شنت صحيفة الغارديان البريطانية هجوماً لاذعاً على المجتمع الدولي، محمّلة إياه مسؤولية الجرائم التي يرتكبها نظام بشار الأسد في سوريا، وآخرها عملية القصف بالكيماوي التي استهدفت مدينة دوما في الغوطة الشرقية.
وقالت الصحيفة في افتتاحيتها، إن الاستخدام المفرط للأسلحة الكيماوية من قِبل نظام الأسد عمل “وقح وبربري”، فلقد اختنق عشرات الأشخاص في المدينة، التي ما زالت تحت سيطرة قوات المعارضة السورية.
وهذه ليست المرة الأولى التي يحدث فيها هذا؛ فمنذ استخدام غاز السارين في خان شيخون عام 2013، أقدم النظام على عشرات الهجمات الكيماوية، ما يمثل ازدراءً للبشرية وتجاهلاً لكل قوانين الحرب.
وتقول “الغارديان” إن استخدام الأسد الأسلحة الكيماوية مرة أخرى يعود لسببين؛ الأول أنه يملك تلك الأسلحة وهي رسالة مهمة يريد إيصالها لمعارضيه، كما يملك في الوقت نفسه الإرادة لاستخدامها، والأمر الآخر أنه فعل ذلك لأنه يعرف أنه يستطيع أن يفلت من العقاب، فحتى العقوبات القانونية والدبلوماسية التي تُفرض عليه، غير فعالة.
وربما يتساءل البعض: لماذا يلجأ الأسد إلى استخدام هذه الأسلحة المحرمة، في وقت تضييق قواته الخناق على الفصائل المسلحة بالغوطة الشرقية؟
للإجابة عن ذلك، تقول “الغارديان”، ينبغي العودة إلى علم النفس، الذي يفسر هذه الظاهرة بأنها محاولة من النظام لترهيب المدنيين، وأيضاً معاقبة معارضيه بهذا السلاح الفتاك.
وتقول الصحيفة: إن “روسيا تتحمل مسؤولية كبيرة في تمكين سلاح الجوي السوري من قصف دوما، فهي تسيطر على المجال الجوي الغربي لسوريا، والمستشارون الروس موجودون في القواعد الجوية التي تنطلق منها الطائرات السورية”.
وتضيف: “ربما لا يكون الروس منخرطين بشكل مباشر في هذه القرارات وهذا القصف، ولكنهم يوفرون غطاءً عسكرياً ودبلوماسياً نشطاً لاستخدام نظام الأسد الأسلحة الكمياوية، كما أن استخدام موسكو المتكرر حق النقض (الفيتو)، منع أي تدابير فعالة ضد هذا النظام، ومنَحه الضوء الأخضر للمزيد من هذه الجرائم”.
أما السياسة الأمريكية، فهي ومنذ حرب العراق، باتت غير حاسمة، وخاصة في عهد الرئيس السابق باراك أوباما. واليوم في عهد الرئيس دونالد ترامب، فإنها تبدو فوضوية، فقبل عام وبعد هجوم كيماوي من قِبل نظام الأسد، والذي أدى إلى مقتل العشرات في خان شيخون، قصف ترامب مطاراً للنظام بـ59 صاروخاً من نوع “كروز”. ومنذ ذلك الحين، تقلبت سياسة واشنطن إزاء سوريا، خاصة مع الأكراد الذين كانوا حلفاء لأمريكا في حربها ضد “داعش”.
وترى الصحيفة أن سقوط الغوطة الشرقية بيد نظام الأسد لن يمثل نهاية للصراع في سوريا، وإنما سيكون بداية لمرحلة أخرى من مراحل الصراع، وبما أن دمشق ما زالت تمثل المساحة الأكثر هدوءاً في سوريا والتي لم تصل لها نيران “داعش”، فإنه يمكن القول إن سوريا فعلياً وبعد معارك الغوطة ستنقسم إلى ثلاث مناطق: الأولى خاضعة لسيطرة النظام وروسيا وإيران، والثانية تخضع لسيطرة الأكراد بحماية أمريكية، والثالثة وتقع شمالي حلب ستخضع لسيطرة القوات التركية.
إزاء هذا الوضع في سوريا، تقول “الغارديان”، وفي ظل غياب أي حل دبلوماسي للصراع، فإنه يمكن القول إن الهجمات على دوما لن تكون الأخيرة.
عذراً التعليقات مغلقة