سمحت المحكمة العليا في الهند اليوم السبت ببناء معبد هندوسي في موقع أيوديا المتنازع عليه في شمال البلاد، حيث دمر متطرفون هندوس مسجدا في العام 1992، في قرار يشكل انتصارا للحكومة القومية التي يقودها ناريندرا مودي.
وبعيد إعلان الحكم، أشاد رئيس الوزراء الهندي بالقرار. وكتب في تغريدة إن “القضاء أنهى بشكل ودي قضية مستمرة منذ عقود”. وقال إن “كل طرف وكل وجهة نظر منحت الوقت اللازم والفرصة للتعبير عن وجهات نظر مختلفة”، مؤكدا أن “هذا الحكم سيعزز ثقة الشعب في الإجراءات القضائية”.
إجراءات أمنية تحسبا لتوتر بين المسلمين والهندوس
وكانت الهند قد عززت الإجراءات الأمنية في جميع أنحاء البلاد خوفا من أن يثير القرار النهائي اضطرابات بسبب التوتر بين المسلمين والهندوس منذ عقود حول هذا الموقع.
وأمرت أعلى هيئة قضائية هندية في قرارها بأن يعهد بالموقع لهيئة ستقوم ببناء معبد هندوسي فيه وفق بعض الشروط. وسيتم تسليم أرض أخرى منفصلة في أيوديا إلى مجموعات مسلمة لبناء مسجد جديد عليها، بحسب القرار التاريخي الذي يهدف إلى إنهاء عقود من النزاع القانوني والديني.
وبلغ التوتر بسبب النزاع على الموقع ذروته في 06 كانون الأول/ديسمبر 1992، عندما دمر قوميون هندوس متشددون مسجد بابري الذي شيد قبل 460 عاما. وكان القوميون الهندوس حينذاك في المعارضة وأصبحوا اليوم في السلطة.
ونشر آلاف من رجال الأمن وأغلقت المدارس حول مدينة أيوديا وأماكن أخرى. وفي المدينة نفسها، منعت التجمعات، بينما أقيمت حواجز على الطرق المؤدية إلى مبنى المحكمة العليا في نيودلهي حيث يقوم مسؤولون ومتطوعون بالتدقيق في منصات التواصل الاجتماعي بحثا عن تصريحات قد تثير التوتر على موقع فيس بوك.
إله محارب
يقول المتشددون الهندوس الذين يشكلون أغلبية في الهند، بمن فيهم مؤيدون لحزب الشعب الهندي “بهاراتيا جاناتا” الذي يقوده مودي، إن هذا الموقع الذي كان يضم حتى عام 1992 مسجدا بني في القرن السادس عشر، هو مكان ولادة الإله راما الإله المحارب. هم يؤكدون أن أول إمبراطور للمغول بابر شيد المسجد في القرن السادس عشر بعد تدمير معبدهم في الموقع الذي تبلغ مساحته 1,1 هكتار.
وفي ثمانينات القرن الماضي بدأ القوميون الهندوس وحزب “بهاراتيا جاناتا” الضغط لتدمير المسجد وإعادة بناء معبدهم، كما يقولون. وفي 1992 قام حشد من الهندوس قدر حجمه بمئتي ألف شخص بتدمير المسجد. وأدى ذلك إلى أسوأ مواجهات منذ تقسيم الهند في 1947، قتل فيها نحو ألفي شخص معظمهم من المسلمين.
وبعد عشر سنوات، أي في 2002 وبعد مقتل 59 ناشطا هندوسيا في احتراق قطار قادم من أيوديا، أدت أعمال شغب في ولاية غوجارات، كان مودي رئيس حكومتها، إلى مقتل حوالى ألف شخص معظمهم من المسلمين. وذكرت وسائل إعلام أن المحكمة قالت إن أدلة أثرية تشير إلى وجود هيكل كان مشيدا قبل المسجد في الموقع “الهندوسي الأصل”.
ويفترض أن يضع القرار حدا لنزاع حاولت بريطانيا القوة المستعمرة السابقة وحتى الدالاي لاما التوسط لتسويته. ومن جهته، قال ظافرياب جيلاني أحد محامي المسلمين في الدعوى إن الحكم “جائر”، مؤكدا أنه يفكر في تقديم طلب مراجعة. أما فارون كومار سينها محامي واحدة من المجموعات الهندوسية، فقد رأى أنه “حكم تاريخي، وبهذا الحكم وجهت المحكمة العليا رسالة وحدة في إطار التعاون”.
انتصار لمودي
يذكر أن حزب “بهاراتيا جاناتا” قام بحملة لسنوات من أجل بناء معبد في أيوديا، لذلك يشكل الحكم انتصارا كبيرا له بعد أشهر من بدء الولاية الثانية لمودي. لكنه قد يشكل ضربة لكثيرين في الأقلية المسلمة التي تضم مئتي مليون شخص. وانبثق “بهاراتيا جاناتا”عن مجموعة تحمل اسم “راشتريا سوايامسيفاك سانغ” وتميل إلى القتال. وهي تؤمن بهيمنة الهندوس “هيدوتفا” وبجعل الهند دولة هندوسية حصرا.
وفي عهد مودي أعيدت تسمية مدن عديدة مرتبطة بتاريخ المغول في الهند وتم تغيير بعض الكتب المدرسية للحد من ذكر إسهامات المسلمين في الهند. وأدت سلسلة من عمليات قتل المسلمين من قبل مثيري شغب هندوس من أجل حماية الأبقار المقدسة لدى الهندوس وجرائم كراهية أخرى، إلى زرع الخوف واليأس في المجتمع.
وخلال العام الجاري، حرمت نيودلهي جامو وكشمير الولاية الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة في الهند من الحكم الذاتي الذي كانت تتمتع به. ومع ذلك يسعى مودي إلى منع إراقة دماء. وقد طلب من قبل صدور حكم المحكمة من حزبه وأنصاره تجنب إقامة احتفالات استفزازية. كما دعت مجموعات إسلامية إلى الهدوء. وصرح مودي مساء الجمعة “أيا يكن حكم المحكمة العليا، لن يشكل فوزا أو خسارة لأحد”. وأضاف “أولويتنا هي ضمان حكم يعزز قيم السلام والمساواة وحسن النية في بلدنا”.
Sorry Comments are closed