كثر الحديث مؤخرا عن مصير القضية الكردية بعد زيارة السلطان التركي للقيصر الروس؛ وربما يبدو الموضوع عاديا في ظل التطورات اليومية المتسارعة في الوسط السوري, خاصة عقب نجاح المعارضة المسلحة في كسر الحصار المفروض على مناطق واسعة من حلب، لكن المشكلة تكمن في تريث الكرد إلى هذه اللحظة في طرح التساؤل بشأن مصير قضيتهم بعد هذه التطورات.
سرعة التحرك التركي بين الزيارة والاستقبال، ومصير المستقبل الكردي في سوريا بين رحى العلاقات الكردية الإيرانية الروسية وصولجان المصالح التركية الإيرانية الروسية المشتركة، وتشابه وحدة الحال التركي الإيراني بخصوص المناطق الكردية في سوريا, مع وحدة الحال بين سوريا تركيا إيران والعراق حول ضرورة منع قيام كيان كردي في العراق.. كلها عوامل تجعل من الضروري إثارة مصير القضية الكردية.
التفاصيل التي ظهرت بشأن نتائج ومخرجات الاجتماع الإيراني التركي كانت واضحة بعكس مخرجات اجتماع أردوغان وبوتين؛ حيث اتفق الطرفان على مكافحة الإرهاب في المنطقة علما أن الجماعات المدعومة من قبل روسيا وإيران تُصنف على قائمة الإرهاب التركي, والعكس بالعكس، فالجهات المدعومة تركيا تتصدر مشهد الاستهداف الحربي خاصة الجوي من قبل روسيا.
وهو ما سيشكل الانعطافة الكبرى الأولى في مسار الثورة السورية لجهة تحديد الجهات المتفق عليها بوصمها بالإرهاب، والحديث عن وحدة الأراضي السورية عبر تحديد المستهدف الكردي مباشرة عبر الإعلان عن رفض أية فيدراليات أو حكم ذاتي كردي, أو تقسيم سوريا أو قيام كيان كردي مستقل, بل إن الإجحاف الإقليمي بحق الكرد ارتفع لوتيرة تصنيف التنظيمات الكردية في كل من إيران وتركيا وسوريا كمصدر لتهديد الأمن القومي التركي والإيراني, خاصة بعد توحيد الحال من جديد بين أمن إيران كجزء من أمن تركيا. وضمن سياق الاتفاق على نهش الجسد الكردي فإن الانسجام التركي الإيراني ظهر على أعلى مستوياته عبر توحيد حال داعش (تنظيم الدولة الإسلامية) والنصرة (جبهة فتح الشام)وحزب العمال الكردستاني.
الإقليم الكردي في العراق لن يكون خارج هذه الحسابات خاصة وأنه يتجه بعد عدة أسابيع نحو الاستفتاء على الاستقلال عن العراق. لن تستطيع تركيا منع الإقليم من الاستقلال, ولكنها مع ذلك ستكون المستفيدة الأكبر منه
لجهة حساب فاتورة الغاز والنفط والطاقة التي تستفيد تركيا منها, لكن إيران لا تزال تعبث بأمن الإقليم الداخلي, وما الاتفاق الإيراني التركي على وحدة حال الأمن القومي في كلا البلدين إلا نتيجة مخاوف إيران من استقلال كردستان العراق, وهي المخاوف المتقاطعة مع خشية تركيا من سيطرة الاتحاد الديمقراطي -الموصوف تركيا بالإرهاب- على مقاليد الحكم والسيطرة في المناطق الكردية في سوريا والإعلان عن منطقة تحت حكمه.
هدوء الإقليم مشوبٌ بالحذر, فمن جهة يدفع الرئيس البارزاني نحو التهدئة وإيجاد الحلول للمشاكل المفتعلة ضمن اللوحة السياسية الكردية, ومن جهة ثانية يعد الفاعلون في الإقليم الأيام للوصول إلى أكتوبر/تشرين الأول الموعد المتوقع للاستفتاء على استقلال الإقليم.
