عائشة صبري- حرية برس:
أقرّ مجلس الشعب التابع لنظام الأسد، قبل أيام، تعديلات على قانون الأحوال الشخصية السوري، الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 59 لعام 1950، وشملت التعديلات التي وافق عليها المجلس، بحسب وزير العدل، القاضي “هشام الشعار”، أكثر من ستين مادة قانونية.
وقال الشعار إنّه بات بإمكان كلّ من الزوج أو الزوجة أن يُقيِّد عقد الزواج بشروطه الخاصّة التي لا تُخالف الشرع والقانون، ومنها ما يخص الزواج الثاني، والسفر، والعصمة، والعمل، ورفض الإقامة مع زوجة ثانية، ولأبناء البنت الحق من الوصية الواجبة مثل أبناء الابن.
كما أتاحت التعديلات للزوجين حقّ طلب التفريق عند وجود العلل المانعة، ولا يستطيع الولي أن يزوّج ابنته، إلا بموافقتها الصريحة، حتى بموجب وكالة منها، ورفعت التعديلات سن الزواج إلى 18 عاماً بعد أن كان 17، وأصبحت الولاية للزوجة على أبنائها القصر بعد زوجها، وتنتقل الحضانة للأب بعد الأم، ثم لأم الأم، بعد أن كانت الحضانة تنتقل مباشرة من الأم إلى أم الأم.
وتضمنت التعديلات أيضاً، استبدال مصطلح “عقد النكاح” بـ”عقد زواج”، وتغيير جملة “تحل له” في الصيغة الشرعية الخاصة بالزواج إلى “يحلان لبعضهما”، كما سمح التعديل القانوني للزوجين بحق طلب الطلاق عند وجود العلل المانعة، وتحولت المخالعة إلى فسخ لعقد الزواج بعد أن كانت طلاقاً.
وتتيح التعديلات اعتماد البصمة الوراثية (DNA) في إثبات النسب، إضافة إلى أحكام أخرى تتعلق بالمهر والنفقة والإرث.
التعديلات أثارت جدلاً واسعاً في صفوف السوريين من مختلف الانتماءات والتوجهات، وربما يحتاج نقاش خلفية هذه التعديلات ودوافعها السياسية خاصة، لدى نظام الأسد، الكثير من الجهد والتحليل، فمعظم الآراء حول التعديلات ترى فيها محاولة بائسة من نظام دموي دمر البلاد لإظهار نفسه شرعياً ومحارباً للتطرف ومتحضراً وعصرياً، وكأن حقوق المرأة السورية توضع على مذبح السياسة لتعويم نظام الأسد.
التعديلات نفسها موجودة وجاهزة للإقرار منذ ما قبل الثورة
المحامي “سامر الضيعي”، المدير التنفيذي لرابطة المحامين السوريين الأحرار، يقول لـ “حرية برس” عن هذه التعديلات: “إنّ العمل على موضوع تعديل القانون قديم، حيث بدأ منذ العام ٢٠٠٩ وهذه التعديلات شبه منتهية منذ ذلك التاريخ، أي قبل الثورة بعامين”.
وأضاف الاستاذ سامر الضيعي: “نقرأ في هذه التعديلات محاولة النظام إظهار نفسه نظاماً علمانياً بشكل مِن الأشكال، وبعض التعديلات المنشورة قد تكون جيدة في هذه الظروف لأنّها تُتيح بعض التسهيلات للنساء في حالات السفر برفقة الأولاد لأنها كانت تحتاج إلى إذن الزوج، وقد يكون الزوج معتقلاً أو مختف قسرياً، وفي حالات عدم وجود الزوج يصبح القاضي هو الولي ويقوم بمنحها وصايةً، وبالتالي أصبحت المرأة بالتعديل صاحبة ولاية كاملة بعد غياب الزوج”.
وفيما يخص تعديلات “الحضانة” أفاد “الضيعي” أنَّ التعديلات منحت المرأة مساحة بشكل أكبر من السابق من ناحية شروط الزواج و شروط الطلاق، وعقود الزواج والولاية والحضانة.
