حرية برس – إدلب- عائشة صبري:
تستمر حملة التصعيد العسكرية لنظام الأسد وروسيا على منطقة جبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي وسهل الغاب في ريف حماة الغربي لليوم السابع على التوالي، والتي تأتي في وقت تشهد فيه الساحة السياسية حراكاً للأطراف الفاعلة، إذ يرى محللون سوريون أنَّ القصف يعود لرغبة روسيا بتحقيق مكاسب جديدة.
وبحسب فرق الدفاع المدني السوري، فإنَّ حصيلة ضحايا المجزرة التي ارتكبتها قوات الأسد وروسيا في بلدة إبلين بريف إدلب الجنوبي أمس الخميس، ارتفعت اليوم الجمعة إلى 13 شخصاً بينهم امرأة وطفلها، وذلك بعد وفاة مدنيين اثنين متأثرين بجراحهما، فيما لا يزال جريحان من الإصابات الأربعة بحالة حرجة.
وأفاد ناشطون محليون، بأنَّ قوات الأسد جددت، الجمعة، قصفها بقذائف المدفعية والصواريخ على مواقع فصائل الثوار في بلدتي “سفوهن والفطيرة” وأطراف كنصفرة بجبل الزاوية جنوب إدلب، بالتزامن مع تحليق مكثف للطائرات الحربية الروسية في سماء إدلب وأرياف حماة وحلب واللاذقية، دون تنفيذ أي ضربة جوية.
واقتصر رد الفصائل، الجمعة، على استهداف مواقع النظام بقذائف المدفعية في محوري كفرنبل وكفرموس جنوب إدلب، ويوم أمس استهدفت القوات التركية المتمركزة في تل بليون وفصائل الثوار مواقع قوات الأسد جنوبي إدلب بقذائف المدفعية، فيما اعتبر ناشطون أنَّ الرد يجب أن يكون في معاقل أساسية للروس، مثل: قاعدة حميميم في مدينة اللاذقية.
التصعيد الروسي متوقع
قال الصحفي عقيل حسين، لـ”حرية برس”: إنَّ “التصعيد الروسي في جبل الزاوية كان متوقعاً مع اقتراب موعد التجديد للمعابر المخصصة للمساعدات الإنسانية في الشمال السوري خلال جلسة للتصويت في مجلس الأمن الدولي المزمع عقدها في 11 تموز/يوليو المقبل، واحتمال استخدام روسيا حق النقض (الفيتو) لإيقاف إدخالها من معبر باب الهوى الحدودي الذي يشكل شريان الحياة الوحيد لمناطق شمالي غربي سوريا”.
وأضاف: أنَّ “التصعيد يرتبط أيضاً مع اقتراب موعد انتهاء المهلة الروسية لتركيا وفق اتفاق وقف إطلاق النار الموقع بين الطرفين في 5 مارس/آذار 2020، من أجل حل مسألة (الجماعات المتشددة في إدلب) بالطريقة التي تريدها موسكو، لذلك توجه وفد تركي برئاسة أونيل سادات، يوم الثلاثاء، إلى روسيا بعد وصول تهديدات روسية وتحذيرات استخباراتية غربية من تصعيد في إدلب”.
لكن على ما يبدو أنَّ مهمة الوفد التركي الذي التحق به قطريون أيضاً لم تلقَ ترحيباً من موسكو فقررت توجيه هذه الرسالة الدموية، وهذه الرسالة ربّما تكون مقدمة لتصعيد واسع أو ابتزاز من أجل تقديم تنازلات معتبرة، وفي كل الأحوال الأمور لن تتطور بسرعة لأنَّ الهجوم العسكري المباشر على إدلب “لم يعد نزهة” كما كان من قبل وروسيا تعمل لذلك حساب. وفق “حسين”.
وتناول اللقاء الروسي – التركي، تحضيرات “الاجتماع الدولي السادس عشر” في إطار مسار “أستانا” حول الشأن السوري، فضلاً عن تبادل وجهات النظر بشأن إطلاق المسار السياسي بين الفرقاء السوريين بما في ذلك عمل اللجنة الدستورية في جنيف، وجرى خلاله التأكيد على الالتزام بسيادة سوريا ووحدتها وسلامة أراضيها، وأكدت على تطبيق الاتفاقيات المبرمة بين تركيا وروسيا بشأن وقف الأعمال العسكرية في سوريا، ومكافحة “الإرهابيين الدوليين”.
رسائل دولية من روسيا
الصحفي بسام الرحال، المتواجد في محافظة إدلب، أشار إلى أنَّ التصعيد العسكري على إدلب يتزامن مع القمة المزمع عقدها في 16 حزيران/ يونيو القادم بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأمريكي جو بادين، والتي على ما يبدو أنَّ الملف السوري سيكون حاضراً على طاولة الزعيمين بقوة.
وعليه فإنَّ روسيا تسعى دائماً قبيل أي قمة أو اجتماع يخصّ القضية السورية إلى إثبات وجودها كقوة عسكرية حاضرة على الأراضي السورية، لإغلاق الباب أمام أي تحرك قد يؤدي إلى إجبارها على الانسحاب من سوريا.
وأضاف “الرحال” في حديثه لـ”حرية برس”، أنَّ استمرار قصف الطائرات الروسية للشمال السوري المحرر، هو عبارة عن رسائل دولية تريد روسيا أن توصلها للمجتمع الأوربي والغربي وعلى رأسهم الولايات المتحدة، بأن ماضية قدماً في دعم حليفهم بشار عسكرياً حتى النهاية.
ويتم ذلك عبر إيجاد حالة من عدم الاستقرار في الشمال السوري، لمنع التقدم باتجاه أي عملية سياسية قد تؤدي إلى الاطاحة بنظام بشار الأسد، وذلك لأي التحرك السياسي لا بد له من حالة هدوء عسكري على كامل أراضي المنطقة.
مصادر عسكرية، تتوقع بأنَّ قوات الأسد ليست بصدد فتح عمل عسكري، ولم تشهد المنطقة تعزيزات على خطوط المواجهة معها، فالقصف لم يتوقف إنما ارتفعت حدته الخميس، ويستبعد عسكريون أن يلجأ الروس والنظام إلى خيار التصعيد الشامل في المنطقة لأنَّ المشهد السوري يخضع لتوازنات دولية تلعب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي دوراً فيها.
وهناك أربعة ملايين مدني في محافظة إدلب ضمن بقعة جغرافية صغيرة، بينهم أكثر من مليوني مهجر قسراً نصفهم يعيشون في مخيمات الشريط الحدودي، وأي عمل عسكري واسع النطاق يعرّض حياتهم للخطر، وهو ما يؤدي ربما إلى اختراق الحدود التركية من قبل المهددة حياتهم، وهو ما لا تريده تركيا والغرب عموماً.
وكانت فرق الدفاع المدني السوري استجابت خلال الأيام الخمسة الماضية من التصعيد العسكري لأكثر من 35 هجوماً جوياً ومدفعياً، تم فيها انتشال جثامين أربعة أشخاص، فيما تم إنقاذ وإسعاف 11 شخصاً آخر على قيد الحياة.
وبالتالي بدأت حركة نزوح واضحة منذ بدء التصعيد يوم السبت الماضي (5 حزيران الجاري)، ولكنها تضاعفت بعد المجزرة، حيث اتجهت عشرات العائلات نحو ريف إدلب الشمالي مجدداً بعد أن كانت عادت لقراها ومنازلها خلال الفترة الماضية بعد الهدوء النسبي لجني محاصيلها الزراعية، وخاصة أن الزراعة تعتبر مصدر الدخل الوحيد لأغلب سكان المنطقة، ولكن الأهالي تركوا محاصيلهم الزراعية وفروا بأرواحهم خوفاً من القصف والاستهداف المباشر، إلى المخيمات حيث مقومات الحياة المعدومة.
وحسب تقرير للدفاع المدني، أنَّه بالرغم من اتفاق وقف إطلاق النار الذي مضى عليه نحو عام وثلاثة أشهر إلا أن قوات الأسد مستمرة بخروقاتها لمنع الاستقرار وإجبار المدنيين على النزوح فمنذ بداية العام الحالي استجابت الفرق لأكثر من 550 هجوماً من قبل النظام وروسيا، تسببت بمقتل 71 شخصاً بينهم 13 طفلاً و10 نساء، فيما أصيب أكثر من 165 شخصاً بينهم 7 أطفال، وتركزت الهجمات على الحقول ومنازل المدنيين ومراكز البلدات التي شهدت عودة الأهالي إليها خلال الفترات الماضية.
وتتعاظم المخاوف من موجة نزوح كبيرة نحو مخيمات الشمال المهددة أساساً بكارثة إنسانية مع اقتراب موعد التصويت في مجلس الأمن حول آلية إيصال المساعدات الإنسانية عبر الحدود ولا سيما أن التجارب السابقة تؤكد أن روسيا والنظام يتعمدان التصعيد الممنهج على الأرض لخلط الأوراق والتفاوض فوق الدماء والاشلاء.
عذراً التعليقات مغلقة