كثير ممن سيقرأون ما كتبته سيرونه إما متعارضاً مع المنطق أو ردة فعل لا تتناسب معه، وكلاهما سيّان ولكنه كلام ارتأيت أن أقوله.
فقد رحلت مي سكاف في الوقت الذي تتلاشى فيه الآمال في الوصول لأهداف الثورة، “شعلة الأمل” رغم أنها لم تختر الموت بل هو من اختارها، رحلت في الوقت الذي تبددت فيه آمالنا بمحاسبة الطاغية والعدالة والإفراج عن المعتقلين الذي طالما طالبت به وكانت صوت كل ثائر.
هي من القلة الذين استمروا بنفس روح الثورة منذ بدايتها، كلما اقترب اليأس من الثوار الحق كانت كلماتها وصوتها حاضراً بأي منبر ليشد من عزيمتهم ويبعث فيهم الأمل النابع من غضب وتمرد على الواقع.
عندما تقرأ ما تنشره مي ترى النصر البعيد، ولكن مع رحيلها الذي فاجأنا كلنا تلاشى كل ذلك وكأنه حلم بعيد المنال، وكأن موتها بداية مرحلة قاسية وجديدة من الانتكاسات التي بليت بها ثورتنا، والذي تزامن مع استشهاد أكثر من 600 معتقل من معتقلي بدايات الثورة ومعتقلي الرأي، ومناطقاً سورية أضحت ملامحها غريبة.
ربما.. وأقول ربما لأنه على ما يبدو سنبقى إن لم نكون مرضى بالأمل فنحن حاملون له لأجيال أخرى، ستقوم بثورة نقية خالية من كل الخونة، أجيال أخذت العبرة مما حصل معنا نحن الجيل الذي تاه بين صفوف الخونة والمتقاعسين والصاعدين على دماء الشهداء ممن تربعوا على منابر المعارضة وغيرهم، والآن ممن يتمسك بآخر فرصة لبقاء حديث الإعلام والكاميرات في المؤتمرات، ألا وهو ملف المعتقلين الذي أُهمل عمداً طوال سنوات الثورة.
من سيقرأ سيقول لي إن هناك آلاف الشهداء ممن يجب أن نبكي عليهم وآلاف المعتقلين الأحياء الذين يموتون كل يوم من شدة التعذيب، نعم.. أبكي عليهم، ولكن مي روح الثورة والنقاء الذي نبحث عنه والذي افتقدناه في كثير ممن ادعوا أنهم مع الثورة والحقيقة كانوا عبئاً عليها.. لا بل عوائقاً في طريقها.
لن أتكلم عن مي فملامحها الحادة التي تشابه ملامح سوريا وقوة شخصيتها وعشقها للمسرح لا تدل إلا على أنها امرأة حرة، وما معروف عنها قبل الثورة لا يدعو أبداً للمفاجأة عندما كانت من أوائل الفنانين الذين شاركوا فيها، حيث شاركت في صفوفها كإنسانة ومواطنة سورية قبل كل شيء، وعانت ما عانته في المعتقل، والمنفى.
قلبها النقي لم يحتمل قهراً ووجعاً بحجم سوريا، بدأ من إيقافها عن العمل وحتى إبعادها قسراً عن سوريا، لا عزاء للأحرار في أيقونة من أيقونات الثورة.
على مدى 8 سنوات من الثورة أجمع الثوار الحقيقيون على رموزها وأيقوناتها، والذين عرفوا بإنسانيتهم ونقائهم اللذين فقدتهما ثورتنا في الآونة الأخيرة، وبساطة أحلامهم التي كان أقصاها الحرية والعدالة وإسقاط النظام التي انحرف عنها الكثير، وآمالهم التي استمرت لآخر يوم من حياتهم.
رموز كهذه تجسد فكرة الثورة وتمثل جزءاً من روحها وتمردها على الطاغية.. ستخلد، لا شك أن الثورة ستموت برحيل روحها التي ستحلق في سماء نقية تخلو من دخان القصف ورائحة الدم.. وسنرحل نحن واحداً تلو الآخر في انتظار قيامتها من جديد.
مي التي أضحت رمزاً لأمل الثورة وما بعدها “موت غير معلن للثورة”، وحتى إعلان موتها سنخسر الكثير الكثير من الرموز، إلى جانب الآلاف من الشهداء من قبل الثورة وبعدها والذين حلموا بالثورة وسعوا لها وللتخلص من الطاغية الأب والابن.. ولم ننصفهم بعد. كغيرها ممن رحلوا ولم يتحقق حلمهم بالحرية وبالموت على أرض الوطن المسلوب الإرادة.
عذراً التعليقات مغلقة