* فراس علاوي
الحاضنة الشعبية هو ما يسعى له كل تكتل سواء كان سياسياً أو اجتماعياً أو ثورياً , لأنها تعطيه القوة وتضمن له الاستمرارية وتزوده بالخزان البشري , وبالتالي تشكل قوة دافعة في اتجاه اتخاذ القرار.
كان لسيطرة نظام البعث لنصف قرن من الزمن أو يزيد , والانغلاق الذي مارسه على المجتمع , ومحاربة أي محاولة للانفتاح السياسي , وتطبيق نظريات سياسية معينة تخدم مصالحه , ما جعل الحياة السياسية السورية شبه معطلة وتراجعت النخب السياسية لحساب متسلقي السياسة ومتملقي السلطة.
حتى جاءت ثورة الحرية والكرامة في سوريا , والتي بدأت عفوية في الشارع , حمل عبأها جيل طالما حاول نظام الأسد أدلجته , لكن النافذة الصغيرة التي كان يطل منها هذا الجيل عبر تكنولوجيا التواصل جعلته يخرج عن السياق المحدد له.
ومع ذلك بقي الشارع فقيراً سياسياً , خاصة الفئات البسيطة المهمشة التي كان همها قوت يومها .
كل هذه العوامل أثرت في المزاج الشعبي الثوري , حسب المراحل التي مرت بها الثورة، حيث كانت فترة الحراك السلمي هي أغنى فترات الشارع الثوري , وكان من خلالها يستطيع التأثير على القرار الثوري فكانت اللافتات والهتافات هي دستور عمل الثورة السورية في فترة سلميتها.
حتى بدأت تظهر بوادر التشكيلات السياسية , والتي عملت على استقطاب الناشطين على الارض , وبالتالي بدأت تظهر بوادر هذا الاستقطاب في الحراك السلمي من خلال تغير الخطاب الثوري على الارض .
هذا الاستقطاب الذي تبعه صراع سياسي بين القوى السياسية الثورية , أفرز نوعاً من التخبط في الشارع الثوري، فشاهدنا نداءات من قبيل الفصيل الفلاني يمثلني, ليعاود الشارع ذاته وخلال فترة قياسية, الانفضاض عنه ويهتف لفصيل آخر.
هذا التخبط مرده للفقر السياسي وفقدان البوصلة , والفارق الشاسع بين الطبقة السياسية في الداخل , والتي جاءت متأخرة عن الثورة في سقف مطالبها , رغم قدمها في الحراك السياسي لكنها معارضة مدجنة , وهو أمر طبيعي في ظل وجود حكم قمعي بوليسي أمني بامتياز كنظام الأسد.
مع بداية عسكرة الثورة , عاد الشارع الثوري للتوحد تحت مظلة الجيش الحر , وربما يكون الجيش الحر هو الفصيل العسكري الوحيد الذي اجمع عليه الشارع الثوري فيما أختلف عليه وعلى كل الفصائل فيما بعد، حيث بدأ المال السياسي يظهر وبقوة في تسليح الثورة , من خلال فرض أجندات معينة تحمل أفكاراً ربما تختلف عن الاهداف التي قامت من أجلها الثورة السورية .
بدا الاختلاف واضحاً بين توجهات الفصائل , فانعكس ذلك على الشارع , وأصبح لكل فصيل أنصاره والمدافعون عن أجنداته وأفكاره , وكان لهذه التبعية أسباب كثيرة يمكن أن نجملها في عدة نقاط اساسية هي:
1_طبيعة المنطقة الاجتماعية وإيديولوجيتها الفكرية , خاصة المناطق التي كانت توصف بالمحافظة دينياً , قبل الثورة، وطبيعة الحاضنة الاجتماعية واحتضانها للفصيل الذي يسيطر عليها.
2_طبيعة الفصيل المسيطر وقوته وقدرته على الـتأثير وقوته الدعائية , حيث قامت بعض الفصائل بعمل دورات لنشر فكرها , ومعسكرات توعوية كما سمتها لشرح فكرها مستهدفة فئة الشباب خاصة .
3_قوة الفصيل العسكرية وقدرته على تحقيق مكاسب عسكرية , مما يكسبه قوة دعائية خاصة , بعد استمرار القتال لسنوات طويلة ووصول الحاضنة الاجتماعية لقناعات معينة , فرضت عليها الوقوف مع الفصيل الذي يخلصها من إجرام النظام.
هذه الاسباب وغيرها جعلت الشارع الثوري تابعاً بعد أن كان متبوعاً , وجعلت منه في الخلف , بعدما كان يقود الحراك، بل وجعلت منه ضحية يعاقب فيها على افكاره إن خالفت أفكار العموم من أتباع فكر أو فصيل معين .
فهل خبت جذوة الثورة وتحولت الى صراع عسكري لفصائل مختلفة التوجهات؟ وهل أصبح الشارع منقسما على نفسه؟
الكثيرون يعتقدون بذلك لكن المؤشرات على الأرض تقول العكس.
فبمجرد إعلان هدنة قصيرة وتوقف قصف الطيران , عادت جذوة الثورة للاشتعال مجدداً , وهبت من تحت الرماد، كذلك وبمجرد تحقيق نصر ما , يعود الشارع مجدداً للتوحد وهذا ما أظهرته إنتصارات حلب.
وهو ما يثبت ان شعلة الثورة لم تنطفئ , وأن الشارع الثوري لازال وفياً لمبادئ الثورة , وإن غطاه غبار الحرب فانه سينتفض مع أول ريح إنتصار , الانتصار الذي يراه الشارع في سقوط النظام , فهو يرى أن جميع مشاكله تنتهي بزوال النظام.
عذراً التعليقات مغلقة