شهدت مدن وبلدات الجزيرة السورية اليوم الثلاثاء احتجاجات شعبية واسعة ضد قوات سوريا الديمقراطية “قسد” وإدارتها الذاتية على خلفية رفع أسعار المحروقات دون مراعاة للأوضاع المعيشية الصعبة التي يعيشها السكان مع أن المنطقة تعوم على بحر من النفط والغاز، حيث قررت هذه الإدارة مضاعفة أسعار المحروقات والغاز بطريقة غير مدروسة رغم عدم وجود أسباب موضوعية تدفعها لاتخاذ هذا القرار.
يبدو أن غياب رغبة “الإدارة الذاتية” في تحسين الواقع الخدمي والمعيشي للمدنيين بسبب استمرار تحكّم قيادات من حزب العمال الكردستاني بالقرار، مقابل الاستمرار في بيع المحروقات والغاز إلى نظام الأسد، وسوء إدارة وتوزيع الموارد رغم وفرتها، إضافة لمحاولة التغطية على ملفات فساد كبيرة تم الكشف عنها مؤخرا في جسم هذه الإدارة تمثل الأسباب الرئيسية لما وصل إليه الوضع الحالي، وكل الحديث عن فقر بالموارد وضعف بالإمكانيات تنفيه الوقائع، إذا تسيطر قسد على معظم حقول النفط والغاز في سوريا التي تدر عليها ملايين الدولارات شهريا دون الكشف عن مصير هذه الأموال أو استخدامها في تحسين الظروف المعيشية للسكان.
امتازت الاحتجاجات الشعبية اليوم بشموليتها، فقد شملت معظم مدن وبلدات محافظة الحسكة ، كما شارك فيها مختلف مكونات المجتمع من عرب وكورد وسريان ومختلف الفئات من مثقفين وصناعيين ومزارعين، واختلفت مظاهرها ما بين التظاهر السلمي والاعتصامات إلى قطع الطرقات وإغلاق الأسواق ورفع لافتات منددة بالقرار وصولا إلى الاحتجاج على وسائل التواصل الاجتماعي.
واجهت قسد لهذه الاحتجاجات بكيل الاتهامات للمحتجين واتهامهم بالعمالة للنظام أو لتركيا او أنهم اتباع لـ “داعش”، مبررة لنفسها قمع التظاهرات، خاصة في مدن جنوب الحسكة، حيث قتلت قوات “قسد” بالرصاص الحي عدد من المتظاهرين في مدينة الشدادي وريفها، وهذا السلوك بشكل أكيد سيسهم في زيادة الغضب الشعبي، وربما يؤدي إلى تطور الأمور إلى مستويات تصاعدية أخرى.
أما تراجع قسد عن قرار رفع سعر المحروقات بعد هذه الضغوط الشعبية سيشكل دافع قوي للمدنيين لتشكيل عامل ضغط جديد على “الإدارة الذاتية” لتحسين الظروف الاقتصادية في المنطقة، وزيادة وعي شعبي بأهمية طرق الاحتجاج اللاعنفي بعد عدة سنوات من الحرب والصراع شهدتها هذه المنطقة من سوريا بعد عقود على الإهمال، ما أنتج دمارا واسعا وتراجعا اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وقحطا سياسيا جاءت قسد لتعززه من خلال فرض الضرائب والسياسيات الاقصائية والمناهج التعليمية وفرض أيدولوجيات غريبة عن الأهالي.
تشكّل هذه الاحتجاجات لبنة جديدة يعوّل عليها لتغيير الواقع الحالي الذي يشهد سلسة تراكمات اقتصادية وسياسية يعاني منها سكان المنطقة بسبب السياسية الاقصائية التي تمارسها قسد في إدارة المنطقة ومواردها، وربما تتطور هذه الاحتجاجات إلى حراك سياسي أكثر تنظيمًا يشكّل عامل ضغط على القوات الدولية الموجودة في المنطقة لتحسين الظروف الخدمية والاقتصادية وفسح مجال أمام فضاء سياسي تشاركي أوسع، يشمل الجميع وينهي حقبة الاقصاء.
عذراً التعليقات مغلقة