تتكرر الأنباء حول اندلاع أعمال عنف في مراكز إيواء اللاجئين بين هؤلاء أنفسهم وصلت إلى الحد الإصابة بجروح بليغة أو حتى الموت. البعض يرى أن بعض اللاجئين جاؤوا بمشاكلهم إلى ألمانيا، فيما يرى آخرون أن العنف وليد أسباب عميقة.
ويكاد لايمر أسبوع دون ورود أنباء عن اندلاع مشاجرات واشتباكات في مراكز إيواء اللاجئين في مناطق مختلفة في ألمانيا. وتارة تقتصر هذه المشاجرات على أربعة أو خمسة من الأشخاص، وتارة أخرى تشمل العشرات من اللاجئين، مخلفة خسائر مادية وجروحا بليغة وصلت في بعض الأحيان إلى الموت.
ولكنها تستدعي دائما تدخل قوات حاشدة من الشرطة لتهدئتها. وعادة ما يتردد أن الأسباب وراء اندلاع مثل هذه المشاجرات تافهة للغاية ولا ترتقي حتى لأن تكون مدعاة للجدال. فما الذي يدفع هؤلاء – الذين أتوا إلى ألمانيا بحثا عن الأمن والأمان وعن حياة أفضل – إلى استخدام اللكمات أو القضبان الحديدية أو حتى السكاكين في مشاجراتهم؟
“هل أتى اللاجئون بمشاكلهم إلى ألمانيا”
وزير داخلية ولاية بفاريا يواخيم هيرمان من الحزب الاجتماعي المسيحي – الذي لطالما طالب المستشارة ميركل بالحد من دخول اللاجئين إلى ألمانيا – كان قد قال في مطلع العام الجاري تعليقا على أحداث عنف شهدها أحد نزل للاجئين في الولاية ذاتها: “لم يأتِ إلى بلادنا المتعلمون السلميون الراغبون في الاندماج فحسب، وإنما أيضا أولئك الذين يريدون نقل بؤر التوتر إلى بلادنا”، وفق ما نقلت عنه قوله صحيفة هاندلسبلات الألمانية مطلع العام الجاري.
فهل جلب اللاجئون معهم مشاكلهم إلى ألمانيا؟
جون سيمون، خبير اجتماعي من أصل عراقي ومتخصص في تقديم الاستشارات لطالبي اللجوء في ألمانيا والذي أصبح يُكنى لديهم باسم “جوسي البغدادي”، نسبة إلى مسقط رأسه بغداد، يرى أن أسباب العنف بين اللاجئين متعددة وعميقة. ويقول في حديث لـ DW عربية: “من بين هذه الأسباب أن أغلبية اللاجئين جاؤوا من مجتمعات شرقية تختلف اختلافا جذريا عن المجتمع الألماني. وبالتالي فإن هذه الاختلافات تشكل أكبر صدمة لهؤلاء اللاجئين”. ويضيف قائلا: “هؤلاء ولدوا ونشأوا في بيئة تنعدم فيها الحريات الشخصية وفي دول ذات أنظمة ديكتاتورية. وبالتالي فإن العنف (بمختلف أشكاله) جزء من حياتهم اليومية. هؤلاء ليسوا عنيفين بالفطرة وإنما ظروفهم المعيشية هي التي جعلت منهم عنيفين”.
ويوضح جوسي البغدادي بأن هناك بعدا آخر لابد من أخذه بعين الاعتبار وهو أن “أغلبية اللاجئين فروا من دول تشهد حروبا ونزاعات مسلحة”. وبالتالي فهم عاشوا في بيئة عنيفة وأعمال العنف أصبحت جزءا من حياتهم اليومية على الأقل ولو لفترة محددة.
“ظروف حياتهم ومعاناتهم هي التي ولدت لديهم العنف”
وللعنف وجوه متعددة، وفق ما كشفت دراسة أجريت بتكليف من وزارة داخلية براندنبورغ الألمانية ونشرت نتائجها نهاية العام الماضي حول أعمال العنف في مراكز إيواء اللاجئين وأسبابها. كما توصل الباحثون – الذين حاورا العاملين والمقيمين في جميع المراكز التي تستضيفها الولاية – إلى أن أعمال العنف، التي تكاد تكون يومية، تشمل “تصرفات عدائية ومشاجرات كلامية عدوانية وتهديدات وشتائم وإهانات بالإضافة إلى إلحاق الأضرار بممتلكات الغير أو بمرافق المركز الخاص باللاجئين”.
كما توصلت الدراسة إلى أن “التوتر يتصاعد خاصة في الأماكن التي تشهد اكتظاظا باللاجئين الذين يفتقدون في أحيان كثيرة إلى الخصوصية الشخصية وفي تلك التي يتواجد فيها لاجئون من دول وثقاقات مختلفة يتعذر فيها التواصل بعضهم بين بعض بسبب الاختلافات اللغوية وكذلك كلما انعدمت فرص عمل أو تدريب ينشغل من خلاله اللاجئون.
وهو ما ذهب إليه أيضا الخبير الاجتماعي جون سيمون الذي يؤكد أن الظروف المعيشية للاجئين في ألمانيا قد زادت من الطين بلة، بحيث يقول: “(في أحيان كثيرة) يتم إيواء اللاجئين في ملاعب وصالات للرياضة وسط اكتظاظ وظروف معيشية صعبة. وبالتالي يصابون بصدمة لأن ذلك يتعارض تماما مع ما كانوا يتوقعونه”. ويضيف قائلا: “الكثير من اللاجئين قالوا لي بأنني وُعدنا بالحصول على كل شيء في ألمانيا. (…) وعندما أسألهم عمّن وعدهم بذلك، يجيبون بأن المستشارة الألمانية هي التي وعدتهم (بحياة أفضل في ألمانيا)”.
ويبدو أن الصدمة التي يصاب بها الكثير من اللاجئين –إلى جانب الاختلافات الثقافية – تعود إلى أن توقعاتهم للحياة في ألمانيا تختلف تماما عن الواقع. وفي الواقع فقد دفعت خيبة الأمل العديد من العراقيين إلى العودة إلى بلادهم بعد المخاطرة بكل شيء لمغادرته من أجل حلم الوصول إلى أوروبا العام الماضي.
إجراءات عديدة – فهل الفرز بين اللاجئين هو الحل؟
ولاحتواء أعمال العنف في مراكز إيواء اللاجئين تعددت الإجراءات، حيث قامت بعض الولايات الألمانية بتخصيص مراكز خاصة باللاجئين المثليين والمتحولين جنسيا والذين كثيرا ما اشتكوا من الاعتداء عليهم بالعنف المادي واللفظي. كما أن هناك دعوات إلى تخصيص مراكز خاصة بالاجئين الذين تركوا الإسلام واعتنقوا المسيحية، حيث كشفت دراسة، أجرتها منظمة “الأبواب المفتوحة” المعنية بإغاثة المسيحيين المعرضين للاضطهاد الديني، أن هؤلاء يتعرضون للمضايقات من قبل بعض اللاجئين المسلمين.
من جهته، يرى جوسي البغدادي أن توزيع اللاجئين بحسب الجنسية، أي أن يتم تخصيص مراكز خاصة باللاجئين السوريين فقط، وأخرى بالعراقيين وأخرى بالأفغان وهكذا دواليك، من شأنه أن يحد من أعمال العنف في مراكز إيواء اللاجئين. ويقول “بإمكان السوري أن يفهم ابن بلده، وكذلك الأمر بالنسبة للأفغاني مع الأفغان أو الإيراني مع الإيرانيين. فلأبناء البلد الواحد قواسم ثقافية مشتركة كثيرة…وهذا من شأنه أن ينزع فتيل نزاعات قد يكون فيها حاجز اللغة أو الفوراق الثقافية هو السبب”.
“زرع الثقافة الديمقراطية” حل بعيد المدى؟
البعض الآخر يرى في هذه الحلول مفعولا قصير المدى ولا يمهد للعيش في مجتمع منفتح ومتعدد على غرار المجتمع الألماني، مقترحا حلولا جذرية. ففي سياق متصل، دعا النائب عن الحزب الديمقراطي المسيحي الحاكم في ألمانيا في البرلمان الألماني بوركهارد دريغَر مثلا إلى ضرورة أن “يوقع كل لاجئ على التزام بالمبادئ الديمقراطية”، وفق تصريح له لصحيفة تاغسشبيغل الألمانية قبل بضعة أسابيع.
ووفقا للسياسي الألماني يجب أن يتضمن هذا الالتزام الإقرار بأن الدستور الألماني فقط هو القانون المعمول به والذي يخضع له الجميع دون أي نظام قانوني آخر. كما اقترح إطلاق “حوار للمبادئ” في مراكز إيواء اللاجئين، حيث يقوم طرف خارجي بمناقشة المبادئ والقواعد مع اللاجئين.
إلى ذلك الحين يرى جوسي البغدادي أن توفير فرص عمل أو تدريب من الإجراءات التي تساعد في إدماج اللاجئين وإعدادهم لدخول سوق العمل، كما تشغلهم بدلا من الإصابة بالملل نظرا لطيلة الانتظار في مراكز تنعدم في أغلبيها مرافق للترفيه.
وفي الواقع فقد اعتمدت ولايات ألمانية برامج يؤدي من خلالها اللاجئون “اعمالا بسيطة” كتوزيع الوجبات السريعة أو إصلاح الدراجات وري مشاتل الزهور، يتقاضون عليها يورو واحدا في الساعة، عملا بتدبير يهدف الى تمكينهم من الاندماج بصورة جيدة في سوق العمل. غير أن فاعليته لا تزال موضع جدل، ذلك أن هناك العديد الذين يخشون من أن يشكل اللاجئون يداً عاملة زهيدة تنافس اليد العاملة المحلية وبالتالي الالتفاف على إلزامية دفع الحد الأدنى من الأجر.
الأكيد أن هذه تشكل بعضا من الحلول الآنية لاحتواء أعمال العنف في صفوف اللاجئين الذين قدموا إلى ألمانيا وفي حقائبهم آمال كبيرة في غد أفضل. الطريق نحو الاندماج في المجتمع الألماني قد يكون وعراً وطويلاً، ولكنه ليس مستحيلاً!
* المصدر: دوتشه فيله
عذراً التعليقات مغلقة