قطعت القمة الثلاثية التي عُقدت اليوم الأحد في العاصمة العراقية بغداد شوطاً جديداً في مشروع التعاون المشترك المتكامل بين العراق والأردن ومصر، والذي لعب الأردن دوراً كبيراً لإنضاجه منذ عام 2018. تصدّرت ملفات الطاقة والتجارة والاستثمار والأمن وتبادل المعلومات في الحرب على الإرهاب أعمال الاجتماع الموسع الذي جمع كلاً من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والعاهل الأردني عبد الله الثاني، ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، في بغداد، بحضور مسؤولين بحكومات الدول الثلاث. ولم تختلف الملفات التي حضرت على جدول أعمال قمة أمس عن تلك التي بحثها اجتماع قمة عمّان نهاية أغسطس/ آب من العام الماضي، وكذلك لقاء القاهرة في 24 مارس/ آذار 2019، إبان حكومة رئيس الوزراء العراقي السابق عادل عبد المهدي.
وتكمن أهمية اجتماع بغداد في كونه الأخير ضمن سلسلة اللقاءات التي جمعت الدول الثلاث على مدى الفترة الماضية، إذ من المقرر ترجمة ما تم التوصل إليه إلى برامج عمل فعلية على الأرض، وهو ما يشكك فيه مراقبون وسياسيون عراقيون، نظراً إلى قصر ما تبقى من عمر حكومة الكاظمي، وهو أقل من 4 أشهر، في حال أجريت الانتخابات المبكرة في موعدها في 10 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل. فضلاً عن الجانب المتعلق بالنفوذ الإيراني، هذا العامل الذي سبق أن أفشل جهوداً ومشاريع سابقة على صلة بانفتاح العراق اقتصادياً وتجارياً على دول عربية أخرى.
وأكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في كلمة خلال أعمال القمة، أن هذه الأخيرة “فرصة جيدة لاستمرار التشاور والتنسيق بيننا حول أهم قضايا المنطقة، في ظلّ التطورات الدولية والإقليمية المتلاحقة، والتي تستلزم التعاون المشترك لمواجهة التحديات والأخطار المشتركة، خاصة مع ما نشهده من تدخلات إقليمية مرفوضة تسعى للهيمنة، وتهدد الأمن القومي العربي وتستهدف الدول العربية”. وحمل المؤتمر الصحافي الثلاثي المشترك لوزراء خارجية مصر سامح شكري والعراق فؤاد حسين والأردن أيمن الصفدي، في ختام القمة، رسائل مشابهة حول ضرورة تعزيز التعاون المشترك بين البلدان الثلاث.
من جهته، تحدّث مسؤول في حكومة الكاظمي، عبر الهاتف لـ”العربي الجديد”، عما وصفه بـ”اجتماع أكثر شمولية من الاجتماعين السابقين في عمان والقاهرة”، كاشفاً عن “إجراء لقاءات جانبية بين قيادات أمنية مصرية وعراقية حول ملف الحرب على الإرهاب والمعتقلين المصريين في السجون العراقية على ذمة قضايا الإرهاب، وتبادل المعلومات والمعتقلين في هذا الإطار. كذلك تم بحث الملف الأمني الحدودي بين العراق والأردن”. ونفى المسؤول أن يكون الجانب المصري قد طلب من العراق أن يكون وسيطاً باستلام المعتقلين المصريين الموجودين لدى مليشيات “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) في سورية.
ولفت المسؤول ذاته إلى أنه “تم الاتفاق على تسريع الإجراءات في ما يتعلق بمشروع أنبوب النفط العراقي الأردني (البصرة ـ العقبة)، وكذلك ملف الربط الكهربائي بين العراق والأردن، والإعفاء الضريبي للبضائع بين البلدان الثلاثة، إضافة إلى الجانب المتعلق بالأمن”. وأشار إلى أنه “تم الاتفاق على تشكيل لجنة مشتركة دائمة تعقد اجتماعات دورية في العواصم الثلاث لمتابعة ما تم التوصل إليه من مقررات بغية ترجمها على أرض الواقع. وتتألف اللجنة من مسؤولين في وزارات النفط والخارجية والداخلية والتجارة والكهرباء، وممثلين عن جهات حكومية مختلفة من الدول الثلاث”. وحول إمكانية تطبيق ما تم التوصل إليه، قال المسؤول: “قد لا يسعف الوقت لتنفيذ خطوات عملية كبيرة من التفاهمات المنجزة حالياً، في ظل العمر المتبقي للحكومة العراقية الحالية، لكنها لن تكون معرضة للنقض أو التراجع من أي حكومة مقبلة، كون الذي تم الاتفاق عليه يمثل مصلحة متبادلة للدول الثلاث، وهناك إمكانية أن تضاف دولة رابعة في المستقبل مثل السعودية أو الكويت”.
وجرت الاجتماعات المتعلقة بالملف الأمني بين قيادات ومسؤولين من الدول الثلاث في القصر الحكومي في المنطقة الخضراء ببغداد، بالتزامن مع اجتماع السيسي وعبد الله الثاني والكاظمي في قاعة مجاورة.
في السياق، اعتبر الخبير في الشأن الأمني والسياسي العراقي، أحمد النعيمي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “أطرافاً سياسية وفصائل مسلحة ترى مثل هذه الفعاليات بأنها ضمن دفع أو تشجيع أميركي غربي لسحب العراق من المنطقة الإيرانية تدريجياً، على الأقل من بوابة الاقتصاد والتجارة. كما أن إيران تستشعر بالخطر، كون السوق العراقية بالنسبة لها عكازاً لتخفيف وقع العقوبات وأزمات الكساد التي تعانيها أسواقها”. وأشار إلى أن “تجارب سابقة للعراق في هذا الإطار أكدت أهمية عدم التفاؤل كثيراً بتوقيع أي اتفاق، كون التطبيق لاحقاً غير مضمون”.
من جهته، قال عضو تحالف “الفتح” (الجناح السياسي للحشد الشعبي)، عامر الفايز، إن أي تفاهم تم التوصل إليه بين بلاده ومصر والأردن “يجب أن يكون وفق مصالح متبادلة، وألا يكون على حساب بلادنا”. وأضاف في حديث لـ”العربي الجديد” أن “أي موقف لتوحيد الكلمة العربية ندعمه، وكذلك عودة العراق إلى ممارسة دوره الريادي في المنطقة”، لكنه حذّر مما وصفه بـ”الترويج لمشروع المشرق الجديد، والذي قد يكون عنواناً جديداً لبرامج هدفها تطبيعي مع الكيان الصهيوني بشكل أو آخر، خاصة أن الأردن ومصر لهما علاقة مع العدو”.
Sorry Comments are closed