لقد عَّرت الثورة السورية بمفردها، وصلابة مواقف ثوارها؛ الكثير من أسرار النظام العالمي المافيوي، وأظهرت حقيقة العلاقات الدولية؛ الذي خططته، ورسمت له كبريات الدول الاستعمارية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية في منتصف القرن المنصرم، و حتى وقته. ولا نغالي إذ نقول إنه منذ اتفاقية سايكس وبيكو، وكيفية السيطرة على الدولة العربية وتمزيقها, وتتبيعها عبر شخصيات لا وطنية تربطها علاقات مميزة وحميمة مع ملوك ورؤساء أوروبا. ولا يزال أغلبها يحكم، ويبطش بشعبه كلما حاول هذا الأخير استعادة ما سُلب منه من حرية وكرامة واختيار ممثله…
فكشفت أحداثها، ومآسيها، وآلامها للعالم؛ زيف القانون الدولي الذي تظاهر بالحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، واحترام حقوق الإنسان، وما نتج عن هذا الأخير من معاهدات، واتفاقيات، وبروتوكولات وقعت عليها أغلبية دول العالم. دون أن تجد البشرية تدخلاً واحداً يعمل على إنقاذ أرواح ملايين البشر ممن شهدت دولهم حالات عدم استقرار داخلي، أو حروب. كما غابت في أحداث الثورة؛ أو غُيبت المساعي الحميدة لأمين عام المنظمة الأممية لحل الأزمات بالطرق السلمية قبل تفاقم الوضع، أو انفجاره. وبدت ازدواجية التطبيق هي سمة العلاقات الدولية، وقانونها، وشرعتها. فكانت النتيجة ولادة الكثير من النزاعات، والصراعات، والحروب في العالم. أفضت إلى ولادة ميكرو- دول. وزعزعة الأمن والاستقرار الدوليين في أكثر من منطقة في هذا الكوكب، وسخونة مناطق أخرى ملتهبة قد تنفجر بأي وقت. ولم تستطع المنظمة الأممية بكل مؤسساتها أن توقف حرباً مخططٌ لها، أو تحافظ على الأمن والسلم الدوليين في العالم.
ومن خلال تعريج بسيط على النظم العربية؛ نجد أنَّ كثيراً منها، أو جميعها كانت تقف خصماً لإرادة شعبها. فتمارس في حقه الاعتقال والنفي أو القتل. وبدت سياسة الترهيب وكم الأفواه والتضييق على الحريات، واقعاً مفروضاً، وتبعاً للسياسة الدولية التي تمارس وصايتها، وهيمنتها على الحكام العرب. فكان استخدام القوة هو الميزة الوحيدة، والمسيطرة في حلِّ وفضِّ الكثير من الاعتصامات، والمظاهرات التي تدعو للتحرر والكرامة. كما حوربت الحقوق المشروعة للشعب العربي لاختيار ممثليه، ومنع وصولهم إلى رأس الهرم لتداول السلطة. فجاءت الثورة السورية وأظهرت هشاشة البنى النظمية العربية التبعية، واستطاعت إظهار الهوة الواسعة بين هذه النظم وشعوبها لحماية المصالح الاستعمارية التي لا تزال وصية على الدول العربية عن طريق الرؤساء (الملوك) الذين يتربعون على عروش الحكم الموروث لهم ولأبنائهم طيلة العمر.
وبعودة بسيطة إلى العلاقات التبادلية ما بين الحكومات العربية، والشعب العربي، فإننا نجد هشاشة الصلة ما بين الاثنين. فالأولى أتت إلى السلطة بطرق غير شرعية، و ولدت عن طريق الانقلابات، والدعم الخارجيين فكانت بعيدة كل البعد عن القاعدة الجماهيرية التي فقدت حريتها باختيار من يمثلها، واستعبدت الجماهير عن طريق الحكم بالحديد والنار، واستبعدتها في حق تقرير تمثيلها في الحكم، والقيادة.
إنَّ الوصاية و التحكم الخارجيين هما أكثر ما تسببا في ضعف النظم العربية، وصناعة قراراتها. فكثيراً ما ذهبت هذه الأخيرة، و معارضاتها منذ انطلاقة ثورات الربيع العربي للاستقواء بالخارج كي تحمي نفسها من السقوط، أو تصدًّ عنها رياح التغيير، أو تبرر تطبيق قانون الطوارئ لوقت طويل. فكشفت هذه الثورات، و على رأسها الثورة السورية حقيقة النظم العربية، ومعارضاتها التي لم تكن أفضل حالاً، وارتباطاتهما المباشرة بأجهزة الاستخبارات العالمية، ووقوف هذه النظم إلى جانب بعضهم البعض ضد إرادة الشعب العربي.
ولو نظرنا إلى الخريطة الجيو- بولوتيكية للعالم لوجدنا أنًّ الحكام العرب؛ هم الأضعف دولياً على مستوى التنظيم، والتأثير. ويبقون، ودولهم وشعبهم، في موقع المتلقي السلبي لما يحصل في العالم. فقد تأثروا أكثر مما أثروا. ونسوا، أو تناسوا بأن التفاعل السلبي، كان دائماً السمة الغالبة على أنماط علاقاتهم. والستاتيكية؛ صفة ملازمة لهم لتثبيت حكمهم، وقمع شعبهم.
فالإقليمية؛ توسعت على نطاق العالم بأجمعه، ودخلت معظم دول العالم ضمن كتل وأحلاف. فمن كتل وتجمع (أسيان) في جنوب آسيا، إلى تجمع دول المحيط الهندي، إلى كومونولث الدول المستقلة، إلى الإتحاد الأوربي، ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبي، إلى الكتل الإقليمية في غرب وجنوب أفريقيا, إلى مجموعة دول الأنديز، والبحر الكاريبي، ومجموعة نافتا في القارة الأميركية. ولم يستطع العرب مجتمعين بأن يتوحدوا ولو على مستوى معين رغم وجود ما يربطهم، ويجمعهم. فكانوا جميعاً عاجزين عن أن يؤثروا على قرار ما في العالم فأصبحوا على هامش العلاقات الدولية.
ومما سبق ذكره، ومن خلال ما يعيشه الشعب العربي بشكل عام، والسوري بشكل خاص نجد أنَّ؛ الإرادة الدولية للدول ذات الوزن الثقيل هي التي تنتهك القانون الدولي بغير سند شرعي، وهي التي تفرض ما تشاء من الحكام، والمعارضات بذرائع مختلفة لم تعد تنطلي على الشعب العربي. ولم يكن آخرها من جاء على ظهور دبابات القوى الاحتلالية في العراق، أو عن طريق الانقلابات العسكرية كما في مصر، ليحكم الشعب بالحديد والنار، منتهكاً كل المعايير الأخلاقية، والإنسانية. فأقصى تطلعات الشعب العربي في اختيار ممثليه الشرعيين، وضرب قيم الديمقراطية بعرض الحائط دون أن يقيم المجتمع الدولي أي اعتبار لعشرات آلاف الضحايا. وملايين المشردين نزوحاً وتهجيراً.
و لا يغيب عن بال أحد؛ أن التدخل في الشؤون الداخلية للدول يتنافى مع مبادئ القانون الدولي العام، وشرعة حقوق الإنسان، والعهدين الدوليين لحقوق الإنسان. كما أنَّ اختيار ممثلين عن الشعب حكماً، أو تمثيلاً؛ يجب أن يكون باستقلالية بعيداً عن الوصايات الخارجية، وإملائاتها. وأن الشعب السوري الثائر والمتميز بوعيه, قادر على إدارة ملفات ثورته باستقلاله، وقوة عزيمته.
عذراً التعليقات مغلقة