بعد فوزها بجائزة كتارا.. الأديبة السورية وفاء علوش: أكتب لأستمر بالحياة

فريق التحرير21 نوفمبر 2019Last Update :
الأديبة السورية وفاء علوش

القاهرة – حرية برس:

في تجربتها الروائية الأولى، فازت الأديبة السورية وفاء علوش بجائزة “كتارا” للرواية العربية في دورتها الخامسة، التي أعلنت المؤسسة العامّة للحي الثقافي (كتارا) عن نتائجها في العاصمة القطرية الدوحة مؤخراً.

“كومة قش” رواية الأديبة وفاء علوش فازت ضمن فئة الروايات غير المنشورة، تعرج فيها كاتبتها على محطات كثيرة من صراع بطلة الرواية “مريم” مع واقع الحرب ومعاناتها في بلدها سوريا، عبر تفاعل الواقع والمتخيل في مستويات سردية متنوعة ولغة أدبية جذابة.

“حرية برس” التقى الأديبة وفاء علوش، في مصر، حيث تقيم بعد خروجها من سوريا، وكان هذا الحوار:

  • ما الذي تستطيع الرواية قوله وتعجز عنه الفنون الأخرى؟
  • تستطيع الرواية من وجهة نظري طرح الموضوع من أبعاد لا تستطيع المقال أو القصة القصيرة أو حتى القصيدة طرحها ذلك أنها تتمكن من الغوص في أبعاد الشخصيات النفسية وتحليل الواقع وفقاً لمنطق ووجهات نظر الشخصيات على اختلاف بيئاتها ومرجعياتها، فهي بإمكانها قراءة الأحداث وسردها من أكثر من زاوية.
  • هل تعتقدين ان الجوائز تملك معياراً عادلاً في تصنيف الأدباء وتنصفهم، بمعنى أن هؤلاء الذين يحصلون على جوائز هم الأميز والأهم والذين يفشلون في ذلك أو لا يتعاطون مع الفكرة هم بالتأكيد قل مستوى وأهمية؟
  • معيار العدل بالنسبة للفنون الأدبية معيار فضفاض يصعب تحديد المقاييس التي من الممكن محاكمة أي عمل أدبي من خلالها ذلك أن الموضوع لا يقتصر على بنية تقليدية فحسب بل هو متغير تبعاً لذائقة المحكّم أولاً، فضلاً عن الشروط المتعلقة بالنزاهة والموضوعية التي تختلف من مؤسسة ثقافية إلى أخرى، الجوائز لها أهمية حقيقية في حياة الأديب لا نستطيع إنكار ذلك لكنها لا تستطيع تحديد الأميز حتى أن كلمة الأميز كلمة مجحفة، فالأدب لا يمكن قياسه بمقاييس رياضية لأنه يعتمد إلى حد كبير على منطق حسي وعاطفي، علاوة على أن هناك كثيرين مثلما تفضلت قد لا تغريهم المسابقات ولا يفكرون بالمشاركة فيها وهذا بالطبع لا يعني أنهم أقل تميزاً من الناحية الأدبية.
  • برأيك هل يمكن للأدب أن يلعب دوراً مهماً في المجتمعات، وبخاصة مجتمعات العالم الثالث، وهل باستطاعته أن يحرز تقدماً فكرياً في كل من حالتي الحرب أو السلم؟
  • أعتقد أن الأدب والفنون والعلوم هي الحامل الأساسي الذي من الممكن أن يجعلنا نخطو باتجاه التقدم الفكري، بهدف الخروج من الإطار الذي وضعنا به تاريخياً على أننا عالم ثالث، وأعتقد أن هذا التصنيف بحد ذاته غير منصف لأنه يغض البصر عن كم كبير من الإمكانيات التي يذخر بها العالم العربي على وجه الخصوص، فضلاً عن الضخ الإعلامي العالمي الذي يجبرنا على البقاء وراء هذا العنوان أعني -العالم الثالث- العريض بالتضامن مع الاستبداد السياسي.
  • لماذا تكتب وفاء علوش؟
  • أكتب لأستمر بالحياة، أكتب كي أصنع لنفسي أملاً على الأقل، وربما من أجل تحقيق شغف ذاتي شخصي متعلق بتحقيق الذات، وفي الأساس نكتب ونعمل ونجتهد بهدف تغيير الواقع المؤلم الذي نحياه وللقفز فوق الانكسارات والهزائم التي منينا بها في العالم الثالث على حد تعبيرك، مهمة الأدب مخاطبة القارئ بشكل مباشر أو غير مباشر ورمي حصى في المياه الراكدة، قد لا تغير الكتابة شيئاً في العالم على المدى القريب لكنها ستفعل ذلك يوماً ما.
  • في روايتك كنت حريصة على إبراز الوجوه الثلاثة للإنسان السوري في فترة ما بعد بداية الثورة السورية، فكنا أمام الثائر وعنصر الأمن والإنسان العادي الذي لا ينتمي إلى طرف ثالث لم يتعاطَ مع الحدث ولم يتخذ منه موقفاً بحد ذاته. هل ترين أن الثورة كانت حدثاً مفصلياً في حياة الإنسان العادي أم أنها عجزت عن المساس بأفكاره ومعتقداته؟
  • كان للثورة السورية دور هام جداً في حرف مسارات عدة في حياة الإنسان السوري العادي تحديداً، المطلع على الحياة السياسية في سورية يدرك تماماً أنه كان من الصعب جداً الثورة على النظام الحاكم، لكنها حدثت وغيرت مصائر شريحة غالبة من الناس، لقد كانت بمثابة انعطافة تاريخية ظهر من خلالها وعي جمعي مختلف عما كانت تسوق له الطبقة الحاكمة، واستطاع القفز فوق حالة الترهيب والتجهيل التي تعرض لها السوريون عبر عقود.
  • أعتقد أن عدد المشتغلين بالكتابة في سوريا يفوق عدد الأدباء الذي ينتجه أي بلد آخر. كف ترين هذا الأمر من وجهة نظرك بصفتك كاتبة شابة، وهل هذه الظاهرة إيجابية وما مدى أثر ذلك على المجتمعات السورية؟
  • إن ازدياد عدد الكتاب في أي مجتمع من وجهة نظري يعد ظاهرة إيجابية على أن يكون مقترناً بالقراءة حتماً، من حق كل إنسان أن يمارس الكتابة بطريقته ولكن من الضروري ألا يؤثر ذلك على تدني مستوى الذائقة الإبداعية لأن هدف الآداب والفنون هو الارتقاء بالذائقة العامة لا العكس، بما يخص الحالة السورية أعتقد أنها حالة صحية ورد فعل طبيعي على عقود من الكبت السياسي والثقافي عاشها السوريون، بحيث أصبحت الثورة بمثابة متنفس لكل من يحلم بالكتابة بشكل حر ومن دون رقيب.
  • اعتمدت في روايتك على البطلة الأنثى غير الناضجة ووضعتها في سياق أزمة لم تكن مجهزة لها معرفياً أو اجتماعياً، كيف تصفين وضع الأنثى في سوريا قبل الثورة وخلالها، وهل تعتقدين أن المجتمعات العربية رغم تطورها المزعوم استطاعت أن تقفز فوق التمييز الجندري المتأصل وتتجاوزه؟
  • ربما يستدعي هذا السؤال فتح مجلدات تعنى بأسس التمييز الجندري الاجتماعي منها والقانوني، سأجيب باختصار قدر الإمكان،لقد كان للمرأة مساهمات كثيرة في المجتمع على كافة الأصعدة في مرحلة ما بعد الاستقلال وحتى استلام البعث السلطة، عانت بعد ذلك من إقصاء وتغييب متعمدين حالها بذلك جال السوريين جميعاً مقابل ظهور طبقة حاكمة متنفذة تسيطر على مفاصل البلاد، و لقد كان وضع الأنثى في سوريا بعد ذلك مختلفاً تبعاً لاختلاف المجتمعات والبيئة التي تنحدر منها فنجد مجتمعات منحت المرأة مساحات واسعة لإثبات حضورها وتوكيد ذاتها الإنسانية في حين حرمتها مجتمعات أخرى من حق اختيار الزوج أو حسرت عملها في مجالات ضيقة مثل التربية والتعليم على اعتبار أن مهمتها الأولى أن تكون أماً أو ربة منزل، في الوقت ذاته ظلت سلطة الرجل مهيمنة عليها في المجالات السياسية والقانونية حيث كانت نسبة الرجال العاملين بالسياسية تفوق النساء بأضعاف علاوة على قصور القانون من ناحية تحقيق المساواة بين الجنسين، الثورة السورية كانت خرقاً لكل ما سبق حيث طغى حضور الأنثى في المظاهرات أولاً وتعدى ذلك إلى كسر التابوهات السابقة فظهرت المرأة العاملة في مجال الإعلام على سبيل المثال أو الأدب  أو حتى في النشاطات الميدانية من تنظيم مظاهرات أو إسعاف جرحى أو في القيام بمهمة مراسل حربي من تصوير وتوثيق.
  • ركزت في روايتك بشكل غير مباشر على مفهوم الأمومة حيث لعب دوراً جوهرياً في التطور التدريجي لبطلة روايتك “مريم” واتخاذها قرارات غير متوقعة. كيف ترى وفاء علوش الأمومة وهل تعتقدين بصفتك صاحبة تجربة أن الأمومة في وسعها إنقاذ العالم في عصر تهيمن فيه الأسلحة على كل شيء؟
  • العالم المليء بأصوات الرصاص لا يمكن أن يتغير بسهولة، لكن ما أدرت قوله بشكل غير مباشر أن المشاعر الإنسانية قادرة على تفتيت هذه القسوة نوعاً ما، أما بالنسبة للأمومة فهي قادرة على تغيير الأم بشكل مبدئي وأساسي لأنها تكتشف بذاتها مشاعر لم تكن لتكتشفها لو لم تصبح أماً، ليتبع ذلك مسؤوليتها الأساسية بالعمل على تربية أولادها ليكونوا فاعلين في مجتمعات أقل عنفاً، وأكثر إصغاء إلى الذات الإنسانية بغريزتها الفطرية الجيدة منها.
  • عرجت في روايتك على مفهوم الوطن وقد يبدو للقارئ أن الوطن مجرداً فكرة هشة، كيف تكون الأوطان بالنسبة إلى وفاء علوش وهل تستحق الأوطان من وجهة نظرها هذه التضحيات كلها؟
  • الوطن بالنسبة لي فكرة مجردة، لا يمكن أن تتحول إلى واقعية من دون وجود مواطنين لهم الحقوق وعليهم الواجبات ذاتها، وهذا لا يتحقق مع الأسف في البلاد التي نختصرها باسم شخص أو التي يمتلكها قلة من المتنفذين والمستفيدين، الوطن مثلما نقول في العامية البسيطة بشر وليس حجر.
  • ما الذي يجعل عملاً أدبياً مهماً وآخر عابراً، وهل من العدل الاحتكام في عصرنا هذا إلى ذائقة الجمهور وتصنيف الأعمال الأدبية وفقاً لنسب المبيعات والعرض والطلب، وهل ترين أن دور النشر تلعب دوراً مهماً في تسويق الأعمال الجيدة من دون تمييز، أم أن أثرها يرتبط بنوعية القائمين عليها وأهوائهم وسبل تحقيق الأرباح؟
  • ما يحدث غالباً هو تحويل الأدب إلى سوق مع الأسف، واحتكامها تبعاً لذلك إلى قوانين العرض والطلب بهدف تحقيق الربح الأفضل والأسرع، وفي هذه النقطة تحديداً يبرز دور المؤسسات الثقافية الهادفة التي تعمل على الاستثمار الثقافي من دون انتظار ربح مادي وإنما البحث عن ربح معنوي وثقافي وتنويري، الأمر الذي لا يمكن أن يحدث من دون تمويل ضخم وهي مهمة الأوطان التي سبق وتحدثنا عنها حيث من واجبها العمل على مشروع ثقافي كامل لدعم الحالة الثقافية في البلاد غير أن ذلك يصبح بعيد المنال نوعاً ما لأن ثقافة الاستبداد تعمل على التجهيل والإفقار الروحي لا العكس، أما بالعودة إلى ذائقة الجمهور فمن الممكن الاحتكام لها إلى حد كبير لأن القاعدة العريضة من القراء ذكية بما يكفي لانتقاء العمل الجيد والاهتمام به وربما كان ذلك بسبب الصحوة الثقافية التي عاشتها المجتمعات في الآونة الأخيرة، علاوة على أن الأدب الجيد قادر على فرض نفسه في سوق أصبحت متخمة بالكتب الجيد منها والسيء.
  • حقق الأدب العربي والسوري تحديداً انتشاراً غير مسبوق في الغرب بسبب موجات اللجوء في السنوات الأخيرة. كيف تقيمين الصورة التي نقلها المشتغلون في الكتابة للأدب إلى أوربا بشكل خاص، وهل ترين أن ذلك ساعد المجتمعات الأوربية في تشكيل صورة صحيحة عن معاناة الشعوب بالإضافة إلى مستوى الأدب في سوريا قبل عام 2011؟
  • ما حدث بالفعل كان له دور إيجابي بنقل صورة حضارية وحية عن مجتمعات مثقفة كان الغرب حتى اللحظة يعتقد أنها ما تزال تعيش حياة بدائية، غير أن ذلك يبقى ضعيف الفاعلية والتأثير كونه يصطدم بمعوقات مختلفة أولها اختلاف اللغة بين العالم العربي وأوروبا، وثانيهما أن عدد المهتمين بالأدب في الغرب لا يصل إلى مستويات كبيرة بسبب انشغالهم بالعمل طوال فترة الأسبوع للحاق بتفاصيل الحياة الاستهلاكية التي تسرق أغلب وقتهم، العامل الأكثر تأثيراً بشكل سلبي على الصورة التي تصل عن العالم العربي إلى الغرب هو الإعلام الذي يروج باستماتة لفكرة أن العرب إرهابيون بشكل قطعي  ويضخ من أجل ترسيخ هذه الفكرة أموالاً طائلة، فتغدو محاولات الحركة الثقافية العربية في المهجر كالنحت في الصخرفي مواجهة أدلجة مستمرة للفكر الغربي بهدف رفض وإقصاء الإنسان العربي.
Comments

Sorry Comments are closed

    عاجل