مستقبل سوريا الأسود

هدى أبو نبوت26 مايو 2020آخر تحديث :
مستقبل سوريا الأسود

طفلة بعمر عامين تختفي وقفة العيد لتظهر مقتولة بطريقة بشعة ومدفونة في أحد البيوت المهجورة وعلى يد خالها الذي تذرع بحاجته” لدم الطفلة” لفك الرصد الموجود على الذهب الذي يبحث عنه، أول حادثة من هالنوع تحدث في محافظة درعا، هل هي مخلفات الحرب؟ هل يحول الجهل والفاقة والفقر الإنسان إلى ذئب بشري؟

لم أسمع هذه الخرافات عن رصد الذهب بالدم إلا في الحكايات ولكن على ما يبدو فإن يوميات سوريا تتحول إلى قصص مرعبة مع استمرار فوضى الحرب وانتشار العصابات وغياب الأمن بشكل كامل، تزداد حياة السوريين صعوبة يوما بعد يوم، حيث كان يظن السوريون أن توقف عجلة الحرب الحقيقية بشكل كبير سيؤمن لهم بعض الأمان والعودة تدريجيا إلى الحياة على الرغم من غياب شبه كامل للخدمات وارتفاع خرافي في الأسعار بحيث أصبح رغيف الخبز عبئا حقيقيا لعدد كبير من العائلات، ولكن هذه بيئة خصبة لظهور آثار الحرب الجانبية التي كانت تتذيل المشهد في السنوات الماضية بسبب التركيز الإعلامي المباشر على الضحايا السوريين خلال الحرب ونتائجها القريبة من نزوح وتدمير للبيوت، ولكن عندما استعاد النظام السيطرة على أغلب المدن والبلدات أصبح واضحا بشكل كامل شكل الدولة المستقبلي، والتحول الكبير الذي طرأ على المؤسسات والمجتمع في آن معا، وما صاحبها من اختلال في ميزان الأخلاق والتفكير السليم.

في حين ما زالت الأجهزة الأمنية تعمل بكامل بطشها وجبروتها في ملاحقة واعتقال كل من تراه معارضا للنظام، هناك فوضى وغياب كامل للأمن في المجتمع حيث ازدادت حالات القتل والاغتيال والخطف والتهديد ولم تعد العائلات تؤمن على خروج أطفالها للعب حتى لو على بعد أمتار من المنزل، لم تكن حادثة اختفاء هذه الطفلة الحدث الوحيد، حيث تزداد حالات اختفاء الأطفال ليس فقط في محافظة درعا بل على امتداد سوريا ولأسباب غامضة ودون إتخاذ اي تدابير أمنية تحد منها ، بل على العكس يبدو أنها سياسية تركيع جديدة للشعب إضافة إلى انغماس المواطنين بهموم يومية تتمثل في إيجاد طرق البقاء على قيد الحياة في ازدياد هائل للبطالة بين الشباب وغياب أي آفق للحل يتمثل في خفض الأسعار أو ايجاد طرق بديلة للتأقلم مع الظروف الراهنة مما يسلب الشعب كل أدوات التفكير المنطقي بعد أن تم تجريده من كل أدوات الاعتراض أو الوقوف مجددا في وجه النظام وقد استهلكت الحرب جموعه وحولتهم إلى بقايا بشر يبحثون عن فرصة للنجاة.

كنت أؤمن بأن الجوع يخلق حالة من الرفض وهذا الرفض يشكل حالة من الوعي التدريجي للثورة على هذا الواقع ولكن للأسف في الحالة السورية الراهنة تم تدمير الإنسان السوري على كافة المستويات حيث اصبح هدفه الوحيد يتمثل في النجاة مهما كانت هذه النجاة مأساوية ، لأن نتائج الثورة الحالية كانت سيئة على جميع المستويات ونجح النظام في ربط النتائج الحالية بها وتذكيرهم دائما بالحياة السابقة للثورة ، ونجح في جعل السوريين يتناسون السبب الرئيسي للثورة من قمع سابق لا مثيل له ومازال مستمر حتى الآن، وأصبح من أولويات الاغلبية العظمى هي لملمة الخسارات والعودة لبعض ما كانوا عليه قبل ٢٠١١ ، ويحتفل النظام بهذا الانجاز في حربه الكونية على الإرهاب وكأن هذا النظام لم يكن مسؤول بشكل مباشر لكل ماحدث ويحدث ، ولكن على مايبدو في هذه اللوحة التراجيدية لم يعد يهتم أحد للرسام فاللوحة قبيحة لدرجة لا ينفع معها التعديل ولا يوجد امكانية لرميها بعيدا واستبدالها بأخرى خلال السنوات القليلة القادمة على أحسن تقدير.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل