سامر العاني – حرية برس:
في الثالث من الشهر الجاري (مارس 2019) كتب الرئيس المشترك لمجلس سوريا الديمقراطيّة “رياض درار” منشورًا على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” يقول فيه “باستقلالية المجتمع المدني وحياديّة الدولة يمكن البدء بالسير على طريق إدارة التنوّع وتوثيق العيش المشترك، والخلاص من إرث الاستبداد بكافّة صوره”.
هذا المنشور الذي سبقه بدقائق منشور لـ”درار” أيضًا، رأى فيه أنّ “شكل الإدارة الوطنية ليس له علاقة بعروبة وكورد وسريان، وكل تمترس وراء الهوية بالمعنى الأصولي هو فتح لباب صراع طويل لا يتوقف” أثار جدلاً حول حقيقة استقلالية الإدارات المدنيّة والمجتمع المدني في مناطق شرق الفرات، التي تخضع لسيطرة مليشيا قوّات سوريا الديمقراطيّة ذات الغالبيّة الكرديّة، وما إذا كانت “قوّات سوريا الديمقراطيّة” بالفعل تهيمن على مفاصل هذه الإدارات أم لا.
وللوقوف على حقيقة الأمر تقصّى “حريّة برس” من خلال مصادر داخل مليشيا قوّات سوريا الديمقراطيّة ومصادر أخرى تعمل لدى المجالس المدنيّة شرق الفرات، أكّدت جميعها أنّ “قسد” تهيمن على مفاصل الإدارات المدنيّة وتتحكّم بشكل مباشر بالمجتمع المدني، كما تمّ التواصل عبر قنوات خاصّة مع قيادات “قسد” و “مسد” إلّا أنّهم رفضوا التعليق أو الإجابة على أيّ من الأسئلة المطروحة عليهم.
مقترح قنديل
يقول الضابط المنشق عن قوّات سوريا الديمقراطيّة “طلال سلو” والذي كان يشغل منصب المتحدّث الرسمي باسمها، إنّ “مجلس سوريا الديمقراطيّة” المعروف اليوم باسم “مسد” تشكّل بعد مقترح أرسلته قيادة حزب العمال الكردستاني التركي “PKK” في نهاية شهر كانون الأول/ديسمبر من عام 2015 يقولون فيه “إنّ الوقت قد حان ليكون لقوّات سوريا الديمقراطيّة واجهة سياسيّة ومدنيّة تأخذ الصفة الشرعيّة”، وبناء على هذا المقترح وجّهت حركة المجتمع الديمقراطي التي يرأسها القيادي في “PKK” الدار خليل على الفور دعوة لتشكيل لجنة تحضيريّة لتأسيس هذا المجلس في مطلع 2016.
ويكشف “سلو” في حوار خاص لـ”حريّة برس” أنّه على الرغم من وجود ممثلين عن أغلب المكوّنات في اللجنة التحضيريّة، كالدكتور “محمد بنيان” و”حكمت حبيب” من الهيئة الوطنيّة العربيّة والمحامي “عبد السلام أحمد” و “عبد الكريم عمر” الذي يشغل حاليا منصب مسؤول العلاقات الخارجيّة في منطقة الجزيرة، إلا أنّ الكلمة الفصل في اللجنة كانت للقياديَّين في حزب العمال الكردستاني “PKK” القادمَين من جبال قنديل “الدار خليل” و “اسماعيل ديريك” ومن عيّن أعضاء المجلس هو القائد العام لقوّات سوريا الديمقراطيّة “شاهين جيلو” المعروف باسم “مظلوم كوباني” حاليًا وهو أيضا قيادي بارز بالحزب في جبال قنديل.
ويضيف أنّ مجلس سوريا الديمقراطيّة بدأ بتشكيل المجالس المدنيّة في دير الزور والرقّة بعد تعيين القياديّة في “YPJ” إلهام أحمد رئيسة فعليّة لمجلس سوريا الديمقراطيّة، حيث انتُدبت من قنديل خصّيصًا لتولّي تلك المهمّة، وكان القائد العام لقوّات سوريا الديمقراطيّة “مظلوم كوباني” على اطلاع كامل بالأسماء التي سيتم تعيينها في تلك المجالس، وهو من اختار أعضاء تلك المجالس من بين قائمة تضم عددًا من المرشّحين.
