لبابة الهواري – حرية برس:
تلقيت عدّة رسائل في الفترة الماضية تدور أسئلتها عن كيفية اجتياز صدمة الانفصال والعودة إلى الحياة الطبيعية.
ولعل إدراك الشخص لحجم المشكلة يعدُّ أول خطوات الحل..
سأحاول أن أكتب هنا بعض النقاط التي قد تعطي إضاءات في سبيل الوقوف من جديد واجتياز الصدمة
بداية لا بد من التوقف عن طرح سؤال (لماذا أنا؟) الذي لا جواب له في الكون بأسره، إذ لا أحد يستطيع تبرير التجارب السيئة، ما حدث هو قدر لن نستطيع تغييره، ساهمنا بصناعته بطريقة ما سواء بقرار مباشر منا أم بقرار غير مباشر عبر استسلامنا لقرارات الآخرين والسماح لهم بتحديد مصائرنا، فنحن أول مسؤول عما حدث وسؤال (لماذا أنا) يسحبنا نحو دور الضحية ويجعلنا متجردين من اي مسؤولية تجاه ما حدث، وهذا أمر غير منطقي، ففي الانفصال تقع المسؤولية على الطرفين.
أما الأمر الآخر الذي يجب التوقف عنه فهو لوم الذات، لا سيما إن كان قرار الانفصال نتيجة لخديعة تَبَيَّنَت حقيقتها لاحقًا، فيبدأ المرء بجلد نفسه بمجموعة من الأسئلة مثل (كيف تم استغبائي، لماذا لم أنتبه سابقًا؟ لماذا وثقت؟)
وتحت هذه الأسئلة تبدأ الصراعات النفسية ما بين جلد الذات ومحاولة التبرير، تنتهي غالبًا بانهزام داخلي وضعف ثقة بالنفس يتزايد مع الوقت.
أيضًا في حالة وجود أطفال لا بد من التوقف عن لوم الذات فيما يخص ظلم الأطفال أو حرمانهم من الطرف الآخر (أم أو أب) أو التقصير في حقهم مستقبلا، والخوف من عدم أداء حقوقهم. وهنا أشير إلى أن القيام بمسؤولية الوالد المزدوجة (أم/أب) هو أمر صعب لكنه غير مستحيل، والنماذج الناجحة حولنا كثيرة، وعبارة (كان تحملت/تحملتي مشان أطفالك) هي عبارة سلبية لا مصلحة للأبناء فيها، فالهدوء والطمأنينة والأمان النفسي هو أول مواصفات البيئة الصحية لنمو الأطفال.
سيلاحظ من مرّ بهذه التجربة أنه فقد الثقة في الآخر، وصعوبة التفكير بقرار الارتباط من جديد.. ما أريد قوله هنا أننا تربينا بشكل عام على الوثوق الأعمى بمن حولنا من أصدقاء وأقرباء وغيرهم، دون وجود مساحة للتفكير، ولا أعتقد أنها الطريقة الصحيحة في التعاملات الإنسانية، فمن الصواب دومًا وضع جميع الاحتمالات وترك الباب مشرعًا لجميع التوقعات، دون الوثوق الكامل الذي يوقع صاحبه بصدمة يصعب تجاوزها، وأما عن بناء ثقة مع شريك جديد؛ فالثقة تُبنى بالمواقف، ويُزال الشك بالمواقف، والعاقل من أبقى عقله يقظًا.
الاكتئاب قد يكون أول محطة بعد الانفصال، وليس بالضرورة أن ندرك ذلك، وربما تكون بوادر اكتئاب كالانسحاب من الحياة، والبكاء لساعات، وأحيانًا الهروب إلى النوم باستمرار للتوقف عن التفكير، وعدم الرغبة بأداء أي مهمة. ليس عيبًا أن نقف في هذه المحطة، العيب عدم تجاوزها، ولن يعينك أحد على اجتياز الاكتئاب إلا نفسك وإدراكك للأمر.. قد تستطيع فعلها بخطوات بسيطة مثل إجبار نفسك على ممارسة أعمالك وأنشطتك والحد من ساعات النوم وممارسة الرياضة والكتابة وغيرها، وقد تحتاج إلى مساعدة خارجية (كمتخصص نفسي)، ولا عيب في ذلك.
أما عن القلق من مشاعر عائلاتنا نحو ما نعيشه فمشاعرهم طبيعة، أتت نتيجة خوف وقهر على عزيز، لكن الاستمرار في ممارسة دور الضحية والاستسلام يعمل على تضخيم الأمر عندهم لذا فإنه من الطبيعي أن نساعد عائلاتنا على الاعتياد على الأمر وإخراجه من دائرة القهر، وذلك بأن نبدأ نحن بالتعايش مع ما حدث واجتيازه، فكلما تأقلمنا على الحياة الجديدة بشكل أسرع وانخرطنا بأعمالنا كلما اجتازت عائلاتنا معنا هذا الأمر..
وأعتقد أن أول خطوة في هذا الطريق هو التوقف عن لعب دور الضحية، فلن يجلب هذا الدور سوى مزيدًا من الشفقة.
من المهم أيضًا التوقف عن الحديث فيما حدث، سواء مع العائلة أو مع من يحاول فهم التفاصيل وغيرها، لن يجلب الحديث فيما حدث سوى مزيدًا من التراجع والقهر والعودة إلى الوراء، والكثير من المشاعر التي ستعيش معنا مدة أطول بكثير من مدة الحديث.
وسواء كانت مدة العلاقة طويلة أم قصيرة؛ فإن العودة للعمل والدراسة والإنتاج وبناء الأهداف وتحقيقها ليس صعبًا، فمرور سنوات العمر لا تقف عائقًا أمام الانخراط بالحياة من جديد والإنتاجية فلا تصدق كذبة (راحت علينا) ولنكن أمثلة لانفصالات ناجحة.
وأكرر مرة بعد أخرى.. لن يساعدك أحد كما نفسك
لذا إن كنت تدرس تابع دراستك دون توقف، إن كنت تعمل إياك أن تحصل على إجازة في هذا الوقت، إن كنت تحب الرياضة مارس رياضتك، واملأ وقتك حدّ التخمة، بعدها سيمضي الأمر مع الوقت.. ويهدأ القلب ويتزن العقل وتستطيع بعدها دراسة تجربتك بمنطقية وتحليلها بموضوعية ووضع يدك على أخطائك وما تسببت به هذه الأخطاء لتعمل على تجاوزها في المرات المقبلة، وتبدأ من جديد بخبرة عظيمة لم تكن لتحصل عليها دون ما حدث، ودائما علينا التذكر أننا جزء من الصواب والخطأ فلسنا ضحايا بالمطلق ولا جلادين بالمطلق ولا مظلومين بالمطلق ولا ظالمين بالمطلق، فنحن جزء لا يتجزأ من هذا القرار وإدراكنا لهذا الأمر يجعل نظرتنا لمحاكمة الانفصال موضوعية متزنة.
وأكرر أيضًا .. كنت هناك مكانك.. وأنا هنا أحدثك من واقع وتجربة ..
Sorry Comments are closed