مفهوم الثبات والاستقرار لا وجود له في كيان الثورة، فالثورة تعني التغيير الدائم نحو الأفضل وعدم الوقوف عند حد معين، وهذا ما يجعل أدعياءها عرضة للكثير من التقلبات سواء في الآراء أو الأفعال، وتسري هذه المبادئ على كل أنواع الثورات سواء كانت ضد نظام حاكم أو ثورة صناعية أو زراعية أو فكرية، فالأمر يتطلب في جميع الأحوال استمرار السير تصاعديا ليس في التطبيق العملي للثورة لأن ذلك يبدو مستحيلا فهي حتما ستمر بأطوار السبات ثم التراجع وهذا يجب أن لا ينطبق على التفكير الثوري لأنه يجب أن يكون دائما في حالة التفكير الإيجابي والابتعاد عن الملوثات التي من شأنها أن تسميم الفكر الإبداعي للثورة والقبول بتوافه الأمور ثم العودة إلى ما قبل الثورة.
المبادئ الأساسية لأي ثورة والتي لا يمكن قوننتها في دستور ثابت إلا أنها لا تتناقض أبدا مع طبيعة الإنسان وفطريته بل على العكس تماما فهي تتماشى مع سعي الإنسان الدائم نحو الكمال، وكل ما يعترض حياته من ظلم واستبداد وتخلف وغيرها ما هي إلا ظروف طارئة تشبه إلى حد كبير الاختناقات الموجودة في سواقي المياه يجب عليه أن يستغلها للاندفاع بشكل أقوى حتى يحافظ على قوته وثباته إلى النهاية.
المسافة الكبيرة التي ظهرت بين فئة كبيرة من الشعب السوري وزمرة حاكمة لا تدع مجالا للشك في أحقية الشعب بمواصلة ثورته ولا يبرر للبعض الإمساك بالعصا من منتصفها والتفوه بكلمات كان يعتبر قائلها خائنا للثورة، أما اليوم فيمكن القول إننا أصبحنا نسمع كلاما عن المساواة بين النظام المجرم والثوار وكلمات تصف من يلتحق بالخدمة الإجبارية بالضحية والمغلوب على أمره وعدم الخوض في جرائم النظام لأن ذلك يعارض سياسة المنظمة الداعمة بل وصل الأمر إلى الصراخ العلني بتفضيل مؤسسات النظام بكل ما فيها من فساد على المؤسسات الثورية، وباتت مصطلحات التسوية والرجوع إلى حضن النظام أكثر الحلول تداولا على ألسنة البعض، و”أنتم من دمر البلد وهجر أهله”، و”النظام محق في الدفاع عن نفسه وحماية الدولة”، وحتى أن بعض المفاهيم التي اختلقها النظام لتشويه صورة الثورة أصبح تداولها في المناطق المحررة أمرا طبيعيا مثل المؤامرة الخارجية والأزمة السورية، وهذا دون شك ما يبحث عنه النظام.
يجب أن ندرك أن الثورة هدفها التغيير وليس الإصلاح أو الترميم، فمثل هؤلاء الناس هم من يضعون العصي في عجلاتها ويسعون جاهدين لشدها للوراء وتلميع صورة الحال ما قبل الثورة والتباكي عليه، هؤلاء هم أعداء الثورة الحقيقيين لأن أي تغيير يجري يرونه ضررا لمصالحهم، فالواجب في هذا الحال أن نتوقف عن المداهنة ومراعاة شعور من لم يراع الدماء والأرواح التي تزهق كف يوم في سبيل الكرامة، يجب أن يحمل كل منا مجهراً ويسلطه على أقوال وأفعال هذه الفئة من الناس لتبدو للجميع أنها جرائم كبيرة بحق الثورة والشعب ولا يجوز السكوت عنها، ومن يقول أن الثورة قد انحرفت عن مسارها فلينظر هل قام بأي قول أو عمل لتصحيح هذا المسار أم أنه قبل ورضي به لأنه وافق هواه.
عذراً التعليقات مغلقة