نعمة العلّواني .. سجينة الفكرة

فريق التحرير11 نوفمبر 2020آخر تحديث :

عزام الخالدي – حرية برس:

مضت عشر سنوات من عمر الثورة السورية التي خرجت ضد استبداد “نظام الأسد” وللمطالبة بالحرية والتغيير، لكن أجهزة الأمن التابعة للنظام السوري بدأت منذ الصيحة الأولى بشنِّ حملات إعتقال لا يفرقون بها بين كبير أو صغير، رجل أو امرأة..

55 ألف صورة وثّقت مقتل 11 ألف معتقل “تحت التعذيب” في سجون ومعتقلات نظام الأسد، سرّبهم “قيصر”، إلّا أن العالم وقف عاجزاً دون تحريك ساكن أمام تلك الصور الشاهدة على مجازر النظام بحقِّ المدنيين السوريين الذين رفضوا العيش تحت سطوة الدكتاتورية والحكم البعثي المتسلط على رقاب العباد منذ عقود.

نعمة العلّواني ناشطة صحفية، معتقلة سابقة في سجون الأسد، مثلها مثل آلاف المعتقلات اللّواتي يقبعن في أقبية الظلم التي لا ترحم، تروي قصتها قائلة:

أنا نعمة العلّواني من مواليد 8-1-1992 أنحدر من مدينة حِمص السورية، مثلي مثل بقية الثائرين، خرجت مطالبة بالحرية والكرامة وإسقاط النظام السوري بعد المظاهرات التي خرجت بآذار 2011.

عملت منذ البداية على توثيق المظاهرات التي كانت تخرج من مدينتي، كناشطة تحاول نقل صورة هؤلاء الناس، حتى يسمع صوتهم العالم أجمع، لكن قبضة الظالم كانت محكمة، وكادت أن تكون قاتلة أيضًا، ليس ذلك ما مورس بحق “نعمة” فقط بل شرب من هذا الكأس آلاف السوريين.

اعتقلت بفرع الأمن السياسي في مدينة طرطوس بتاريخ 20-10-2013 بعد أن وصلت ركابنا إليها، طبعًا جاء ذلك بعد رحلة تهجير طويلة، من حمص إلى داريا إلى طرطوس.

كانت تهمة الإعتقال كبيرة، وقد تؤدي بحياتي إلى الموت، فقد كانت التهمة هي نقل الأسلحلة من ريف طرطوس إلى مناطق الثوار، وجذب العناصر التابعة للنظام السوري..

كنت الفتاة الوحيدة بالفرع آن ذاك، فكانت معاملتهم مستفزة للغاية، فكنت بمثابة القطعة الشهية التي ستكون مصدر معلومات عن المناطق التي قطنت بها.

عشت هناك مرحلة عذاب نفسيّة، فأنت مجهول التهمة، لا تعلم متى يدخل ويخبرك أنك فعلت هذا الأمر، وتجبرك قسوتهم على الإقرار بمالم تفعله أو تعلم عنه شيئًا

تحولت من طرطوس إلى فرع الأمن السياسي في دمشق، كانت رحلة الطريق شاقة ومتعبة، خصوصًا أنها مرحلة خطرة والاشتباكات دائرة بين النظام والثوار.

أذكر أن نافذة الحافلة التي كانت تنقلنا إلى دمشق كانت مكشوفة، فحين مررت بأطراف حمص شعرت كم أنا أسيرة، أسيرة وطن، أسيرة فكرة، أسيرة ثورة، أسيرة الكلبشات التي بيدي.

كانت لحظات تحبس الأنفاس، شعرت أنني كطائر يحلم بالحرية وهو بداخل قفص يقيّد جسد من لحم ودم وحلم، والذنب الوحيد أنني طالبت بالحرية.

رأيت خلال فترة السحن كل طبقات المجتمع، الغني والفقير، المسيحي والسُّني والدرزي وحتى العلوي أحيانًا، بحجج مختلفة وتهم متفرقة تصب في المساس بأمن الدولة كما يدّعون.

الجو كان شتويّاً بارداً، رأيت مشاهد مؤلمة، بشر بدون لباس، بدون أحذية، بدون دفء، شعب بأكمله يعيش داخل السجون دون أدنى مقومات الحياة.

بعد أن وصلت لفرع الأمن السياسي في دمشق كان الاستقبال بالضرب والتوبيخ والإهانات والأصوات المرتفعة، شعرت أنني أسير نحو الموت حرفياً، لا أعلم مالذي ينتظرني بالداخل، أسير إلى المجهول..

خرجت بعد عدّة أشهر من السجن، وأنا الآن خارج القضبان، أتنفس الحرية من جديد، لكن بقي هناك الكثير من المسجونين ظلمًا، غيّبتهم أقبية الأسد عنا سنين طويلة، هؤلاء هم ضحية الصوت والكلمة، هم ضحية ثورة طالبت بالحقوق المسلوبة، كانوا فقط يحلمون أي يعيشوا حياة كالحياة لا أكثر.

الرسالة التي أود أن أوجهها أن المعتقلين هم أُناس حقيقيون موجودون حتى لو نسيناهم، هم أشخاص يعانون حتى اللحظة، ومازال الألم مستمراً ويتكرر كل يوم، يجب أن نكون على وعي بهذا الأمر، وليس فقط أن نسرد أحاديثهم كحبر على ورق..

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل