سافكو الأمل!

إبراهيم ناصيف16 يونيو 2020آخر تحديث :
سافكو الأمل!

إذا فقد الناس الأمل؛ فإن الحياة لا تعني لهم شيئاً ويتساوى لديهم العدم والبقاء، فلا تشغلهم أسباب البقاء بالدنيا؛ بل قد يجعلون الموت أمنية يجدون فيها الخلاص من الموت البطيء ومرارته.

إذا فقد الناس الأمل؛ فإن السخط يصبح شعوراً سائداً يحرك السلوك العام ويصيبه بالاضطراب الذي لا يمكن معه توقع ردود الأفعال ولا الاستجابات؛ حيث يتحول الإنسان إلى إنسان آخر قد يصدر عنه ما لا يمكن توقعه.

إذا فقد الناس الأمل؛ فقد يكفرون بكل ما آمنوا به من قبل وتتكسر في عيونهم وقلوبهم الأفكار والقيم التي كانت تظلل حياتهم وترافق خطواتهم، فيتحللون من كل مبدأ ويكسرون كل قيمة، ويجدون الراحة في نسف ما اقتنعوا به واقتلاعه من جذوره.

إذا فقد الناس الأمل؛ عرفوا الكراهية وتحولوا لبشر يحملون بداخلهم مشاعر الشماتة وحب النكاية والتشفي والرغبة في الانتقام، تقسو قلوبهم وتتجمد إنسانيتهم ويفرحون بضرٍّ يصيب من أوجعهم.

إذا فقد الناس الأمل؛ تشوهت نفوسهم وانحدرت أذواقهم وعرفوا طريقًا للقبح يمارسون فيه انتقامهم من أنفسهم وممن حولهم، فيتحول القبح إلى منهج للحياة ويغدو الجمال ذكرى بالية لا تغير بؤس الواقع وظلامه.

إذا فقد الناس الأمل؛ فلا تلمهم إذا استحلوا كل شيء وتجاوزوا كل شيء ولا تنتظر منهم تأنياً ولا حكمة؛ فالاندفاع يصير طبعاً والطيش يصبح سمةً والحدة تغدو طبيعة.

هل عرفت إنساناً فقد الأمل؟ إذا كنت تعرفه قبل ذلك فسترى الفرق شاسعاً ، أنت أمام إنسان لا يحمل من الحياة إلا اسمها وهو أقرب للموت، أنت أمام إنسان مخيف؛ لأنك لا تدري ماذا سيصنع بعد لحظات، أنت أمام إنسان ليس لديه ما يخسره؛ لأن فقده للأمل جعله يفقد كل شيء ويستهين بكل شيء، أنت أمام إنسان يحمل أخطر سلاح على وجه الأرض وهو اليأس ولا سلاح أشد فتكًا وخطراً على صاحبه ومن حوله كما هو اليأس، أنت أمام إنسان تحول بشخصه ويأسه إلى قنبلة موقوتة لا يدري أحد متى تنفجر وفي وجه مَن!

يلوم الناس من يقعون فريسة لليأس بعد فقد الأمل، ولكنهم لا يلومون صناع اليأس ولا ينكرون عليهم جريمتهم، إن قاتلي الأمل قد أخرجوا للبشرية جيوشاً من القاتلين والمجرمين الذين منحهم يأسهم طاقة تدمير وإفناء وانتقام من الجميع، وكيف نحاسب هولاء ونترك من جعلوهم قتلة وسافكي دماء؟ ما الفرق بين هذا وذاك؟ ومن الذي يعتبر نفسه ضحية ومن الذي سيرى نفسه جانيًا؟ إن سافكي الأمل أخطر من سافكي الدماء

إن من يقتلون الأمل في نفوس الناس هم مجرمو حرب يمثلون خطرًا على الإنسانية، وبقاؤهم في جرمهم يعني مزيدًا من الشقاء لأهل الأرض، وستدفع البشرية ثمناً قاسياً لصمتها عن قتلة الأمل وصناع اليأس وسفاحي القتل البطيء.

إذا ارتبط فقد الأمل بغياب العدالة وتوالي المظالم؛ فإن نوعًا جديدًا من البشر يظهرون في حياتنا يقررون تحقيق العدالة بأنفسهم وبطريقتهم، وقد يسبحون في بحر من الدماء يقنعون أنفسهم أنه شر لا بد منه لتحقيق العدالة كما يرونها ويعتقدونها، ما أشد قسوة القاتل الباحث عن تحقيق العدالة بالقتل؛ لأنه لن يقتنع يومًا بخطأ منهجه؛ فقد أوجد له غياب العدالة وفقدان الأمل ألف مبرر ومبرر.

نتعجب كيف يتحول من عرفناهم يومًا من مسالمين إلى وحوش ضارية، لكننا نغفل رحلة التحول ونقلل من المحطات التي مرَّ بها هؤلاء ونحكم عليهم بما يصدر عنهم في النهاية، والحقيقة أن فعلهم الأخير هو تراكم لمرارات وإخفاق وفقدان للأمل وكفر بالطريق وتمرد على قهر لم يعد يمكن تحمله.

يقولون إن هذا الخطاب تبرير وشرعنة للخروج على القانون والسقوط في بيئة شريعة الغاب، وهذا ليس بصحيح؛ فلا يمكن لمن يطلب العدالة أن يسعد بالخروج عنها ولكن ماذا لو انتحرت هذه العدالة؟ ماذا لو تم قمع الأمل وترسيخ اليأس في النفوس؟ مَن الأولى باللوم؟ من صنع المأساة؟ أم من تلقاها واكتوى بنارها؟

يحسب بعضهم أن الرضا بالذل وبالمهانة سيمنحه الأمان، لكن الحقيقة أنه سيحصل على الذل فقط ولن يجد الأمان؛ فلا قهر يصنع أماناً ولا ظلم يحقق استقراراً، وكلما بدا أن جنون القمع وتوحشه في تضخم وازدياد كلما كان قريبًا من خط النهاية والسقوط الذي لا يتوقعه خانع وذليل ركن لجدار متهالك سينهار عليه ويرديه ويمزقه شر ممزق!

طوبى للقابضين على جمر الثبات فلم يخنعوا ولم يركعوا ولم يكفروا بما آمنوا به من قبل.

لن يجد الناس طريقًا للأمان ولن ينجو أحد من انتقام عشوائي ستطال نيرانه الجميع ما لم يستيقظ الضمير وتنبعث روح العدالة من جديد لتشق طريقها بين الأشلاء والشظايا التي خلفتها المظالم وفقدان الأمل، احذروا اليائسين فإنهم لن يوقفهم شيء إذا فتحت أبواب الجحيم واصطلى الصامتون والمؤيدون والمتفرجون بلهب لن يفرق بين هذا وذاك، الأمل والعدل هما مفاتيح الحياة فمن يعيد إلينا الحياة؟!

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل