الوطنية السورية والمسألة القومية في سوريا

محمود الحمزة21 فبراير 2020آخر تحديث :
الوطنية السورية والمسألة القومية في سوريا

أثبتت أحداث السنوات الأخيرة، وخاصة منذ الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، واستقلال نسبي كبير لاقليم كردستان العراق، تمثل في تشكيل حكومة ورئيس للاقليم، بحماية أمريكية في زمن الحصار الجوي على العراق في عهد صدام حسين، بأن المسألة القومية الكردية في غاية التعقيد وخاصة لأنها مرتبطة بعواطف الناس وآمالهم بالعيش بحرية واستقلالية على خلفية المظلومية التاريخية التي يتناقلها الكرد عبر مئات السنين.

وظهرت خلال سنوات الثورة السورية بشكل خاص مفاهيم ومصطلحات لم تستخدم من قبل مثل “مجلس شعب غربي كردستان” و”كردستان سوريا” و”الفيدرالية” و”الإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا” و”روجآفا شمال سوريا” ووحدات الحماية الشعبية و قوات سورية الديمقراطية (قسد) ومجلس سورية الديمقراطية (مسد) وأكثر من 30 منظمة تخص النساء والشباب والثقافة والأبحاث والإعلام. كلها اختراعات تابعة لتنظيم واحد اسمه “حزب الاتحاد الديمقراطي” الذي يتبع بدوره بدون أدنى شك إلى حزب تركي اسمه “حزب العمال الكردستاني”.

هذا من الناحية الشكلية. أما من الناحية الجوهرية فالموضوع القومي في سوريا، الذي تتصدره المسألة الكردية بحكم عدد الكرد ووجود عشرات الملايين من أشقائهم في العراق وإيران وتركيا، معقد لأسباب عدة:

– الكرد عانوا وما زالوا يعانون من الاضطهاد في مناطق تواجدهم وخاصة في إيران وتركيا والعراق مع بعض الخصوصيات مثلا في العراق حيث يتمتع الإقليم بصلاحيات سياسية واقتصادية واسعة.

– دور النظام السوري وتلاعبه بالورقة الكردية من خلال الممارسات القومية التمييزية ضد بسطاء الكرد وشرفائهم، بينما تتمتع أغلب الأحزاب الكردية وفي مقدمتها حزب الاتحاد الديمقراطي، بعلاقات جيدة مع مؤسسات النظام الأمنية. ولا يخفى على أحد تعامل النظام مع عرب الجزيرة السورية من الأحرار كانوا مضطهدين من السلطات السورية أكثر من بعض قادة الأحزاب الكردية المقربين من السلطة السورية، وحتى أن البعض كانوا يتبوأون مناصب حكومية بالرغم من أنها حالات فردية. فذلك يخص عدد محدود من الشخصيات الكردية السياسية وليس الكرد الذين لا ناقة لهم ولا جمل.

– دور اللاعبين الاقليميين مثل تركيا والعراق وإيران وإسرائيل في التأثير على أطراف مختلفة في الحركة السياسية الكردية (وهذا يحتاج لحديث خاص).

– تأثر الحركة الكردية السورية بالتجاذبات والصراعات بين الحزبين الرئيسيين في الاقليم: الحزب الديمقراطي التابع للبرزاني وحزب الاتحاد الوطني التابع للطالباني، حيث تربط الطالباني بالنظام السوري علاقات قديمة عندما كان في ضيافة السلطات السورية قبل الاحتلال الأمريكي للعراق، وكذلك الصراع بين قيادة الاقليم وحزب العمال الكردستاني الناشط في تركيا، الذي هيمن على الحراك الكردي في سوريا، وقد نجح إلى حد بعيد، من خلال تأثيره المباشر على حزب الاتحاد الديمقراطي ودعمه بالمقاتلين المدربين وبالسلاح وبالتوجيهات السياسية والميدانية.

– وهاك اللاعبين الدوليين الذي حاولوا اللعب بالورقة الكردية، وخاصة روسيا وأمريكا وفرنسا وغيرهم. ولكل من هذه الدول تاريخ طويل في التعاطي مع الحركة السياسية الكردية منطلقين من اجنداتهم الخاصة على حساب الشعب الكردي بشكل خاص وشعوب المنطقة بشكل عام.

وعند الحديث عن المسألة القومية في سوريا لا يمكننا حصره بالمسألة الكردية، فالسريان-الآشوريين شعب سوريا وبلاد ما بين النهرين منذ آلاف السنين، وهناك أقليات قومية أخرى مثل الشركس والتركمان والأرمن والكلدان واليزيديين وغيرهم …. ولذلك من المنطقي أن نتحدث أيضا عن المشهد السوري ككل فهو يخص العرب وهم أغلبية السوريين، والكرد والسريان وبقية الإثنيات السورية.

أعتقد أن المشكلة الكبرى التي تساهم في تصعيد المشهد القومي المتوتر في سوريا هو الخلط بين الأحزاب والحركات السياسية الكردية على اختلاف مشاربها، وخاصة تلك التي تحمل السلاح وتهيمن على الأرض (وحدات الحماية الشعبية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي) من جهة، وبين الشعب الكردي والكرد البسطاء الذين يحلمون بالأمان والحرية والعدل والاستقرار في ظل نظام وطني ديمقراطي ودولة علمانية تتعامل مع كل المواطنين السويين دون تمييز على أساس العرق أو الدين أو المذهب أو الجنس من جهة أخرى.

جوهر المشكلة القومية في سوريا مرتبط بطبيعة النظام السياسي في سوريا

في فترة الازدهار الديمقراطي في الفترة 1954-1958 نشأ أول حزب كردي ومارس دوره وكان هناك قادة كبار من الكرد السوريين ساهموا في تاريخ سوريا الوطني وكفاحه من اجل الاستقلال، عداك عن مساهمة المثقفين الكرد على مر القرون في اغناء الثقافة والفلسفة والفكر العربي والاسلامي. يكفي أن نقول بأن أول رئيس للمجمع العلمي العربي في دمشق كان الأستاذ والعلامة محمد كرد علي، الذي قال عنه المندوب السامي الفرنسي أن في سوريا رئيسان رئيس الجمهورية ورئيس المجمع العلمي العربي، الذي كان صارما ووطنيا بامتياز. ولم يتصرف إلا كسوري ابن هذا البلد دون أن يقلل ذلك أو يلغي انتماءه الكردي.

ولكن المشكلة بالفعل بدأت مع سيطرة البعث على السلطة في سوريا في آذار 1963 وفرض حالة الطوارئ وقمع الشعب السوري بكافة مكوناته تحت شعارات ثورية وقومية رنانة ومزيفة، واتخاذ إجراءات شوفينية ضد الكرد مثل تثبيت نتائج إحصاء 1962 الذي حرم بموجبه مئات الآلاف من الكرد من الجنسية وكذلك منع المواطنين الكرد من تعلم لغتهم وعدم الاعتراف بحقوق الكرد الثقافية والاجتماعية والسياسية.

وعند الحديث عن المسألة القومية نلاحظ وجود خلط في المفاهيم والمواقف:

– هناك بعض الأخوة الكرد وخاصة من النخب والمثقفين والكتاب والاعلاميين والناشطين، يتجنون على أبناء القوميات الاخرى وخاصة العرب ويتهمونم بالشوفينية وحتى بالداعشية وبأنهم مسؤولون عن اضطهاد الكرد، علما أن الأغلبية الواسعة من العرب هي أيضا مضطهدة من قبل النظام ومحرومة من الحقوق الثقافية والفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية. وأكبر دليل أن النظام الأسدي في فترة الثورة استهدف العرب السنة بالدرجة الأولى، حيث قتل وهجر واعتقل حوالي 15 مليون، منهم أكثر من 95% من العرب السنة. لكن للأمانة،فالكرد عانوا وما زالوا يعانون من اضطهاد قومي، ولكنه ليس من قبل الشعب العربي، وإنما من قبل النظام السياسي الاستبدادي الفاسد الذي يتاجر بشعارات القومية والحرية والاشتراكية ويمارس عكسها تماما.

– بالطبع المعارضة السورية بشكل عام لم تؤدي دورها المعبر عن أهداف الثورة، بل كان خطابها غير واضح تماما وغير كامل وغير شفاف حول المسألة القومية ومسألة الأقليات الدينية والطائفية. ويعود هذا الارتباك إلى سبيين أساسيين: أولها متعلق بالنظام الذي فرض معادلة صراع خطيرة وهي العسكرة ودفع باتجاه الأسلمة، الذي ساهمت فيها قوى إسلامية سورية وإقليمية استخدمت الورقة الدينية والقومية وغذت الصراع الديني والطائفي على حساب مصلحة الشعب السوري. والثاني هو الخطاب الكردي الطاغي بين أغلب الكرد الذي لا يهمه إلا القضية الكردية وكأنها قضية منفصلة عن هموم الشعب السوري، الذي يتعرض منذ 9 سنوات لأبشع أنواع القمع والقتل والتهجير القسري والاعتقال والتدمير والتغيير الديموغرافي، وهذا كله أثر سلباً في خطاب المعارضة هيئات وأفرادا تجاه المسألة القومية والطائفية. علماً أن السوريين يتعاملون مع الكرد وغيرهم من أبناء القوميات كأشقاء لهم وأنهم جزء أساسي من الشعب السوري، وخاصة على مستوى الناس العاديين البسطاء بعيدا عن السياسة، وهناك علاقات اجتماعية واسعة ومصاهرات وتمازج ثقافي وفلكلوري واجتماعي كبير.

– وقد أشار بحق الكاتب الكردي السوري حسين جلبي، حينما سمى كتابه “روجآفا- خديعة الأسد الكبرى”. بالفعل هي خديعة كبرى جديدة للشعب الكردي وهذه المرة يقودها وينفذها حزب الاتحاد الديمقراطي بممارساته المعادية للثورة ولقضية الشعب السوري بعربه وكرده وسريانه، ويتضمن الكتاب الذي يقع في حوالي 500 صفحة، تفاصيل عن بعض عمليات الخطف والاخفاء القسري التي تعرض لها الكرد وغيرهم . وكذلك عمليات القتل والقتل تحت التعذيب في سجون حزب الاتحاد الديمقراطي. وكذلك كشف جلبي أساليب الاتحاد الديمقراطي الخبيثة في التلاعب باستخدام المصطلحات القومية، التي خدعت العديد من الكرد والتي خدمت نظام الاسد المجرم بامتياز.

– ونذكّر بموقف زعيم حزب العمال الكردستاني: يقول عبدالله اوجلان في حوار طويل مع الصحافي نبيل ملحم نشرفي كتاب “سبعة أيام مع آبو”: إن اقليم كردستان يشكل خنجرا في خاصرة الأمة العربية ومن جهة أخرى شارك الحزب النظام السوري إنكار وجود كرد في سوريا على الرغم من أنهم كانوا وقودا لحربه ووصل الأمر بأوجلان إلى حد القول: سأجرى دراسات اكتشف من خلالها بأنه لا وجود لشيء اسمه كردستان سوريا وبأن كردها قادمون من تركيا وبأنه سيعمل على تهجيرهم وإعادتهم إليها ثانية في المستقبل”. وأطلق الكاتب الكردي السوري المعروف سليم بركات تسمية “حزب البعث الكردستاني” على حزب الاتحاد الديمقراطي.

ولكن ما العمل؟

– صحيح أن سوريا على المستوى الاجتماعي والقومي والثقافي والديني والطائفي شهدت مآسي وكوارث ليس من السهل التخلص من آثارها من نعرة طائفية وقومية ودينية ولكن الشعب السوري مارس التعايش السلمي بين كافة مكوناته وهو قادر اليوم على لملمة جراحه والعودة للحياة الطبيعية بدون استبداد وتمييز بين الناس.

– أرى أن الهوية الوطنية السورية المقترنة بالديمقراطية والعدالة الاجتماعية والسياسية هي الفكرة الوحيدة التي تشكل عاملا مشتركا يجمع كل السوريين بكافة انتماءاتهم القومية والدينية وهي الغطاء السليم لبناء دولة سورية علمانية بعيدة عن الصبغات القومية أو الدينية، دولة مواطنة لكل السوريين تعترف بحقوق الناس أفرادا وجماعات بحيث يعيش كل سوري في هذا الوطن بحرية وكرامة مع الحفاظ على وحدة أراضي سوريا وشعبها تجنباً لمشاكل نحن جميعا بغنى عنها وخاصة من قبل أصحاب الأجندات السياسية غير الوطنية وغير الشعبية.

– وأخيراً لا بد من ترسيخ قيم الاعتراف بالآخر، والتسليم بأنه لا يوجد شعب أفضل من شعب ولا دين أفضل من دين. يجب أن نعترف بحرية الانتماء والتفكير والعقيدة لكي يتساوى الجميع أمام القانون.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل