زكي الدروبي – حرية برس
ساهم الموقع الجغرافي لوطننا السوري بإعطائه مكانة مميزة عبر التاريخ، جعلته محط أنظار الجميع، فمنذ آلاف السنين حاول السوريون امتلاك دولتهم المستقلة، وفي المقابل بذلت القوى العالمية ما في وسعها لتحطيم إرادة الشعب السوري، فقد استطاع أذينة الثاني إذلال الفرس ونيل الاعتراف بملكيته على المملكة السورية ولقب ملك العرب من الرومان، وأسست زوجته زنوبيا من بعده مملكة امتدت من شواطئ البوسفور شمالاً إلى نهر النيل جنوباً واستقلت تماماً عن الرومان، إلا أن الجميع رفض هذا الاستقلال، وهذه القوة، فتعاونت القوى العالمية في ذلك الوقت على تدمير الحلم السوري.
تكررت المحاولات قبل وبعد زنوبيا وصولاً إلى عصرنا الحالي، حيث خرج الشعب السوري بثورة على العميل المحلي للقوى الإمبريالية العالمية، مطالباً بالحرية وإنهاء الاستبداد والانتقال للدولة الديمقراطية، فكان أن تعاون الجميع على تدمير ثورة الشعب السوري، وتمت معاقبته على حلمه بالحرية.
القراءة الخاطئة للتكوينات السياسية والعسكرية السورية التي نصبت نفسها بالتعاون مع الخارج لتقود ثورة الشعب السوري، دفعتهم شيئاً فشيئاً إلى خيانة رغبة الشعب السوري بالحرية، فخضعت لأجندات وإملاءات القوى الخارجية، مثلها مثل نظام الأسد الذي قرأ الحراك الشعبي قراءة خاطئة، فتعامل معها من منطلق أمني عسكري بحت، ولم يقدم أي تنازل لمطالب الشعب، ما أوصله إلى حالة الخضوع لإذلال (الحلفاء) الإيرانيين والروس.
لقد وصفت الصحفية سميرة المسالمة نائب رئيس الائتلاف سابقاً في مقالة لها منشورة في العربي الجديد بتاريخ 23/8/2016 ما يحدث بأنه سقوط لمفهوم الدول الصديقة أو المساندة، لدى الشعب السوري، سواء للنظام أو للمعارضة، لصالح ظهور مفهوم جديد يمكن تسميته بدول “الوكلاء” أي “مفهوم وكلاء الحل السوري”.
التطورات السياسية الأخيرة والتفاهمات في آستانا وفي الجنوب وفي الجزيرة وآخرها التفاهم التركي الأمريكي بما يخص منبج، والضربة العسكرية الأميركية لنظام الأسد والضربات العسكرية للكيان الصهيوني على المواقع الإيرانية بصمت روسي، أثبتت بما لا يقبل الشك، أن السوريين (معارضة ونظام) أصبحوا ليس فقط خارج دائرة صنع القرار الخاص بسوريا إنما لم يعد أحد يستشيرهم لمجرد الاستشارة.
هل لازال هناك إمكانية لاستعادة القرار الوطني؟ وكيف يمكن تحقيق ذلك؟
نعم .. مازال ذلك ممكناً .. أجابت السيدة سهير الأتاسي، مشترطة توفر “مجموعة من الشخصيات الوطنية التي تضع نصب أعينها مصالح السوريين بدلاً من التماهي مع مصالح الدول حفاظاً على أدوار شخصية وشرعية دولية باتت ذريعة لابتزاز السوريين”.
وأضافت “الأتاسي” بأن على هذه المجموعة التي اشترطت وجودها كي نستعيد قرارنا المستقل أن تؤمن بأن “القضية السورية قضية حرية وديمقراطية وتحرر”، وأن “تمتلك مشروعاً سياسياً واضح المعالم”، وخارطة طريق مجدولة زمنياً، إضافة إلى أدوات عمل فعالة تذهب إلى ما هو “أعمق من الشعارات والعناوين العريضة التي اتسمت بها مشاريع المعارضة سابقاً”.
من جهته قال السيد عبد العزيز التمو أن “شعباً قدم مليون شهيد إلى الآن بالتأكيد قادر على استعادة قراره السوري المستقل” وأوضح رئيس تيار المستقبل الكردي أن هذا يتطلب “الإرادة السياسية القوية والجريئة من خلال مراجعة شاملة السنين السابقة على المستوى السياسي والعسكري ووضع الأجندات الحزبية جانباً الآن” وهو ما توافقه عليه “الأتاسي” والتي تطلب من مجموعة الشخصيات الوطنية التي اشترطت وجودها كي نستعيد قرارنا المستقل أن تقدم على عملية ” تقييم ومراجعة لكل ما سبق، وليكون المشروع بالنسبة لها أولى من الأدوار الشخصية والمحاصصات والشرعية الدولية ومشروعية تمثيل الثورة”.
ويرى يحيى مكتبي عضو الهيئة السورية للتفاوض أن استيلاء الدول على قرار الثورة السياسي المستقل ليس بهذه الصورة التي ذكرتها، فمن الواضح جداً ” أن المشهد في سوريا لم يعد بالأدوات الداخلية، بل أصبح صراع دولي إقليمي وتعددت الأطراف المتداخلة في الوضع السوري”، مؤكداً أن تأثير النظام والمعارضة هو الأضعف في هذا المشهد، مضيفاً “لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاوزهما” فالأمر بسوريا لا يمكن البت فيه دون الحاجة إلى عملية مفاوضات ومباحثات ما بين الدول، وبالتالي فهم سيعودون في النهاية للنظام والمعارضة.