السيطرة على مراكز القرار
يتّفق عضو في اللجنة التحضيريّة لمجلس سوريا الديمقراطيّة –طلب عدم الكشف عن اسمه لدواع أمنيّة- مع ما قاله “سلو” مضيفاً أنّ عمليّة تشكيل المجالس المحليّة في دير الزور والرقّة كانت معقّدة للغاية، بسبب نسب توزّع الأكراد في المحافظتين، فمدينة دير الزور لا يوجد فيها سوى عدد قليل جدّاً من العوائل الكرديّة وجميعهم يسكنون خارج مناطق سيطرة “قسد” بعكس مدينة الرقّة التي يوجد فيها مجتمع كردي كامل ولهم تجمّعات سكنيّة في المدينة والأرياف، من هنا كانت المهمّة سهلة أمام مجلس سوريا الديمقراطيّة أن يعيّن القياديّة في وحدات حماية المرأة “YPJ” المهندسة “ليلى مصطفى” القادمة من قنديل لتتولّى مهمّة الرئيسة المشتركة لمجلس الرقّة المدني، بينما لم يستطيعوا الزج بالمكوّن الكردي في مجلس دير الزور المدني على اعتبارها منطقة خالية من التواجد الكردي، لذلك عيّنوا كامل أعضاء المجلس من العرب شكليّاً وأوكلوا مهمة الإشراف على المجلس للحاكم الفعلي لدير الزور عسكريّاً ومدنيّا “بولات جان” وهو أيضاً قيادي في حزب العمّال الكردستاني أرسل من قنديل مع بداية تشكيل قوّات سوريا الديمقراطيّة عام 2014.
تهميش دور المكون العربي
حديث “سلو” وعضو اللجنة التحضيريّة دفعنا للتوسع في البحث عن الدور العربي داخل مجلس سوريا الديمقراطيّة والمجالس المدنيّة لنتوصّل إلى أنّ عدداً من أهالي محافظة دير الزور تواصلوا مع الرئيس المشترك لمجلس سوريا الديمقراطيّة “رياض درار” في شهر أيلول/سبتمبر من العام 2017 من أجل إخراج المدنيين من مخيّمَي السدّ ومبروكة وتأمين طريق لهم إلى ريف دير الزور الغربي، إلا أنّ طلب “درار” قوبل بالرفض القاطع من قبل “إلهام أحمد” و “مظلوم كوباني” بحسب ما أكّد مدير شبكة “فرات بوست” المختصّة في شؤون المنطقة الشرقيّة في سوريا “أحمد الرمضان”.
ويروي “الرمضان” حادثة أخرى تؤكّد عدم فاعليّة المكوّن العربي داخل قوّات سوريا الديمقراطيّة، ففي شهر تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2017 حاصر النظام السوري وروسيا نحو 150 عائلة في “حويجة كاطع” عقب المعارك الدائرة بينهم وبين تنظيم “داعش” وكانت تلك المنطقة لا تبعد أكثر من 100 متر عن قرية الحسينيّة الخاضعة لسيطرة قوّات سوريا الديمقراطيّة، تواصل حينها عدد من النشطاء من المحافظة مع المجلس المدني والرئيس المشترك لقوّات سوريا الديمقراطيّة “رياض درار” من أجل تأمين سفن مائيّة لنقل المحاصرين، إلا أنّ هذه المساعي باءت بالفشل وتعرّض عدد من المحاصرين للموت بسبب رفض قيادة القوات فتح ممر آمن للمحاصرين.
يبرّر “درار” رفض قوّات سوريا الديمقراطيّة هذين الطلبين، ومنع مجلس دير الزور المدني من تشكيل فريق لإنقاذ المحاصرين، بأنّ المنطقة تشهد معارك ضدّ “تنظيم داعش” وأنّ قوّات سوريا الديمقراطية تخشى من تسلل مقاتلي التنظيم مع المدنيين، وهذه التبريرات وإن كانت غير واقعيّة بحسب ما وصفها نشطاء دير الزور، إلا أنّها دفعتنا للبحث عن دور قيادات قنديل في المجالس المدنيّة والمجتمع المدني بمناطق أخرى خالية من “تنظيم داعش” لنقف على حقيقة الأمر، ونحصل على إجابة لسؤالنا، هل هذه الذرائع حقيقيّة أم أنّ قسد تريد الهيمنة بالفعل على الإدارات المدنيّة والمجتمع المدني؟.
