في اليوم العالمي للطّفولة

لبابة الهواري20 نوفمبر 2020آخر تحديث :
لبابة الهواري

المجدُ لِمن أطلق شَرارتها مرة أولى بأصابع لم تعرف الزيف، على جدران مدرسة شهدت أعوام الثورة، قبل تغيَّر مصير البلاد!

المجد لمن سُجنوا ولم تشفع لهم طفولتهم، وعُذبوا مثل الكبار، وكُسِّرت أضلعهم، وقُلِّعت أظافرهم ثم استقبلتهم الجنَّة عصافير تَحْتَرِف الحرية.

المجد لمن حَملوا الهمَّ كبيرًا يفوق هامتهم طولًا، يساومون الحياة على أقدارهم، يراهنون على النجاة الأخيرة، ويرفعون شارات النصر كلما لمحتهم عدسة كاميرا الفضوليين!

المجد لأبناء الشهداء، أيتام آباء وأمهات، أودعوا الأمان في القبور ثم عادوا لإكمال المشوار.

المجد لمن رأوا أصدقاءهم في مقاعد الدراسة شهداء، يشيعونهم إلى مثواهم، ثم في يومهم التالي يجلسون قرب مقاعدهم، يقصّون عليهم ما تبقى من حكايا اليوم، وينهون الحديث بـ “اشتقنا”.

المجد لأخت شهيد زفته يوم جنازته عريسًا، بأعوامها التسعة تبكيه وتقول “راح الحنون”.

المجد لأخ شهيد لم يفهم معنى ارتفاع الروح إلى الجنة، بقيت أعوامه الخمسة تبحث عن الطريق وكلما لمحَ طيفًا جديدًا سأل “بتعرف طريق الجنة؟ دلّني عليه”.

المجد لأطفال خرجوا من تحت الأنقاض شيبًا تختلط ملامحهم بملامح الأرض، يحملون من لونها الكثير، ثم غص الدمع بعيونهم ولفهم الذهول، بقوا صامتين أمام العدسات، ساخرين من لحظة اقتناص الصورة، ملامحهم تختصر حكاية الوطن!

المجد لمن شهد مجزرة الكيماوي، لمن رأى أفراد عائلته يتساقطون أمامه، واحدًا تلو آخر، يعدّهم في فاجعة، ويبقى ثابتًا في مكانه، وحين يُسأل عنهم يقول “راحوا كلهم .. ما ضل حدا”.


المجد لمن أصابتهم شظايا وقذائف شوَّهت تفاصيل الطفولة في وجوههم، تركت الحروق عليها أثرًا لا يمحوه الزمان، ثم استطاعوا بعد ذلك الابتسام!

المجد لمن أفقدتهم الحرب أطرافهم، يدخلون معركة تفوق عمر العالم حجمًا وثقلًا وهمًّا، ليساوموا على مستقبلهم بأطراف ناقصة، وعقول كاملة، ثم يضحكون!

المجد لمن تركوا مدارسهم، يعيلون عائلاتهم أو ما تبقى منها، يخرجون كل صباح قبل الشروق، يعدون أجرهم في نهاية اليوم، ويقسمون على تغيير القدر في الغد، ثم يطوف النوم بهم ليكرروا الحكاية في الصباح!

المجد للساكنين الخيام، المشردين داخل الوطن وخارجه، يقاومون المناخ الذي يمرّ من أجسادهم، يجعلون من خيامهم واحات لعب، ويطيرون فرحًا بقطع الملابس الجديدة حين يحصلون عليها في شتاء يدق عظمهم الطّري!

المجد لمن مشوا مع عائلتهم طريق الغربة، ظنوا أن الرحلة قصيرة، والعودة قريبة، ثم اكتشفوا بعد ذلك أن الوطن لا يسكن الغربة ولا الأفق الممتد!.

المجد لقوافل الشهداء من الأطفال، لا تنقطع منذ سنين، يزورون السماء كل ليلة، عصافير تملأ الجنة، تغرد بين الغيوم، تستقبل الصاعدين، وتتلوا على بقايا الوطن آيات الثبات!

المجد لأطفال بلدي… من عاشوا طفولة استثنائية.. وغدوا رجالاً أبطالاً وشهداء!

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل