تقع مدينة سلمية السورية على بعد ثلاثين كيلومتراً إلى الشرق من مدينة حماة في وسط سوريا.
في إحصائيات 2010 ـ أمانة السجل المدني ــ سجّل تعداد سكان سلمية بما يقارب 105،166 ألف نسمة. تبعد عن محافظة حماة 33 كم إلى الشمال الشرقي. وترتفع عن سطح البحر 475م. وعن العاصمة دمشق 240كم.
وحسب “ويكيبيديا” وتوثيق المؤرخين عن تسمية سلمية؛ (أطلق اليونانيون اسم سلاميس على مدينة سلمية اعتزازاً بانتصارهم على الفرس في معركة سلاميس. وهو اسم مدينة على بحر إيجة نظراً للتوافق بين المدينتين في المناخ والشكل. 2-ورأيٌ ثانٍ يقول: بأن كثرة المياه فيها جعل الناسَ يطلقون عليها سيل مياه أو سيل ميه، وحُرِّفَ إلى سلمية. لقد ذكرها ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان فيقول: [سلَمْيةُ قيل قرب المؤتفكة فيقال: إنه لما نزلَ بأهلِ المؤتفكةِ ما نزلَ من العذابِ رحم اللهُ منهم مئةَ نفس فنجاهم اللهُ فانتزحوا إلى سلمية فعمروها وسكنوها فسميت (سلم مائة) ثم حرَّف الناسُ اسمها فقالوا سلَمْية 3-ورأي ثالث يقول أنه جاء من تسميتها بمدينة السلام في العهد اليوناني، وتوجد بعض الخرائط القديمة التي تحمل اسم ειρήνη πόλη) إيريني بوليس) في موقع سلمية الحالي أي مدينة السلام باللغة الإغريقية…ثم تحور اسمها مع الزمن إلى سلَمية. وهناك الكثير من الأثار اليونانية في المنطقة التي تعود للعصر الهيلينستي، أو عهد الاسرة السلوقية في سوريا والذي بدأ بعد موت الاسكندر في عام 323ق.م. وامتد حتى عام 64 قبل الميلاد عندما احتل الرومان سوريا تحت قيادة بومبيوس الكبير).
***
منذ بداية الثورة السورية التي ألهبت قلوب السوريين بالحرية، وقلوب الطغاة بالضغينة والحقد، الذين أرادوا لها أن تكون بمسمىً آخر، يتماشى مع مصالحهم، أصبحت سورية الساحة المستهدفة في الشرق الأوسط لتصفية الحسابات وتبادل الصفقات العلنية والسرية على حساب دم الشعب السوري!
إن انتفاضة المدن السورية في وجه الطاغية وخروج أبنائها للشوارع والساحات، مطالبين بحريتهم وكسر أغلال أربعين عاماً من الظلم والاستعباد والقهر، كانت صفعة مدوّية للنظام السوري وأجهزته الأمنية، التي لا ترى بالمواطن السوري غير المواطن التابع للحظيرة ولبيت الطاعة العمياء.
لهذا، لعبَ النظام على وتر الطائفية، وحاول حشد الأقليات حوله تحت عنوان (حامي الأقليات).. العبارة التي وشِمَتْ على ألسنة أزلامه (السياسيين والإعلاميين) !؛ وقد شهدنا في بداية الثورة، كيف كان يؤجج مناطق الأقليات باستهدافها بالسيارات المفخّخة، ونشر الفوضى فيها، عن طريق مرتزقته وعصاباته التي وجّهت رسائلَ كثيرة لتلك المناطق من خلال تفجيرات وعمليات خطف وترهيب، استمرت إلى الآن لكسب الرأي العام لصالحه، وغير ذلك والأهم، لإقناع العالم وخاصةً أمريكا أنّ سلامة الأقليات في سورية مرتهنٌ بوجوده، مما أكسبه نَفَساً طويلاً وشرعية لم يفقدها سوى بالخطابات والمؤتمرات وتصريحات رؤساء الدول (الداعمة) لثورة الشعب السوري!.
كانت مدينة سلمية من أولى المدن التي خرجت منتفضةً تأييداً للثورة التي انطلقت من جنوب البلاد في درعا. وقدّمت سلمية الكثير من أبنائها، بين شهيدٍ ومعتقلٍ وملاحقٍ، ضريبةً لخروجها عن الدائرة المرسومة لها كمنطقةِ أقليات، لم يتوقع النظام منها الوقوف ضدّه كونها مدينة قريبة من الصبغة الاجتماعية لمنطقة الساحل كما يظن.
ومن أوائل الشهداء الذين قدمتهم سلميّة فداءً للثورة وللشعب السوري كان: خالد القصير الذي قضى تحت التعذيب في سجن البالوني ـ ملهم رستم الناشط والإغاثي الذي قتلَ على حاجز دير فول ـ كريم عوض أثناء محاولة اعتقاله ــ جمال فاخوري في دمشق أثناء مظاهرات حرستا ــ علي قطريب أثناء تشييع الشهيد جمال فاخوري في سلمية”. وهنالك الكثير من الشهداء قدمتهم سلمية أسوةً بباقي المدن الثائرة.
أحاط النظام وقتها، مدينة سلمية “بخط دفاعي عسكري منيع، بين تل جديد والسعن بامتداد 40 كلم دعمته وحدات الهندسة في الجيش بالسواتر الترابية والألغام والخنادق”.
وكذلك كثّف تواجد عناصر الأمن واللجان الشعبية (الشبيحة) داخل المدينة، ضمن مقرات تابعه له إدارياً، وتخضع لأوامره وتوجيهاته. وكانت له صولة قوية داخل المدينة، لمنع أي حراك ضدّه أو أي احتشاد شعبي مدني للتظاهر السلمي، الذي كان يؤرّق النظام ويظهره بمظهر الخصم الخاسر، أمام سلمية المظاهرات؛ الأمر الذي دفع النظام وأجهزته القمعية بتوجيه ضربة قاسية لأبناء السلمية، من خلال الاعتقالات والقتل المباشر بإطلاق الرصاص على المتظاهرين وملاحقة الناشطين، والقياديين في التنسيقيات المدنية التي كانت تعطي للثورة داخل المدينة طابعاً متفرّداً عن باقي المدن الثائرة؛ ومن أشهر المعتقلين في بداية الثورة ” عدي عطفة ــ ماهر شيحاوي ــ الشاعر عمار الحاج ــ ميساء شيحاوي ــ رؤى جعفر ــ الصيدلي عبد الكريم القصير ــ زياد القصير “ والكثير من أبناء سلمية الأحرار الذين اصطفوا إلى جانب إخوانهم في المدن السورية الثائرة.
ففي بداية الثورة ولمدة شهرين تقريباً، كان أبناء السلمية يخرجون بحشود كبيرة كل يوم جمعة، كما جرت العادة في باقي المحافظات والمناطق الثائرة مع عدم تعرّضهم لأية مضايقات من قبل أجهزة النظام والمؤيدين له، وكانت هذه الحالة نادرة، لأسباب أرادها النظام، منها إظهاره (حسن النية) تجاه أبناء المدينة، بعدم التعرّض لهم في الفترة الأولى، محاولاً عدم تأليب منطقة جغرافيّة مهمّة ضده. لكنّ العقول المتحجرة التي لا ترضى ولا تقبل بالرأي الآخر، أو أنْ يقال لها (لا )، أبت إلا أن تسحق المظاهرات، وتشن حملات اعتقال عشوائية وممنهجة بحق أبناء المدينة، لخلق أجواء رعب وترهيب بداعي وقف الحراك السلمي الذي شهدته المدينة.
كما شهدت مدينة سلمية مشاركةً نسائية واسعة النطاق واعتصامات تخلّلت المظاهرات ما أعطى الثورة في سلميّة طابعاً مغايراً في بداية الحراك عن باقي المناطق..
من مظاهرات الشموع الليلية إلى توزيع الورود وصولاً للتجمعات الكبيرة في الساحات، وخاصةً ساحة الحرية في المدينة إلى طريق الصالة الرياضية الذي شهدَ حشداً كبيراً تجاوز 15 ألف متظاهر عام 2012 ، وهذا رقم كبير بالنسبة لمدينة مثل سلمية لها طابعها الخاص ” السياسي والاجتماعي ” .
مع تواتر الأحداث في سورية، وانخراط بعض الشرائح الثورية بين صفوف الجيش الحر، الذي تأسّسَ من منطلق رفض قتل المدنيين في المظاهرات، ودفاعاً عن النفس، بدأ الحراك في سلمية يتوقّف بشكل ملحوظ، وذلك بسبب ضغط النظام على المدينة بكافة الوسائل، وأيضاً من فقدان الأمل والخيبات المستمرة التي مُنيَ بها الشعب الثائر من قبل المعارضة التي تجسّد صدى الداخل السوري المنتفض. إلا أنّ الثورة بقيت مستمرة في سلمية، إلى الآن، عن طريق ناشطين وناشطات يقومون بحملات إعلامية وإغاثية للنازحين من المدن الأخرى الذين أتوا إلى سلمية بعد تعرّض مناطقهم للدمار والحرب من قبل النظام وتنظيم داعش والكتائب الراديكالية.
ظلّت مدينة سلمية عصيّةً على النظام خلال السنوات الأربع الأولى في محاولة كسر إرادتها، وإبعادها عن أهداف الثورة. وظل النظام يتواطأ مع تنظيم داعش لفتح ثغرة له تمكّنه من دخول سلمية والقرى المحيطة بها التي لم يصل إليها التنظيم، ومن أهم الشواهد على ذلك، كانت حادثة هجوم تنظيم الدولة على الحواجز الأربعة التي تبعد عن سلمية 40 كم موزّعة بعدّة اتجاهات، حيث شنّ التنظيم هجوماً واسعاً في تاريخ 20/3/ 2015 صباح يوم الجمعة الساعة الرابعة استمر حتى الساعة العاشرة، دون أن يقوم النظام بإرسال تعزيزات، أو قيامه بطلعات جوية، تشلّ حركة التنظيم، وتمنعه من التقدّم تجاه المدينة؛ حيث استخدمَ (داعش) الصواريخ الحرارية، تلاها تقدّماً بريّاً مع اشتباكات مع عناصر الحواجز هناك، أسفر عن مقتل عدد كبير من القائمين على الحواجز وعناصر من جهة التنظيم أيضاً، حسب بعض الأهالي هناك، وقتها، والناشطين داخل مدينة سلمية.
وللتذكير، إنّ أغلب المتواجدين على الحواجز هذه، هم من أبناء السلمية، من الذين اقتصرت مهمّتهم بالدفاع عن مدينتهم وأهلهم، حيث لا خيار آخر لهم.. وضعهم النظام في فوهة المدفع؛ إمّا الذهاب إلى جبهات أخرى في مدن ثانية، أو البقاء في مدينتهم ضمن هذه القطعة التي تُعْتَبَر أكثر أماناً لهم ولقربها من عائلاتهم.
وتبقى سلميّة أيقونة مضيئة من أيقونات الثورة السورية العظيمة. تبقى هذه المدينة رئتي الثقافة والحبّ في سورية الجريحة.
عذراً التعليقات مغلقة