في هذه الأثناء سارعت إيران لطلب عقد لقاء ثلاثي بين روسيا وتركيا وإيران ستكون مواضيع وحدة الأراضي السورية واستقلال الإقليم الكردي المُزعج والمرفوض من قبل إيران, وتجاوز الأكراد لخط الفرات ومصير الأسد كقضايا تهم تركيا, والامتعاض الروسي من الدعم التركي للمعارضة المسلحة، إضافة إلى رفع حجم التبادل التجاري بين روسيا وتركيا خاصة وأن العقوبات الروسية ضد أنقرة تأتي بنتائج عكسية في ظل استمرار العقوبات الأميركية الأوربية على روسيا وانهيار سعر النفط, مما يؤدي إلى أن غالبية الرساميل الروسية تتجه نحو السلع التركية ذي الجودة العالية والأسعار الرخيصة، ويدرك بوتين ضرورة الحصول على الصفقات المتاحة في الأسواق التركية. كل هذه القضايا ستكون من بين أبرز الملفات المطروحة على طاولة النقاش بين الأطراف الثلاثة.
لكن يبقى المارد الأكبر؛ أين أميركا من الموضوع والاتفاق, وهل سترتكب تركيا الحماقة الكبرى في تاريخها وتنسى احتمالية نقل أنجرليك من تركيا إلى كردستان العراق أو المناطق الكردية في سوريا.. ثم ماذا عن الاتفاق النووي الإيراني الأميركي في ظل تعاظم الاحتجاجات تارة, وزيادة النقمة جراء موجة الإعدامات بحق الكرد والسنة وغيرهم تارة أخرى, وإمكانية وصول رياح الربيع العربي إلى إيران أيضا.
كعادتها تلجأ أميركا للمراوغة والاستمتاع بهدر وقت وجهد وقوة الآخرين, حيث أعلنت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية إن أميركا مذهولة من هذا التقارب التركي الروسي المفاجئ. المؤكد أن لا اتفاق بين أي طرف وآخر ضد مصلحة الوجود الأميركي, وتحديدا عقب الاتفاق الموقع بين أميركا وإقليم كردستان حول الدعم والمساندة والحماية لمدة عشرين سنة. لكنها -أميركا- تستمتع باستمرار النزاع بين أغلب الأطراف المتصارعة واستنزاف تركيا وروسيا وإيران.
ولم تكن تركيا لتقدم على خطوة إسقاط القاذفة الروسية لولا الموافقة الأميركية, ثم اتخاذ أميركا موقف النأي بالنفس وعدم حماية تركيا ما دفع بالطيران الروسي لقصف جبال التركمان وحلب أبرز مجالين حيويين لتركيا في سوريا. سبق ذلك عدم موافقة أميركا على إنشاء منطقة حظر طيران جوي في سوريا, تلا ذلك دعم أميركي عسكري لقوات الحماية الشعبية في أكثر المناطق الموصوفة بالخطوط التركية الحمراء الواجب فرضها على الاتحاد الديمقراطي في منبج وجرابلس ونهر الفرات وغيرها.
وفيما يشي بمزيد من مؤشرات التوتر بين الطرفين جاء الإصرار التركي على تسليم أميركا للداعية التركي فتح الله غولن إلى السلطات التركية؛ حيث قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان “إن الولايات المتحدة ستضطر للاختيار عاجلا أم آجلا، إما تركيا الديمقراطية، أو منظمة فتح الله غولن”. إلى ذلك فإن بوتين قد يُظهر دعما لا محدودا لمساعدة تركيا ضد شبكة غولن في جمهوريات آسيا الوسطى أحد أبرز وأقدم وأخطر معاقل حركة غولن.
أيام قلائل وتظهر الأحجية ماذا ستقدم روسيا لتركيا؟ هل تراوغ روسيا أم أنها وصلت إلى اللحظة الحاسمة لفرض شروطها وقبض ثمن احتفال طائراتها بسنويتها الأولى في سوريا وستدفع نحو إخراج تركيا من محور الثورة السورية.
- نقلاً عن: الجزيرة نت
عذراً التعليقات مغلقة