تابعت خلال الأيام الماضية معظم ما كتب عن الذكرى العاشرة للثورة السورية، أو بعبارة أخرى عن مرور عقد على الثورة السورية، ولعل الذكرى هذه السنة تحمل خصوصية من نوع ما تتمثّل بداية بمرور عقد كامل على الثورة برز في آخره طرح صريح من المعارضين للوضع السياسي، بالإضافة إلى ترافق هذه الذّكرى بحركة سياسية قطرية تركية روسية تهدف للوصول إلى حل ينهي الوضع المتأزم، هذه الخصوصية أدّت إلى تتالي مقالات الرأي والتقارير والاخبار والوثائقيّات التي انصبّ جلّها على تحليل الوضع الحاليّ، أو المقارنة بين بدايات الثورة وما آلت إليه الأمور اليوم، أو ذكريات لأشخاص أو أحداث في الثورة السورية، كذلك فقد تركزت المراجعات المقدمة عن السنوات العشر على أدوار المؤسسات والتجمعات الوطنية، وأدوار الائتلاف والمعارضة خلال هذا العقد سواء على الصعيد السياسي أم العسكري، مع تسليط الضوء على أماكن الاخفاقات والنجاحات، والخطوات التي يجب المضي فيها قدمًا بالعقد الجديد.
لكن لم يحظ الأفراد بأي مراجعة أو مقال أو تقرير يتحدث عن الدور الفردي للأشخاص في الثورة والمراجعة الفردية ودراسة الوضع الفردي، ولتوضيح الصورة أكثر؛ بدأت الثورة بجهود أفراد اختاروا التعاون فيما بينهم لتشكيل حراك شعبي يعبر عن مطالب مشتركة للجميع، فكان كل فرد عامل أساسي في نجاح الأمر واستمراره في البدايات، فالأفراد عملوا على تنظيم المظاهرات، وتوثيق الأحداث، والبث المباشر ونقل الخبر وتأمين أجهزة الثريا، وغيرها من الجهود التي ساهمت في النجاح، فالثورة في أساسها أفراد اختاروا هذا الطريق. ومع تحول العمل إلى جهد مؤسساتي وتجمعات وفصائل أصبح من السهل بمكان – بعد عقد من الثورة – الإشارة بأصابع الاتهامات وتأخر النصر وكل ما آلت إليه الأمور إلى جهات معينة تحت ما يسمى “أصحاب صناعة القرار”، الأمر الذي يجعل الأفراد في حِلٍّ من المسؤولية ويعطي إبرة موروفين طويلة الأمد تدخل الضمير في راحة أبدية تجاه كل الدّم المراق على الأرض طيلة عشر سنوات، فالائتلاف والمعارضة والفصائل العسكرية وغيرهم يحملون المسؤولية، وعليهم تعود المحاسبية!
هذا التفكير الذي يجعل المراجعات والنقد والملاحظات توجّه إلى الجهات المختلفة دون الوقوف على الدور الفردي الذي ساهم بطريقة أو بأخرى إلى ما وصلت إليه الثّورة، وأكاد أجزم أن هذه الفكرة تسيطر على معظم أفراد الشعب السوري الذين يقفون بعيدًا عن العمل المؤسساتي أو لم ينخرطوا بتجمعات معارضة أو جماعات معينة، حتى الذين انخرطوا منهم بالعمل السياسي أو المؤسساتي فإنهم إما ما زالوا في مرحلة إنكار للفشل الذي ساهمت الجهة التي ينتمون إليها في صنعه، أو يعلّقون السبب على شماعة مؤسسات أخرى، أو على أفراد بعينهم.
ولو أردنا أن نكون أفرادًا فاعلين في تحمل مسؤولية ما آلت إليه الأمور بعيدًا عن الدور المؤسساتي والفصائلي المعارض؛ لتوجب علينا الوقوف وقفة جادّة مع أنفسنا لمراجعة السنوات العشر الأخيرة من منظورنا كأفراد، فنقف على ما قدمناه طوال تلك الفترة، وندرس ما ساهمنا به، وكل القرارات التي اتخذناها من أجل الثورة، ونحلل إيجابيات ما فعلناه وسلبياته، ثم نضع يدنا على أماكن الإخفاقات ونقدم الحلول التي نستطيع فعلها كأفراد، ونحاول الإجابة على السؤال الأهم: ماذا نريد؟ وإلى أين نريد الوصول؟ تمامًا كما نفعل عند تحديد الأهداف، فنعمل على وضع هدف طويل المدى، ثم نقسمه لأهداف صغيرة، فأعمال صغيرة يومية نستطيع من خلالها إنجاز ما نسعى إليه.
ولا أقول إنني أدعو إلى العمل الفردي بعيدًا عن المؤسسات، بل أدعو إلى المراجعة الفردية التي تنظمنا كأفراد، وتجعلنا قادرين مرة أخرى على الانخراط بالعمل للثورة بتنظيم ووعي وتحديد للبوصلة، فالهدف حين نضعه يتقاطع بطريقة أو بأخرى مع مؤسسة ما أو جمعية ما، نستطيع الانضمام إليها لدعم هدفها وتحقيق هدفنا. هذا التنظيم الفردي الجماعي سيعيد هيكلة الوضع، ويساعد في حركة حقيقة من الأفراد لنصرة الثورة بعيدًا عن التنظير وبيع الشعارات والتنصل من المسؤوليات. سواء على الصعيد السياسي، أو الطبيّ، أو التعليمي، أو الاجتماعي، أو أي صعيد يستطيع الفرد العمل فيه.
كما بدأت ثورتنا بصناعة فردية مشتركة تنتهي بنصر يصنعه أفراد منظمون يعرفون ما يريدون ويسعون إليه مدركين كيف تدار الأمور فرديًا جماعيًا، فالأدوار الفردية والجماعية لا تتنافر ولا تتعارض بل تمشي جنبًا إلى جنب تكمل بعضها، والبعد عن العمل المؤسساتي أو المنظم لا يعفي أحدًا من مسؤولية ما يحدث، لا سيما مع كون الثورة هي الطريق الذي اخترنا للوصول إلى سورية الجديدة.
جزاكم الله خيرا على ما خطته أناملك في الدفاع عن الحق وأهله