ويوضح مكتبي أنه “يحصل إعلام لنا كقوى ثورة ومعارضة في بعض القضايا”، لكن هناك قضايا لها علاقة بقرارات الدولة نفسها كما في الضربات العسكرية الأمريكية على نظام الأسد فهو في نهاية المطاف “قرار أمريكي”.
المشروع الوطني هو الحل
يرى “التمو” أن على المعارضة “مزامنة الأجندات الدولية والإقليمية فقط بما يضمن مصلحة الشعب السوري”، ويتقاطع معه مكتبي بهذه الرؤية فهو يرى أننا بحاجة للبناء بشكل معقول على “تقاطعات المصالح بيننا وبين الدول المعنية بالمشهد السوري والتي هي أقرب إلى الثورة والشعب السوري”، وتضيف الأتاسي لهذه الرؤية أن “المشروع السياسي هو من يمكن أن يعطي تلك المجموعة المشروعية، وليس الدول، ولا تمثيل المكونات ولا المحاصصات”.
ويطلب “التمو” التخلص كليا من الفصائلية وأجنداتها الجهادية، والعودة إلى مبادئ الثورة، وسوريا بدها حرية، حيث أثبتت أغلب هذه الفصائل بأن لا علاقة لها بالثورة السورية، وإنما تبحث عن إمارات خاصة بها، وهذا هو سبب هزيمة هذه الفصائل الجهادية، لأنها لا تستند إلى الوطنية السورية وارتبطت مع الجهات الداعمة وأصبحت بندقية لتحقيق أهداف وأجندات تلك الدول.. مؤكداً أن القرار الوطني السوري المستقل يتطلب إنشاء “مؤسسة عسكرية وطنية ولاؤها فقط لسوريا الوطن النهائي لجميع أبناؤها” وتخضع هذه المؤسسة إلى “قيادة سياسية هي من تقرر الحرب والانسحاب والسلم” كل ذلك يتطلب جهد كبير من جميع الشرفاء الغيورين على سوريا.
وتسعى “الأتاسي” باحثة عن أدواته عبر شريحة الشباب التي طوَّرت من وعيها السياسي بشكل نوعي خلال السنوات السابقة.. تلك الشخصيات الجادة والقابلة لبناء هذه المجموعة، وهي جدية ولديها المصداقية لتنفيذه.
بينما يركز “مكتبي” على تبني خطاب وطني جامع يكون هو البوصلة التي ننطلق منها في دفاعنا عن الثورة وفي حديثنا، سواء تجاه شعبنا أو باتجاه المجتمع الدولي، مؤكدا على الواقعية وعدم المبالغة والدخول في “تصورات واهمة”، فالقرار الوطني يعتمد على مجموعة من الركائز، ومن أهمها أن يكون لديك “القوة بشتى مناحيها، قوة عسكرية واقتصادية وإعلامية وقوة لوبيات حتى تستطيع تسوق الفكرة التي تتبناها”.
يتلاقى “مكتبي” مع “التمو” و”الأتاسي” في ضرورة أن نعرف تماماً “كيف نبني شراكات استراتيجية مع الدول الشقيقة والصديقة مبنية على المصالح والمخاطر الحالية والمستقبلية” وأن يكون لدينا “تجميع وتناغم ما بين القوى السياسية والقوى العسكرية والإعلامية والاقتصادية الوطنية السورية التي تهدف لتحقيق مشروع وطني سوري لكل السوريين”.
يرى “مكتبي” أن هناك إمكانية لاستعادة القرار الوطني، لكننا “نعاني من حالة من الضعف والتشرذم وتشتت القوى”، ورغم ذلك ومن خلال تحقيق الخطاب الوطني وبناء الشركات مع الدول وتجميع القوى الوطنية يمكن أن نحقق هذه الاستعادة، لكن يجب أن “لا نبالغ وندخل في تصورات واهمة، فهنالك حدود لهذه الاستعادة”.
اتفق الجميع على أن قرارنا مسلوب، وإن بنسب متفاوتة، ولمح البعض أنه لازال لدينا مهمة التوقيع وشرعنة الاتفاقات التي تمت بين الدول دون أن يكون لنا يد في صياغتها، وأكدوا جميعاً على المشروع الوطني السوري بعيداً عن الفصائلية والتطرف، وضرورة الاجتماع حول هذا المشروع الوطني والاستفادة من تناقضات السياسة الخارجية للدول ومصالحها في تحقيق مصالح الثورة.
لكن هل فات وقت العمل على استرجاع القرار الوطني السوري؟ وهل ستعمل المؤسسات التي نصبت لقيادة هذه الثورة على إنجاز مشروع وطني، والدعوة لمؤتمر وطني شامل يضم جميع المؤمنين بضرورة إسقاط هذا النظام وإقامة الدولة المدنية الديمقراطية للتجمع حول هذا المشروع الوطني وانتخاب قيادة له؟ أم لازالت الأنانية وحب التباهي على الغير حتى لو بحمار أعرج يسيطر على أصحاب القرار في هذه المؤسسات التي نصبت لقيادة الثورة؟!
عذراً التعليقات مغلقة