هيمنة قنديل على المجلس المدني والمنظّمات
يقول عضو في مجلس الرقّة المدني -رفض الكشف عن اسمه لأسباب أمنيّة- إنّ الرئيس المشترك للمجلس “ليلى مصطفى” تستحوذ على القرار المطلق حتّى في أصغر الامور، ولا تسمح لأي مكتب باتخاذ قرار دون موافقتها عليه، فهي مقرّبة جدّا من الرئيسة المشتركة لـ”مسد” وكانا يعملان معا في وحدات حماية المرأة “YPJ” في قنديل.
ويكشف عن خلاف “ليلى” مع رئيس لجنة إعادة الإعمار “حمّود الشواخ” إذ إنّ اللجنة تتبع لمشروع “فرات” المموّل من منظّمة “كرييتف” الأمريكيّة لكن يعمل تحت غطاء مجلس الرقّة المدني، وكانت “ليلى مصطفى” تخشى من تمدّد الشوّاخ داخل المجلس المدني، لذلك طلبت منه العمل من خلال “البلديّات” التابعة لـ”مسد” حتّى تضمن السيطرة التامّة على اللجنة، وبسبب رفض “الشوّاخ” العمل مع البلديّات أوقفت مشروعا لإعادة الإعمار بقيمة 1.5 مليون دولار لمدّة شهرين، حتّى أجبرت اللجنة العمل من خلال البلديّات.
هذه الحادثة وإن كانت دليلاً واضحاً على هيمنة “قوّات سوريا الديمقراطيّة” على المؤسّسات المدنيّة والمجتمع المدني شرق الفرات، إلّا أنّ حادثة الاعتداء بالضرب على مديرة منظّمة مواطنون للتنمية “ريم الناصر” جاءت لتؤكّد محاولة قوّات سوريا الديمقراطيّة منع أي عمل أو نشاط مدني خارج سلطتهم.
استخدام العنف لإخضاع المجتمع المدني
يقول عضو آخر في مجلس الرقّة المدني لـ “حريّة برس” إنّ رئيسة المجلس عقدت اجتماعًا في بداية شهر كانون الثاني/يناير من العام الجاري، حضره رئيس مكتب المنظّمات في المجلس والمسؤول الأمني عن مدينة الرقّة، استعرضت فيه أسماء المنظّمات المدنيّة التي رفضت العمل تحت مظلّة المجلس، وطلبت التضييق عليهم وعدم إعطائهم أيّ موافقة للاستمرار في عملهم.
فيما أكّد شاهد عيان يسكن بالقرب من منزل ريم الناصر في مدينة الرقّة (أخفيت هويّته لأسباب أمنيّة) أنّ القوّة التي هاجمت منزل “ريم” تتبع للجهاز الأمني لـ “قسد” وهم ثلاثة أشخاص يرافقهم مدني من أبناء الرقّة يعمل معهم واسمه “خليل المصطفى” غادر مدينة الرقّة بعد الحادثة مباشرة.
وبالعودة إلى عضو المجلس المحلي قال إنّ هذه الحادثة ليست بداعي السرقة كما أشاع البعض، فالمنزل لم يسرق منه شيئًا، وإنما جاء الاعتداء ضمن محاولات “ليلى مصطفى” للضغط على المنظّمات التي لم تخضع بعد لـ”قسد”.
لا استقلاليّة للمجتمع المدني
إذاً فالأحداث السابقة التي روتها مصادر تعمل في المؤسّسات الرسميّة لـ”قسد” تؤكّد ما قاله المتحدّث الرسمي باسم قوّات سوريا الديمقراطيّة “طلال سلو” الذي انشقّ عنها في منتصف شهر تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2017، وتنفي تمامًا ما تحاول “قوّات سوريا الديمقراطيّة” ترويجه عبر إعلامها الرسمي وعلى لسان الرئيس المشترك لمجلس سوريا الديمقراطيّة “رياض درار” حول استقلاليّة المؤسّسات المدنيّة والمجتمع المدني في مناطق سيطرتها.
عذراً التعليقات مغلقة