ربيع المعتقل والحرية

فريق التحرير23 يناير 2021آخر تحديث :

حرية برس – عزام الخالدي:

هذه قصة حقيقية روتها إحدى الناجيات من معتقلات النظام السوري

المكان: داخل أقبية سجون الأسد بدمشق / الزمان: 10-1-2014

بعد انقضاء اليوم الأول من لحظة الاحتجاز، وقبل أن يدخل علي أي شخص كان، لم أكن أسمع إلا أصوات التعذيب، وصوت الجلاد بجانب زنزانتي، وصوت تنظيف الأراضي ومسحها من بعد كل تعذيب، كانت المنفردة موحشة جدًا، الظلام يخيّم عليها تماماً (…) لا بصيص نور، ولا كذلك أمل.

تم إدخالي باليوم الثالث إلى غرفة التعذيب، وسؤالي للمرة الأخيرة .. هل ستعترفي على التهم الموجهة إليك، فبقيت صامتة ولم أجب، فانهال علي الظُّلّام بالضرب والتعذيب، وأنا لا أزال صامتة لا صوت ولا حِراك.

تم أخذي إلى المنفردة مجددًا، لكن هذه المرة معي أحد وحوش هذه العصابة البعثية، حاول لمدّة 10 دقائق أن يتظاهر بالتعاطف معي، ثم أراد الاعتداء علي، لكنني دفعته وبدأت بالصراخ إلى أن ذهب، فكانت تلك ليلة سوداء لا تزال منقوشة بذاكرتي.

مشكلتي لا أعلم كيف أعبّر عن الأشياء التي صارت معي، لكني كنت أعلم أنني سأمكث طويلاً في السجن (…) ربما حتى الموت، لا أعلم، لكني كنت دائمًا أدعي لأهلي، وهذا الشيء لم يفارقني حتى خرجت من السجن.

بعد أن تحوّلت إلى أحد أفرع دمشق، ضمن سجن جماعي يحتوي الكثير من النساء المسجونات ظلمًا، أصبحت أمضي 6 ساعات يوميًا بالخرز، كما وأنني كنت أصنع الحلوى للمعتقلات، وأيضاً كنت أصمم بالخرز أشياء تحمل اسمي، بدأت أرسم لحياة داخل الحياة الكبيرة.

الحكاية تطول جدًا، وتعجز الكلمات عن وصف تلك الليالي البائسة التي كنت أعيشها كل يوم، كانت بالنسبة لي أبشع محطات الحياة، وأوجع ذكرى بتاريخ حياتي.

“ظلال صالحاني” كانت من أنبل الصديقات التي عرَفَتها ضمن أقبية الأسد المظلمة، فهي من أوقد لها سراج أقتدت به حتى خرجت.

“قالتلي ظلال رح علمك شغلات كتير رح تفيدك، بس لا تسأليني ليش، في أوراد معينة لازم تقرأيها بأوقات معينة، سمعت منها وثابرت عليهن، وبالفعل 4 شهور وطلعت، ظلال كانت حافظة لكتاب الله، كان عندها أمل كبير أنها رح تطلع، خبرتني مرة أنها رح تطلع وقريبة طلعتها، ولساتني على أمل خروجها من سنين”.

أكثر يوم بكيت فيه هو يوم خروجي من السجن، لأن قبلي خرجنَ معتقلات بعد عهود ووعود قطعوها، لكنهن غبن إلى الآن.

في السجون هناك الكثير من القصص والحكايات، هناك الكثير من الأحلام والطموحات، هناك بشر من لحم ودم وحلم، يريدون فقط أن يستنشقوا الحرية من جديد.

رأيت الكثير من الأشخاص النبلاء، الذين سجوا ظلمًا بتلك السجون، منهم لا يزال هناك منذ زمن طويل، لا أحد يعرف عنه ولا عن مصيره شيء.

كل من خرج من هناك يعلم ماهي وحشية نظام الأسد، وكيف تمارس بحق المعتقلين أبشع طرق الإجرام، وصور قيصر شاهدة على ذلك.

أود أن أقول لجميع المعتقلين والمعتقلات في سجون الأسد، أنني لم أنساكنَّ إلى الآن، وأنا على أمل اللقاء بكنَّ كل يوم، وسأبذل كل طاقتها من أجلكنَّ، ولن أتخلى عن المطالبة بالإفراج عنكنَّ حتى نيل الحرية.

وأقول للجميع، كونوا أوفياء من أجل أؤلئك المعتقلين، كونوا حريصين على إخراجهم من تلك المقابر، لا تنسوهم .. تذكروهم دائمًا.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل