كشفت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية تفاصيل مروعة عمَّا يجري في سجون نظام الأسد، من عمليات تعذيب وانتهاكات، غالباً ما كانت تؤدي إلى وفاة المعتقلين، مؤكدة أنها حصلت على وثائق تكشف بعضاً من تلك التفاصيل والممارسات التي كانت تستهدف كل من يعارض النظام.
وأرفقت الصحيفة تقريرها المطول، بالعديد من الوثائق والمراسلات الحكومية، التي تشير إلى أن “كبار القادة الأمنيين كانوا على علم بتلك الانتهاكات والفظائع التي كانت ترتكب، بل إنهم هم من أمروا بها”.
الصحيفة تحدثت عن مهند غباش، طالب القانون من مدينة حلب، وكيف تم تعليقه من معصميه لساعات، وتعرض لضرب دموي وصعقات كهربائية ووضعوا مسدساً في فمه.
بحسب الصحيفة فإن “غباش اعترف مراراً وتكراراً بجريمته الفعلية، وهي تنظيم الاحتجاجات السلمية المناهضة للحكومة، ولكن بعد تعذيب لمدة 12 يوماً اعترف بأنه مسؤول عن مخطط للتفجيرات”.
غباش الذي يقيم حالياً في غازي عنتاب التركية، تحدث للصحيفة عن “مرارات التعذيب في سجون الأسد”، حيث قضى هناك قرابة 19 شهراً ولم يتم الإفراج عنه إلا بعد أن دفع أهله رشوة للقاضي، حيث يقول عن نفسه “كنت محظوظاً”.
وأضافت نيويورك تايمز: “بعد ثماني سنوات من انطلاق الاحتجاجات السلمية ضد نظام بشار الأسد، فإن قمعه للمعارضة والتعذيب في السجون كان أحد أهم الأدوات التي استعملها للقضاء على المناهضين لحكمه”.
واستطردت تقول: “ففي الوقت الذي كان جيش النظام يقاتل بدعم روسي إيراني، فإن الحكومة السورية شنت حرباً قاسية على المدنيين، وألقت بمئات الآلاف منهم في زنزانات قذرة؛ حيث تعرضوا للتعذيب والقتل”.
وأشارت الصحيفة إلى “وجود نحو 128 ألف سوري دخلوا تلك السجون ولم يغادروها حتى اللحظة، ولا أحد يعرف مصيرهم، بعضهم ماتوا من شدة التعذيب وربما ما يزال آخرون محتجزين، بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان التي وثقت مقتل 14 ألف سوري تحت التعذيب، بينما وصفها تقرير للأمم المتحدة بأنها عمليات إبادة تمارس بحق المدنيين”.
الآن وبعد انتهاء الحرب، تقول الصحيفة: إن “أنظار العالم لم تعد تلتفت لهذا الأمر المروع، وبدأت تُطَبع علاقاتها مع نظام الأسد، ومع ذلك فإن وتيرة التعذيب وعمليات الإعدام في ازدياد؛ ففي العام الماضي سجلت الشبكة السورية لحقوق الإنسان اعتقال 5607 أشخاص، بمعدل 100 عملية اعتقال في الأسبوع الواحد”.
وتابعت الصحيفة: “المحتجزون في سجن صيدنايا تمكنوا مؤخراً من تهريب المئات من الرسائل مع السجناء المفرج عنهم، التي تحدثت عن عمليات إعدام، مؤكدين أن وتيرة القتل تسارعت في الآونة الأخيرة”.
وفي مذكرة حكومية حصلت عليها الصحيفة، تعترف الاستخبارات العسكرية بحالات وفاة ناجمة عن عمليات التعذيب وظروف الاعتقال “القذرة”، في حين تشير مذكرة أخرى إلى وفاة معتقلين تم تحديد بعضهم فيما بعد من خلال الآلاف من صور الجثث التي تم تهريبها من قبل منشق سوري من الشرطة العسكرية.
نيويورك تايمز قالت إن مذكرة من رئيس الاستخبارات العسكرية، رفيق شحادة، بينت أن المسؤولين يخشون الملاحقة القضائية في المستقبل؛ حيث إنه يأمر الضباط بإبلاغه عن جميع الوفيات واتخاذ خطوات لضمان الحصانة القضائية لمسؤولي الأمن.
الصحيفة ذكرت بأنها على مدى سبع سنوات أجرت مقابلات مع عشرات الناجين وأقارب المعتقلين والمفقودين، واستعرضت الوثائق الحكومية التي تبين بالتفصيل حالات الوفاة في السجون والقمع الممارس على المعارضين، وفحصت مئات الصفحات من شهادات الشهود في تقارير حقوق الإنسان والملفات الصادرة عن المحاكم.
وأضافت: “تتوافق حسابات الناجين المبلَّغ عنها هنا مع روايات السجناء الآخرين المحتجزين في السجون نفسها، وتدعمها المذكرات الحكومية والصور المهرَّبة من السجون السورية”.
وتؤكد الصحيفة أن نظام السجون كان جزءاً لا يتجزأ من المجهود الحربي الذي تبناه الأسد لسحق حركة الاحتجاج المدني، ودفع المعارضة إلى صراع مسلح لم تستطع الانتصار فيه.
في الأشهر الأخيرة، تقول الصحيفة، اعترفت حكومة نظام الأسد ضمنياً بأن مئات الأشخاص قد ماتوا في الحجز، بضغط من موسكو؛ حيث أكدت حكومة النظام مقتل ما لا يقل عن عدة مئات من الأشخاص المحتجزين من خلال إصدار شهادات الوفاة، أو إدراجهم في عداد الوفيات في ملفات تسجيل الأسرة.
وتطرقت نيويورك تايمز إلى ما قاله مؤسس الشبكة السورية، فاضل عبد الغني، بأن هذه الخطوة بعثت برسالة واضحة للمواطنين: “لقد انتصرنا، وفعلنا هذا، ولن يعاقبنا أحد”.
وترى الصحيفة أنه لا يوجد أمل كبير في مساءلة كبار المسؤولين في أي وقت قريب، ولكن هناك حركة متنامية تسعى إلى تحقيق العدالة من خلال المحاكم الأوروبية؛ فقد ألقت النيابة العامة الفرنسية والألمانية القبض على ثلاثة مسؤولين أمنيين سابقين، وأصدرت أوامر اعتقال دولية لمدير الأمن القومي في النظام السوري، علي مملوك، ومدير المخابرات الجوية جميل الحسن.
وتختم الصحيفة بالقول: “مع ذلك يبقى الأسد وكبار المسؤولين في السلطة في مأمن من الاعتقال؛ حيث تقدم له روسيا الحماية بقوتها العسكرية ونقضها لقرارات مجلس الأمن، وفي الوقت نفسه تستعيد الدول العربية علاقتها مع دمشق، وتدرس دول أوروبية خطوات مماثلة”.
عذراً التعليقات مغلقة