“تحت أشعة الشمس الحارقة، والعرق ينضح من جبيني، حاولت أن أريح كفيَّ قليلاً من حصاد الحمّص، في واحدة من الأراضي الزراعية في مدينة كفرزيتا في ريف حماة الشمالي، نال التعب مني حتى أنني لم أعد أستطيع فتح عيني اللتين احمرّتا من كثرة الغبار الداخل إليهما، فنفضت عن ثيابي الغبار، ثم اتجهت إلى النسوة اللواتي كن يتفيئن بظل شجرة تين قريبة، إلا أني ما إن اقتربت منهن قليلاً حتى تناهي إلى مسمعي شيء من حديثهن: (ما بتطلّق غير الفلتانة)، كان وقع الكلمات كالصاعقة على روحي، وعلمت أنهن يتبادلن قصة طلاقي كما لو أنها إحدى السير المتداولة بسخونة”.
بهذه الكلمات افتتحت ريهام قصتها لـ “حرية برس”، كواحدة من قصص معاناة المرأة المطلقة مع المجتمع والناس.
تكمل ريهام: “عندما سمعت كلامهن عشت لحظة تخبط، واحترت في أمري، هل أكمل المسير نحوهن، كي أروي لهن حكايتي مبرهنة للسامعين أني لست المذنبة بقضية فشل زواجي؟ لكن عن ماذا أحكي لهم؟ عن زوجي الذي لم يحبني، واعتبرني مجرد حقنة مسكنة لوجع صدمة سابقة عانى منها، أم عن تجربتي معه التي استمرت لعام واحد بنكهة الوحدة والهجر، إذ كنا ننام في غرفتين منفصلتين، تراجعت، لأن الكلمات ليست كفيلة بوصف حالة الخيبة، التي كنت أتذوقها عندما حاولت مرارا التودد إليه متنازلة عن كبريائي، ليصفعني بعدم الإهتمام”.
تتوقف ريهام عن الكلام لتمسح دمعة نزلت على وجنتها، ثم تتناول جرعة كأس من الماء.
ريهام، فتاة ريفية، ذات وجه أبيض وعيون عسلية يقول بريقها إنها في بدايات العقد الثالث من العمر، لم يحالفها الحظ في الزواج، فكان الانفصال عن زوجها مصيرها، وباتت “مطلقة” كما يصفها الناس والمجتمع، بما تتضمنه هذه الصفة من إدانة مسبقة، واتجهت للعمل بمختلف أشكال الأنشطة الزراعية، والأشغال اليدوية.
بصوت هادئ يغلب عليه الحزن، تتابع ريهام فصول قصتها، فتقول: “نعم أنا مطلقة، لكن ليس لأنني نشزت مع زوجي، أو قصرت معه بالواجبات المنزلية أو الزوجية، وإنما…..”، تعض على على شفتها السفلى مغمضة العينين ثم تكمل: “لإنه لم يحبني، أو بالأحرى تزوجني دون قناعة”.
نسألها المزيد من الإيضاح، فتقول: “كان يحب فتاة من أقربائه، ولم يقبل أهله بأن يخطبوها له، بسبب وجود مشاكل عائلية ما بين الطرفين، حتى مر الوقت، فخطبها شاب أخر، ليغمر الجنون عقل طليقي، فيسارع أهله بطلب يدي بهدف أن يخففوا صدمته”.
نسألها عن عمرها وقت زواجها، وتجاربها في الحياة قبل الانتقال إلى بيت الزوجية، فتجيب: “حينئذ كان عمري 18 عاما، لم أكن أعرف شيئا خارج عتبة البيت، إذ لم يسمح لي أهلي بأن أخرج منه، لا إلى المدرسة أو أي مكان آخر، إلا في الحالات الضرورية، لذلك لم يكن لدي قدرة بأن أفكر واتخذ قراراً ضمن أسرتي الملتزمة جدا، حيث فقط المسؤول عنها هو فقط من يقوم بتلك المهمة، وعلي التنفيذ”.
تتابع ريهام: “وافق أهلي على رامز، زوجي السابق، مع أنه لم يكن من نفس القرية، من مبدأ (المطرح الكويس مو كل يوم بيجي)، خصوصا أن من دل عائلة طليقي علينا مدحهم كثيرا لنا، فتم الإتفاق أن يكون الزواج بعد شهر واحد من قراءة فاتحة الخطبة، ومع اقتراب الزفاف جلس معي والداي ليعطياني النصائح والإرشادات كيف سأتعامل مع عريسي كزوجة صالحة حتى يحبني، شعرت من خلال كلامهم أنني سأكون تاجاً على رأسه”.
وتبتلع ريهام غصة حزن عميقة، وتتابع: “انتهى مفعولي لدى طليقي بعد مضي أيام قليلة من العرس، ثم صار يتبع معي سياسة الإهمال أي بمعنى أخر (التطفيش)، صبرت عليه لإن أمي قالت لي ذات مرة إن الرجل يغضب أحياناً، فيرفع صوته عليك، وربما يضربك، لذلك عليك أن تتحملي، (كي لا تخربي بيتك)، كما قالت، وأردفت، إن مرت عليه لحظات دون أن يكلمك، فتحملي، لعلّه يعاني من مشكلة ما”.
وتضيف ريهام: “استمر بتجاهلي فترة طويلة، ثم سافر تاركاً المنزل لمدة شهرين، في الوقت الذي بقيت فيه هناك دون إخبار أهلي بما يحصل، وعملت بالتطريز وشغل الخرز بهدف كسب قوت يومي، وحين عاد إلى القرية، لم يقصد منزلنا، مما دفعني لأن أكذب، مدعية أني حامل، فأرسلت له البشرى مع أخته، ليرد علي بكل وقاحة (ما زرعت حتى أحصد)، بعدئذ رمى علي اليمين ثلاثا، طالبا مني جمع أغراضي ومغادرة البيت، ما توجب عليه أن يدفع لي حقوقي كاملة من مقدم ومؤخر، كونه هو من طلق، بعدها رجعت إلى بيت أهلي، منكسة الرأس لا أقوى على أي شيء، حتى الكلام”.
ونسأل ريهام كيف تعاملت مع الفترة الأولى بعد طلاقها، فتجيب: “في البداية أمضيت وقتي وحيدة في الغرفة، بعد ذلك قررت أن أبدأ من جديد، متناسية ما حصل في الماضي، فصرت أعمل مع الورشات الزراعية بمختلف أشكال الأعمال، وأشغال التطريز والنسيج، لتأمين مصروفي الشخصي، كي لا أشعر بأني ثقيلة على أهلي”.
وكيف تنظر ريهام إلى واقعها ومستقبلها الآن؟
تجيب: “الآن حياتي تتلخص ما بين البيت والشغل، أحاول قدر الإمكان أن أبتعد عن الناس، من أجل ألا يفتحوا معي سيرة طلاقي، فأدخل معهم بجدال طويل معظمه لوم لي على طلاقي دون أن يأخذوا أي اعتبار لأسبابه الحقيقية”.
وتختم ريهام: “لا أعلم إذا ما كان القدر سيضحك لي مجدداً في يوم ما، وأتساءل، يا ترى هل سأحظى بفرصة زواج ثانية أفضل من السابقة في مجتمع تحكمه نظرة احتقار وازدراء للمطلقة، ومقولات مهينة لإنسانيتها مثل (خذ البنت لو بارت)، و (ما باس تمها غير أمها)، وغيرها من الأمثال التي تقلل من شأن المطلقة وتزيد ألمها وخيبتها؟!
عذراً التعليقات مغلقة