أثار تدهور سعر صرف الليرة التركية أمام الدولار إلى ما يقرب من 11 ليرة للدولار الواحد المخاوف بشأن مستقبل الليرة، والتداعيات السلبية التي من الممكن أن تنشأ عنها سواءً من ناحية الاستثمار أو من ناحية التأثير على الحياة المعيشية للمواطن التركي.
ويأتي تخطي سعر الدولار حاجز الـ 11 ليرة، عقب إعلان البنك المركزي التركي عن خفض سعر الفائدة بنسبة 1% لتصل إلى 15%، وهو ما أبقى التضخم قرب 20%، وانعكس سلبًا على سعر الصرف وردود أفعال السوق.
محلل اقتصادي تركي: الاقتصاد التركي قوي
المحلل السياسي والباحث الاقتصادي التركي يوسف كاتب أوغلو قلل من أهمية تلك الانخفاضات، واصفًا إياها بـ”الآنية”، وقال في حديث خاص إلى “سنبلة نيوز”: إنّ “ما يشهده الاقتصاد التركي في الوقت الحالي؛ هو تحول من الاقتصاد المالي إلى الاقتصاد الإنتاجي، وهو ما يعني أن تذهب الأموال إلى المشاريع الإنتاجية عوضًا عن تكديسها في البنوك”.
ورأى “أوغلو” أنّ ما يجري في الوقت الحالي؛ هو استهداف كبير لليرة التركية من خلال “الشائعات” و”المضاربات المالية”، و”الشراء المحموم للدولار”؛ من أجل خفض قيمة الليرة، والإيحاء أن هناك أزمة، وأنّ “الحكومة ستستمر بخفض الفائدة لرؤيتها أن ذلك يُسهم بشكلّ كبير في تحسن الاقتصاد”.
أوغلو: 127 مليار مخزون البنك المركزي من الدولار
وأوضح أوغلو أنّ “الاقتصاد التركي قوي بكلّ المقاييس والمعاير”، وأنّ “المخزون الدولاري في البنك المركزي يفوق الـ127 مليار دولار”، وأنّ ” نسبة النمو وصلت في الربع الثاني من عام 2021 إلى 21%”، متوقعًا أن تصل في نهاية العام الجاري إلى 10% وتصبح في المرتبة الـ 16 في مجموعة العشرين”.
وأشار “أوغلو” إلى أنّ “العام القادم سيشهد تحسنًا ملموسًا في المداخيل الدولارية، إذ من المتوقع أن تسهم الاكتشافات النفطية بخفض فاتورة الطاقة البالغة 42 مليار دولار إلى النصف”، وأنّ “الأمر سينعكس إيجابًا على الخزينة”، إضافة إلى “قوة الصادرات التي سترفد الخزينة بقيمة دولارية إضافية يتوقع أن تكون أعلى من العام الحالي”.
وتسود مخاوف لدى الشارع التركي من سوء الأحوال المعيشية، خاصة وأنّ قيمة المشتريات الأساسية زادت بما يتوقع نسبته 20% منذ بداية العام الحالي وحتّى الآن.
أوغلو: الحكومة توائم بين التضخم ودعم المواطن
في هذا الصدد، بيّن “أوغلو” أنّ “الحكومة تحاول المواءمة بين القوة الشرائية للمواطن وبين التضخم الحاصل في البلاد”، وأنها “اتخذت إجراءات حقيقة في هذا المجال عبر زيادة نصف سنوية بنسبة 20% لموظفي القطاعين العام والخاص، والآن هناك زيادة بنسبة 10%”.
وبحسب أوغلو فإنّ من بين الإجراءات الحكومية الداعمة للمواطن هو خفض قيمة (ضريبة القيمة المضافة) من 18% إلى 8%، إضافة إلى إلغاء الضرائب على كثير من المخالفات للمواطن التركي.
وتوقع أوغلو في ختام حديثه لـ “سنبلة نيوز” أن يسهم انخفاض قيمة الليرة في انتعاش قطاعات مختلفة من بينها “الصادرات، السياحة، والطاقة، وغيرها”، ومع إقراره أنّ للانخفاض آثار سلبية على المواطن التركي، لكنه أشار إلى محاولة الحكومة المواءمة بين القوة الشرائية للمواطن وبين نسب التضخم الحاصلة الآن في البلاد مع التشديد على كبح جماح التلاعب بالأسعار من قبل بعض التجار.
وشددّ على أنّ “الحرب ستكون (ضروس) بين لوبي الفوائد وسياسة الحكومة التي تريد أن تزيل عبء الفوائد من كاهل المواطنين والتركيز على الاقتصاد الإنتاجي وليس المالي، وهو ما سيكون له انعكاسات عظيمة في المستقبل على مستقبل الاقتصاد التركي”.
ويتهم الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان من قبل معارضيه بـ “التدخل بالسياسة النقدية للبلاد”، والسير بها نحو الانهيار من خلال وضع يده على مدير البنك المركزي الحالي؛ بعد تطفيشه لرجلين سابقين كانا على رأس المؤسسة النقدية في البلاد.
يونس الكريم: خفض سعر الفائد الحالي “فرصة أخيرة”
إلّا أنّ الباحث الاقتصادي يونس الكريم يعتبر أنّ إجراءات الحكومة التركية؛ هي “محاولة أخيرة” من أجل تحسين مؤشرات الاقتصاد قبل أن تسلك مستوى آخر في معالجة وضع الليرة؛ من خلال الاعتماد على الأصول الخارجية.
ويقول الكريم لـ”سنبلة نيوز” إنّ “خفض سعر الفائدة الأخير يتزامن مع الزيارة المرتقبة لولي العهد الإماراتي (ابن زايد)؛ وهو نوع من أنواع تحفيز له، لضخ أموال كبيرة في الاقتصاد التركي” عبر رؤيته أنّ “الاقتصاد التركي مشجع ومغري لشراء السلع وإقامة استثمارات فيه”.
ورأى “الكريم” أنه مع كل انخفاض لمعدل الفائدة، “يكون هناك انخفاض في قيمة العملة، وبالتالي فإن لم تقم البنوك بالتوسعة لصالح الأعمال التجارية، فإنها ستخلق فجوة كبيرة بين العرض والطلب”.
وشدّد “الكريم” على أنّ استمرار المناكفات بين الحكومة والمعارضة لربّما يؤدي إلى زيادة الطلب على حساب العرض، وبالتالي سيؤثر سلبًا على مخزون العملات الأجنبية في البنك المركزي”.
واعتبر “الكريم” أنّ خفض سعر الفائدة الأخير هو بـ”مثابة الفرصة الاخيرة”، وبالتالي هو مرهون استجابة البنوك والأعمال الصناعية والتجارية للتوسعة بالعرض.
وأشار إلى أنه “في حال حدوث عكس ذلك وخاصة مع استثمارات مرتقبة لدولة الإمارات في تركيا دون ان يقابلها توسعة في العرض”، الذي يحتاج، بحسب رأي كريم، إلى ستة أشهر على الأقل فإنّ “الضغط سيكون كبيرًا على قطاعي السلع والخدمات وهو ما قد ينذر بتدهور للأوضاع الاقتصادية في البلاد”.
عذراً التعليقات مغلقة