تعديلات مخيبة للآمال ومتناقضة
المحامية والناشطة السورية ربا الحمود رأت أن التعديلات مخيبة للآمال، فعمل المرأة مثلاً حق يؤيده الدستور ولايستحق أن يوضع كشرط هزيل في شروط الزواج.
كذلك كل تعديل تم وضعه يوجد ما يفنده.. من سن الزواج الخلبي، إلى العصمة الذي اعتبره مصطلحاً سينمائياً أكثر منه واقعي.. وحرمان المرأة من المخالعة لأنها تفسخ الزواج وتحرمها من حقوقها، وحتى الولاية التي تمنح لها في حال عدم وجود عصبة وسحب حضانة أم الزوجة.
وتضيف المحامية الحمود: “كنا نأمل على الأقل النظر في إيجاد مسكن للحاضنة في ظل فقد العديد من الرجال الأزواج، وتعديل النفقة، والنظر على الأقل في مناصفة الزوج في الأموال التي استحقت أثناء الزوجية، والسماح بالإرث في حالة اختلاف الأديان بين الزوجين، وإيجاد سبل لمنح المرأة السورية الجنسية لأولادها وخاصة بعد ظروف السنوات الأخيرة وزواج الكثير من السوريات من جنسيات مختلفة، هذا ولن نتطرق إلى إباحة قتل المرأة بحجة الشرف”.
وتثير الناشطة والمحامية ربى الحمود سؤالاً مهماً يتعلق بالتوقيت، “لماذا قرر النظام الآن إخراج أجندة الأحوال الشخصية؟ هل بقصد استمالة بعض أطراف المعارضة في الخارج؟ أم هي محاولة للإيحاء بوجود ما يستحق الحديث عنه كإنجاز قانوني بعد الفشل الاقتصادي الذريع في الداخل وتوالي الأزمات المتعلقة بتأمين الضروريات للشعب؟”.
وتخلص المحامية الحمود إلى أن “هذا التعديل ليس إلا ذراً للرماد في العيون، وينضم كما كل إنجازات النظام إلى الادعاءات الطنانة التي تعتمد على الشعارات فقط دون وجود مضمون وعمل الحقيقي، فالأحوال الشخصية بحاجة إلى إيجاد قانون جديد ينصف المرأة والرجل على السواء، لأنهما ضحيتان معاً.. وعلى المناقشات ان تكون مفتوحة أمام كل عموم الشعب ولاتقتصر على وزيري العدل والأوقاف”.
مخاوف من أن تكون التعديلات باباً لاستبعاد أحكام الشريعة الاسلامية!
وبالمرور على أصداء هذه التعديلات في الشارع السوري، تطالعنا المخاوف من أن تكون التعديلات الجديدة باباً لتشريع الزواج المدني بما يخالف أحكام الشريعة الاسلامية، وهذه المخاوف التي تشكل هاجساً عند شريحة شعبية واسعة، ولدى التيارات السياسية ذات التوجه الإسلامي، تعتبر مطالب لدى أنصار التيار المدني.
القاضي “خالد شهاب الدين”، رئيس “هيئة القانونيين السوريين”، يعبر عن هذه المخاوف فيقول لـ “حرية برس”، إنّ تعديل قانون الأحوال الشخصية السوري في ظلّ هذه الظروف والأحداث السياسية، يُراد منه إرسال رسائل بعيداً عن رغبة الشعب السوري، ويهدف إلى إرضاء فئة معيّنة تسعى إلى سبغ قانون الأحوال الشخصية بالسبغة المدنية، بعيداً عن أحكام الشريعة الإسلامية الخاصة بالأحوال الشخصية.
وأضاف القاضي شهاب الدين أنّ “التعديلات تهدف تدريجياً إلى فرض العقد المدني وصولاً لموضوع المواريث، مع الإشارة إلى أن أحكام الشريعة الإسلامية أعطت المرأة حقوقاً أكثر من الرجل، حيث تجاوزت الحالات التي أعطت فيها الرجل أكثر من المرأة، كما أنها ساوت بينهما في الميراث في حالات أكثر من منح الرجل”.
وتابع قوله: “لا يُمكن تعديل أيّ قانون أو سن قوانين جديدة تُناسب الشعب السوري، إن لم يتحقّق الانتقال السياسي وفق بيان جنيف وقرار مجلس الأمن الدولي 2254، ويمتلك هذا الشعب حريته، وقراره ليقوم بصياغة دستوره الجديد، ثم يبني عليه القوانين الأخرى كافة”.
وفي ختام حديثه، ذكر “شهاب الدين” أنّ نظام بشار الأسد يسعى إلى إظهار نفسه حاكماً شرعياً لسوريا “من خلال بعض الأفعال والأقوال، ومن ضمنها إصدار سلسلة القوانين المتتالية، وتعديل البعض الآخر منها، في ظلّ دمار سوريا، وتهجير أكثر من 12 مليون سوري، وتفكك الشعب السوري حالياً، وارتكاب نظام بشار الإرهابي آلاف جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية بحقّ السوريين”.
هدف التعديلات سياسي وإعلامي وظلمت المرأة بدل إنصافها
المحامي والناشط سليمان نحيلي توقف عند نقاط كثيرة تضمنتها التعديلات، ويرى نحيلي أنه “في حين أن عقد الزواج وكافة ما يتعلق به في القانون المعدَّل هي حق من حقوق الله أي من قواعد النظام العام التي تؤدي مخالفتها إلى بطلان العقد، فإن التعديل الجديد حطّ من قيمة واعتبارات عقد الزواج حين جعله كعقد البيع أو الإيجار أو الرهن خاضعاً لشريعة المتعاقدين”.
ويضيف نحيلي: “فيما يخص انتقال الحضانة بعد الأم للأب بعد أن كانت تؤول لأمِّ الأم: فإن التعديل الجديد أضرّ بمصلحة المحضون (الطفل)، باعتبار أن الأب قد يقصر بحق المحضون بسبب طبيعة عمله واضطراره للذهاب إلى عمله خارج المنزل.
ويوضح المحامي سليمان نحيلي: إن التعديل الخاص وضع العصمة بيد الزوجة لا يعني شيئا على الصعيد العملي لأن إنهاء العلاقة الزوجية من قبل الزوجة متاح أصلاً بدعوى تفريق لعدة أسباب”.
وبالنسبة لاعتبار المخالعة فسخ لعقد الزواج لاطلاق كما علبه الحال في القانون المعدّل، يرى المحامي نحيلي أن التعديل ظلم المرأة التي يدعي الانتصار لها عندما حرم المرأة من تقاضي نصف مهرها المعجّل والمؤجّل عندما اعتبر المخالعة فسخاً لعقد النكاح إذا تمّ الفسخ قبل الدخول.
ويوضح المحامي سليمان نحيلي أن في التعديلات الجديدة مخالفة للشريعة الاسلامية التي تعتبر في الدستور مصدراً أساسياً للتشريع، كإجازة الحضانة للذكور، وكجعل الولاية للأم مع أن الولاية للأقارب العصبات الذكور، في حين أن القانون المعدّل أعطى الأم حق الوصاية على أولادها وهو بحكم الولاية فيما يتعلق بالشؤون المالية لأولادها القاصرين.
ويشير الحقوقي نحيلي إلى أن “السرعة التي تمت فيها التعديلات وإقرارها بعيداً عن الاعلام، وعدم ذكر الأسباب الموجبة للتعديل كما عليه العرف القانوني الراسخ، يترك اشارات استفهام وتأويلات كثيرة أقلها محاولة النظام الظهور بمظهر الدولة التي تمسك بزمام الأمور في سورية وأنها مازالت تدير شؤون الدولة السورية، فهي تسنّ القوانين وتعدّلها، أي أن الهدف سياسي إعلامي وموجه للخارج، وهدفه ايصال رسالة مفادها أن نظام الأسد قادر على التعامل مع التطرف والتشدد الاسلامي في التعامل مع المرأة، والسعي لتلميع النظام الذي لا يعنيه القانون ولا حقوق المرأة، وهو الذي قتل وهجر نصف شعبه بمن فيه من النساء”.
عذراً التعليقات مغلقة