ضياع الحقوق، نظرة على قضية الاغتصاب!

لبابة الهواري5 يوليو 2020آخر تحديث :
ضياع الحقوق، نظرة على قضية الاغتصاب!

لم أستطع المرور بقضية الطفل السوري الذي تمّ اغتصابه في لبنان دون الوقوف عندها والكتابة عنها، أدرك جيدًا أنها ليست القضية الأولى من نوعها، رغم بشاعة الحادثة ووحشيتها إلا أنها حملت في طياتها وجعًا مختلفًا عن بقية القصص التي كانت تصل إلينا عن حوادث خطف واغتصاب تنتهي في معظم الأحيان بقتل الطفل ورمي جثته في مكان ما بعيد عن الأنظار لتسجّل الحادثة بعد ذلك “ضد مجهول”.

هذه المرة كان علينا أن نلعن التكنولوجيا ونشكرها في الآن ذاته، ففي الوقت الذي أسهمت في فضيحة الجناة عبر الفيديو، حملت في الآن ذاته صرخات الطفل الذي كان يستنجد بأي كائن يسمعه في محاولة للدفاع عن نفسه، وأحسب أن أمه علمته الصراخ حين يقترب أحد منه لإيذائه، لكن الفضاء كان أوسع من إيصال صوته ليبقى مكتومًا سنوات قبل أن تفضح القصة، وتظهر بعد ذلك التفاصيل المختلفة التي هزّت كل من ما زال يدافع عن الإنسانية، فتكرار للحادثة على مدى سنوات من جهة، وتعدد الجناة وتناوبهم على الطفل من جهة أخرى كلها تفاصيل لم يسبق ظهورها في قصص مشابهة.

ولست بصدد الوقوف على الأحداث الموجعة والوحشية الممنهجة في هذه الحادثة، لكن التفاصيل التي ظهرت في قصة الصبيّ تجعلنا نقف عند نقطتين إحداهما نتيجة للأخرى، النقطة الأولى هي ضياع حق هذه العائلة بالنفقة إثر الطلاق، الأمر الذي أدى للنقطة الثانية وهي عمالة الطفل.

لم ألحظ توقفًا من أحدٍ عند هذه النقطة التي أدت إلى التحول في حياة العائلة، كأنها تفصيل صغير لا يستحق الوقوف عنده، لكن حقيقة لو أمعنا النظر في قصص المطلقات لوجدنا أن أروقة المحاكم تعج بالكثير من قضايا النفقة المؤجلة والمعلقة أو التي تمّ البتّ فيها بشكل غير عادل لا يحفظ حقًا ولا عيشة كريمة للحاضنة والمحضون، ولا أخص دولة بعينها بهذا التفصيل إذ نلحظه في معظم الدول دون اهتمام بما يترتب عليه من نتائج كارثية في حق الحاضنة والمحضون، ولعلي أخص المحضون هنا بالنتائج السلبية الأشد أثرًا إذ يفقد الأب والأم تباعًا نتيجة لهذه القرارات الجائرة، فنتيجة الطلاق الأولى هي فقدان للأب، ونتيجة للنفقة الجائرة التي لا تكفي إن وجدت؛ تغيب الأم في محاولات لتأمين الحدّ الأدنى من مستلزمات الحياة والعائلة التي أصبحت هي المسؤول الأول والأخير عنها في ظل غياب الطرف الآخر أو سحب يده كليًا من الموضوع. فيجد المحضون نفسه وقد فقد الأم والأب في ذات الوقت.

 ما حدث مع هذه العائلة شيء من هذا القبيل، فالأب الذي انسحب من دوره كمسؤول عن النفقة؛ أجبر الأم على العمل في محل للخضار، وكون الأم مطلقة فعلى المجتمع أن يمعن في استغلالها للحدّ الذي لا يضمن لها حياة كريمة، مما أجبرها على دفع ابنها للعمل في أحد المعامل في المنطقة، وبصرف النظر عن التفاصيل الأخرى التي ظهرت حول صلة القرابة بين الأم وأصحاب المعمل، وما ظهر من أقوال أخرى مشابهة، فإن الأمر الأشد خطورة هو تسرب الطفل من المدرسة وهو ابن أحد عشر عامًا ليسهم في إعالة عائلته، ومن ثم تعرضه لاستغلال جنسي ومساومته على لقمة العيش مقابل الصمت، وربما تعرض لتهديدات أكبر وأكثر وحشية كالاعتداء على أمه وأخوته وقتلهم وغيرها من سائل الترهيب التي يستخدمها المغتصبون عادة.

وسواء أكانت هذه المرة الأولى التي تعرف فيها الأم بحادثة الاغتصاب عبر الفيديو الذي تم تسربيه، أو كان لديها علم مسبق واضطرت للصمت خوفًا من خسارة الحضانة أو الفضيحة أو من المجتمع الذي لن يرحم ولن يساعد في الحد من معاناتها، فإنها أخذت موقفًا دفاعيًا بطوليًا يحسب لها عقب انتشار الفيديو في محاولة استرجاع حق ابنها ومحاسبة الجناة. الأمر ذاته ينطبق على الطفل الذي عانى مدة طويلة واضطر للصمت المقيت خوفًا وجزعًا ورهبة من مجتمع لم يحفظ حقه بالعيشة الكريمة، فكيف سيحفظ حقه عند الاعتداء عليه؟! هذا إذا تجاهلنا حق التعليم الذي ضاع بين الأرجل في هذه المأساة!

كوني من بلاد الشام فإن قضية عمالة الأطفال منتشرة عندنا لا يمكن تجاهلها، لا سيما في الإجازات والعطل إذ يتعمد الأب وضع ابنه عند صاحب حرفة أو صنعة ليكتسب الابن صنعة للزمن ويتعلم الاعتماد على نفسه، ولا يخفى على أحد التقارير التي تشير إلى ارتفاع نسبة عمالة الأطفال نتيجة لحركات النزوح واللجوء والتشرد والظروف الصعبة المختلفة، والاستغلال الكبير الذي يتعرض له الأطفال في هذه الظروف. لكن أيًا منا لم يقف يومًا ويسأل ما إذا كان أطفالنا يتعرضون للتحرش أو الاعتداء ويصمتون مرة بعد مرة حفاظًا على كرامتهم وخوفًا من فضيحة تبقى وصمة يعيّرهم المجتمع بها، لتكبر معهم عقد تؤثر على كل حياتهم وتسبب لهم الكثير من المشاكل النفسية والاجتماعية التي تتفاقم وتكبر وتصل لحد لا يمكن حله.

وبالعودة لقضية الطفل وعائلته فقد يكون للجهل نصيب الأسد فيها، إلا أن المذنب الأول في هذه القضية هو مجتمع لم يحفظ كرامة لمطلقة وأب لم يعِ معنى الأبوة فانسحب من دوره ليترك طفله في مواجهة مجتمع من الوحوش، والخوف الحقيقي يكمن في تبرئة الجناة من هذه القضية وانقضاضهم مرة أخرى على العائلة لأخذ ثأرهم لكن هذه المرة بعيدًا عن الإعلام!

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل