالي فإن المادة /25/ من نظام روما الأساسي قررت وبشكل واضح المسؤولية الجنائية للشخص أو للمنظمة عن أي جريمة تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية في حال قيام هذا الشخص أو هذه المنظمة بارتكاب هذه الجريمة أو الأمر بها والحث عليها وتقديم المساعدة لارتكابها والتحريض عليها بأي شكل.

كما أن نظام روما الأساسي للقانون الدولي الجنائي لم يفرق بين التحريض أو الاشتراك أو غيره من صور المساهمة التبعية وبين الارتكاب الفعلي للجريمة.

ومن خلال هذا السرد القانوني للمسؤولية القانونية للمتبوع أو الشريك عن أعمال التابع في الجرائم الدولية فإن منظمة فاغنر الروسية والتي كما أشرنا سابقاً وفقاً لتقارير دولية استخباراتية والتي تتبع إدارياً ومالياً لوزارة الدفاع الروسية وأجهزتها الاستخباراتية.

حيث (تشكل منظمة فاغنر الجيش السري لحروب بوتين القذرة في سورية وليبيا وافريقيا الوسطى) بحيث أن الحكومة الروسية تستخدم تلك المنظمة المجرمة والتي تنفي دائماً تبعيتها لها من أجل التحايل على القانون الدولي، وعلى نظام روما الأساسي لضرورة الإفلات من العقاب ومن العدالة الدولية. كما هو شأن منظمة بلاك ووتر الأمريكية ولكن الأدلة والقرائن وواقع الحال تشير وبشكل قطعي إلى أن منظمة فاغنر والتي تعمل سواء في سورية أو في ليبيا وأماكن أخرى من العالم جنباً إلى جنب مع القوات الروسية المنتشرة. وتستمد أسلحتها وذخيرتها منها وتتكفل قوات الجو الروسية بتأمين الغطاء الجوي لها في معاركها البرية. إضافة إلى تلقيها الدعم المالي من وزارة الدفاع الروسية كما أشارت تقارير دولية نوهنا عنها أنفاً.

وحيث أن تقرير لمنظمات روسية غير حكومية مدافعة عن حقوق الإنسان (جمعية ميمو ريال – حركة حقوق الإنسان الشبابية – سفتيلا غانوشكينا رئيسة لجنة المساعدة المدنية – الكساندرا غوباشيف محامي في لجنة أمهات الجنود في روسيا) صدر في بداية هذا العام واستمر معدوه عامين كاملين ومؤلف من 198 صفحة.

وتضمن هذا التقرير، والذي أصدر فيه المكتب القانوني لحركة تحرير وطن دراسة بحثية بتاريخ ٤ / ٤ / ٢٠٢١، تحقيقات موسعة عن الجرائم التي ارتكبتها القوات الروسية في سورية والتي تشكل منظمة فاغنر العمود الرئيسي لها على الأرض.

نستدل على ذلك بأن منظمة فاغنر الروسية والتي دعا مؤخراً البرلمان الأوربي دول الاتحاد بتاريخ 25/11/2021 لفرض عقوبات عليها نظراً لفظاعة الجرائم التي ارتكبتها في سورية وليبيا وافريقيا الوسطى من خلال قراره تبناه البرلمان الأوربي بالغالبية المطلقة، فإننا نأمل بأن ينصرف هذا القرار إلى قيام البرلمان الأوربي بفرض عقوبات مشابهة على دولة روسيا الاتحادية، نظراً لأن منظمة فاغنر الروسية ما هي إلا الذراع الحقيقي الضارب لوزارة الدفاع الروسية في حروبها الإجرامية البعيدة عن الأخلاق والمعايير القانونية الدولية.

ختاماً: إن الحرب الهمجية التي تشنها روسيا على الشعب السوري والتي تتخذ من أجساد الأطفال السوريين حقل تجارب لأسلحتها الفتاكة إنما تشكل جريمة ضد الإنسانية يجب على المجتمع الدولي أن يقف كثيراً عندها.

حيث قال وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو إن قوات بلاده جربت أكثر من 320 نوع من السلاح خلال عملياتها العسكرية في سورية. وقال شويغو، في كلمة له في شركة (روست فيرتول) الروسية لصناعة المروحيات، إن الشركة قامت بتطوير طائراتها وأسلحتها نتيجة العمليات العسكرية في سورية.

ويبقى السؤال الذي نطرحه على المحاكم الدولية وعلى البرلمان الأوربي وكافة المنظمات الحقوقية والقانونية التي تعنى بملف جرائم الحرب في سورية ومبادئ حقوق الإنسان:

أين قامت القوات الروسية بتجريب أسلحتها في سورية؟ هل كان ذلك في حقول الرمي والمناطق الصحراوية ؟ أم أن أجساد الأطفال والنساء والمدارس والمشافي والأحياء السكنية هي من كانت مضمار تلك التجارب؟ نحن لا نسعى لإقناعكم ولكن نضع الحقيقة بين أيديكم.

المصدر حركة تحرير وطن
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل